دخان الحرب وغبار الأنقاض في غزة ولبنان، في النقب الغربي والشمالي، ونضال الجمهور لإعادة المخطوفين، والاحتجاج في كابلان – كل ذلك يوفر للحكومة الإسرائيلية بقيادة سموتريتش غطاء مطلوباً للمضي بطموحاتهم المسيحانية في الضفة الغربية. وإذا نظرنا إلى ما بعد هذا الغطاء، يمكننا تشخيص “الخطة الرئيسية” التي يدفع بها اليمين المسيحاني – القومي قدماً بكامل القوة، التي استهدفت منع حل الدولتين والتوصل إلى الضم المستقبلي.
لكن أمام هذه الطموحات المسيحانية واقع ديمغرافي معاكس. معطيات المكتب المركزي للإحصاء حول السكان الإسرائيليين في الضفة الغربية حتى نهاية آب 2024 تكشف فشل اليمين المسيحاني. ورغم الجهود لزيادة عدد المستوطنين في الضفة فإن عددهم يراوح في المكان، والواقع لا يتلاءم مع الحلم.
المؤمنون بالحلم المسيحاني القومي المتطرف، سموتريتش وبن غفير وستروك وغيرهم، رفضوا إنهاء الحرب في غزة وإطلاق سراح المخطوفين، وقطعوا الصلة بين السياسة واعتبارات الأمن الوطني من أجل كسب الوقت المطلوب لتحقيق “الخطة الرئيسية” – إلغاء التوصل إلى حل الدولتين.
خلافاً لعجز اليمين المسيحاني وإهماله لكل ما يتعلق بإدارة الدولة والحرب – التحديات الاقتصادية والتشغيل والتعليم والمواصلات –فإن أعضاءه يظهرون رؤية استراتيجية لصالح تطبيق الخطة الرئيسية.
ثمة تحقيق متعدد السنوات أجرته مجموعة “تمرور”، شخص ثمانية أهداف في الخطة الرئيسية الاستراتيجية:
الهدف الأول: خلق تواصل بين المستوطنات اليهودية على طول “طريق ألون” (الشارع 578، الشارع 508 والشارع 458)، شارع القدس – أريحا حتى المحولة في شمال الغور، من خلال إقامة ما لا يقل عن 30 بؤرة استيطانية غير قانونية (3 منها أقيمت أثناء الحرب). هذا الشارع الذي تم شقه في بداية السبعينيات في إطار “خطة ألون” يسيطر على المنحدرات الشرقية في “السامرة” [شمال الضفة الغربية] وفي غور الأردن، وعلى مفترقات الطرق التي تربط غور الأردن مع “ظهر الجبل” – ثمة مدن فلسطينية رئيسية، نابلس ورام الله، وعلى رأسها مفترق طرق الحمراء ومفترق “تفوح” (زعترة) ومفترق “ريمونيم”.
الهدف الثاني: خلق تواصل استيطاني يهودي على طول الشارع 60، الذي يربط جميع المدن الفلسطينية الرئيسية، من جنين شمالاً حتى الخليل جنوباً. وسيكون هذا من خلال إقامة 30 بؤرة استيطانية (أقيمت خمس منها أثناء الحرب) – هذا يعني أن السيطرة على هذا الشارع تسمح بالسيطرة على ظهر الجبل وقطع التواصل الجغرافي والمواصلاتي الفلسطيني في الضفة الغربية المطلوب لوجود دولة قابلة للحياة.
الهدف الثالث: ربط المستوطنات المعزولة في ظهر الجبل مع غور الأردن، التي كان سيتم إخلاؤها وفقاً لكل اقتراح إسرائيلي طرح في المفاوضات من قبل، حسب خطة “الانفصال” الأصلية، التي دفعها قدماً أريئيل شارون، وحسب خطة “التراجع” التي دفعها قدماً إيهود أولمرت. ولمنع إخلاء هذه البؤر، أقام اليمين المسيحاني خمس بؤر استيطانية شرق “ألون موريه”، وست بؤر شرق “إيتمار”، ثم شق طرقاً التفافية إلى هذه البؤر والمستوطنات، مثل الشارع الالتفافي الذي يتجاوز حوارة وتم استكماله قبل سنة بتكلفة 800 مليون شيكل، في إطار “الخطة الرئيسية للمواصلات في “يهودا والسامرة”، التي خصص لها 7 مليارات شيكل في السنوات الخمس القادمة (20 في المئة من ميزانية تطوير الشوارع في إسرائيل).
الهدف الرابع: خلق تواصل استيطاني بين “أريئيل” ومستوطنات “عيلي و”شيلو “ومن هناك إلى غور الأردن. ومن أجل ذلك، أقيمت 21 بؤرة استيطانية غير قانونية، 2 منها أثناء الحرب و8 تمت شرعنتها كأحياء في مستوطنات قائمة أو كمستوطنات مستقلة. ومكن “الشرعنة” هنا من تطوير مسرع للبنى التحتية والأحياء السكنية، والحصول على تسهيلات مبالغ فيها في الميزانيات.
الهدف الخامس: في موازاة تعزيز “الكتل الاستيطانية” القائمة فقد بذلت جهود كبيرة لخلق أربع كتل جديدة: جنوب شرق جبل الخليل بين مستوطنات “معون” و”سوسيا”، تمت إقامة 16 بؤرة استيطانية، واحدة منها أثناء الحرب. شرق “غوش عصيون” في منطقة “تقوع” و”نوكديم” أقيم 16 بؤرة استيطانية، 3 منها أثناء الحرب، وكما هو معروف فإن 5 منها تمت شرعنتها في السابق. أما شمال غور الأردن فأقيمت 8 بؤر استيطانية، 3 منها تمت شرعنتها. وفي غرب “السامرة” بين “بودئيل” و”كرني شومرون” أقيم 12 بؤر استيطانية، تمت شرعنة 5 بؤر منها.
الهدف السادس: خلق تواصل جغرافي بين “غوش عصيون” والقدس، وفصل خمس قرى فلسطينية وهي بتير، وحوسان، والولجة، ونحالين ووادي فوكين عن المدينة الرئيسية بيت لحم في منتصف آب أثناء الحرب. وقال الوزير في وزارة الدفاع سموتريتش: “ربط غوش عصيون بالقدس هو مهمة وطنية. وإعادة الاستيطان في غوش عصيون؛ وقد تم نشر خط أزرق لـ 602 دونم لإقامة مستوطنة ناحل حيلتس”.
الهدف السابع: استكمال المناطق العازلة، الحضرية اليهودية (أحياء “الحلقة” التي بدأ البناء فيها في 1971 شمال القدس لعزل رام الله عن شرقي القدس، وفي جنوب القدس لعزل بيت لحم عن القدس. ونشاهد في شمال المدينة إغلاق الفجوة الجغرافية بين حي “راموت ألون” و”رمات شيفت”، ومن “رمات شيفت” إلى مفترق التلة الفرنسية – “جفعات همفتار”. وعلى الأجندة بناء حي “عطروت” (بدلا من المطار الذي تم وقف العمل فيه عام 2000)، الذي سيضم 11 ألف وحدة سكنية للحريديم. وسيتم ربط هذا الحي بالشارع الجديد، من مستوطنات شرق “بنيامين” مروراً بمفترق “آدم” الذي استثمر فيه 400 مليون شيكل، مروراً بالشارع الذي يقع تحت معبر قلنديا (الذي استثمر فيه نفس المبلغ) وحتى شارع 45 باتجاه غرب “موديعين”. وسيتم ربط المستوطنات الحريدية تل “تسيون” و”كوخاف يعقوف” مع حي “عطروت”.
في جنوب المدينة يتم الآن استكمال بناء حي “جفعات همتوس” الذي يفصل بيت صفافا عن بيت لحم، ويتم التخطيط لإقامة حيين آخرين.
الهدف الثامن: خلق تواصل استيطاني بين القدس وغور الأردن مروراً بـ “معاليه أدوميم”. وفي مركز الخطة سيقام حي “مفسيرت أدوميم” (إي 1)، وتضيف لمستوطنة “معاليه أدوميم” 4 آلاف وحدة سكنية. إضافة إلى ذلك، أقيمت 14 بؤرة استيطانية غير قانونية بين القدس ومفترق “ألموغ”.
من المهم الإشارة إلى أنه تم إرفاق هدف ثالث بالهدفين الأخيرين، وهو الحفاظ على الأكثرية اليهودية في القدس، التي أخذت تتضاءل منذ ثلاثة عقود بسبب الهجرة السلبية. يجب التذكير بأنه في 1967 بعد حرب الأيام الستة كانت نسبة الفلسطينيين في سكان المدينة 26 في المئة، أما الآن فنسبتهم 40 في المئة، وجميعهم يعيشون في شرقي المدينة.
أكثر من نصف اليهود الذي تركوا العاصمة هم من الحريديم، وذلك بسبب عجزهم عن إيجاد مكان سكن في المدينة. الأحياء الجديدة التي تم بناؤها في القدس خصص معظمها لهذه المجموعة السكانية من أجل عدم المغادرة. هذه الخطوة إذا نجحت، فستجمع خلال أقل من عقد ربع المجتمع الحريدي في منطقة القدس، وستدهور وضع المدينة، التي هبطت في السابق من العنقود 6 في المقياس الاقتصادي – الاجتماعي إلى العنقود 2، وإلى حضيض عميق، وستبقى عاصمة إسرائيل مدينة فقيرة جداً مع أغلبية غير صهيونية.
تكتيك اليمين المسيحاني يشمل خطة عمل متنوعة، لكنها خطة تكرر نفسها في العشرين سنة الأخيرة من خلال سحق القانون الدولي والقانون الإسرائيلي بقدم فظة: إقامة بؤر استيطانية غير قانونية، وشرعنة بؤر قائمة غير قانونية، وشق الشوارع وإقامة البنى التحتية، وهدم بيوت الفلسطينيين، وعنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، بدءاً بالإزعاج اليومي وحتى المس بالممتلكات وطرد التجمعات والإصابة وحتى القتل.
مكانة سموتريتش كوزير مالية يسيطر على الإدارة المدنية في إطار منصبه كوزير في وزارة الدفاع، هي دمج ناجح من ناحيته، الذي يبعد وزير الدفاع عن السيطرة عما يحدث في “المناطق” [الضفة الغربية]. في موازاة ذلك، يحصل سموتريتش على دعم من التعاون الوثيق مع الوزير بن غفير والشرطة، ويستغل غض نظر الجيش الإسرائيلي.
خطة اليمين المسيحاني الرئيسية غير قابلة للتطبيق بدون التعاون الوثيق بين الوزارات الحكومية والمجالس الإقليمية الخمسة، وجدت أهدافها الثمانية في مجال ولايتها القانونية (باستثناء أحياء القدس). هذه المجالس الإقليمية تتمتع بمشاركة الحكومة في ميزانياتها العادية وغير العادية بنسبة 60 – 80 في المئة (أكثر 50 – 90 في المئة من المتوسط في إسرائيل)، بالأساس في مجال التعليم والرفاه. بشكل غير منطقي، هذا الإنفاق البلدي يضع للفرد في أوساط سكان المستوطنات، الذين هم فقراء نسبياً مقارنة بالمتوسط في إسرائيل، في مستوى أعلى بكثير من المتوسط في إسرائيل. لن يكون من المفاجئ إذا اكتشفنا بأن نصف الناخبين في هذه المجالس الإقليمية صوتوا لبن غفير وسموتريتش، والربع تقريباً صوتوا لليكود.
إن منحى تقديم الدعم الحكومي الاستثنائي وجد تعبيره الواضح في ثلاثة استطلاعات أجريت في الأعوام 2016 – 2023، في عينات كبيرة من السكان اليهود في الضفة الغربية، ولفحص المواقف بخصوص الحلول السياسية. هذه الاستطلاعات أظهرت أن المستوطنين الأيديولوجيين مع مرور الوقت، يكتشفون جودة الحياة، وبدأ مستوطنو جودة الحياة في تبني الأيديولوجيا. مثلاً، في العام 2016 فقط 19 في المئة من المستوطنين الأيديولوجيين أشاروا إلى جودة الحياة كدافع رئيسي للاستيطان في الضفة الغربية، وفي العام 2023 أشار 38 في المئة إلى ذلك كدافع رئيسي. في موازاة ذلك، نلاحظ توجهاً للتطرف وعدم الاستعداد للإخلاء مقابل تعويضات في أوساط مستوطني جودة الحياة. في العام 2016، أظهر 66 في المئة من هؤلاء المستوطنين استعداداً للإخلاء مقابل التعويض، لكن في 2023 انخفضت نسبة هؤلاء إلى 55 في المئة.
المجلس الإقليمي “متيه بنيامين” برئاسة يسرائيل غانتس، وهو أيضاً رئيس مجلس “يشع”، يحمل الرقم القياسي، ويضم في حدوده 59 بؤرة غير قانونية، 10 منها أقيمت أثناء الحرب. في موازاة ذلك، في حدود هذا المجلس، تم تنفيذ 168 عملية هدم لبيوت فلسطينيين على يد الإدارة المدنية، وطرد 8 تجمعات فلسطينية في السنة الماضية. والمجلس الإقليمي “شومرون” برئاسة يوسي دغان، يضم في حدوده 40 بؤرة استيطانية غير قانونية، اثنتان أقيمتا أثناء الحرب، وفي السنة الماضية تم هدم أربعة بيوت للفلسطينيين داخل حدوده.
في المجلس الإقليمي “جبل الخليل” 28 بؤرة استيطانية (4 منها أقيمت أثناء الحرب) وتم تنفيذ 50 عملية هدم لبيوت فلسطينيين داخل حدوده، وتم طرد 8 تجمعات للفلسطينيين. أما المجلس الإقليمي “غوش عصيون” ففيه 25 بؤرة استيطانية (4 منها أقيمت أثناء الحرب)، وتم تنفيذ 22 عملية هدم لبيوت فيه، وطرد 3 تجمعات للفلسطينيين. المجلس الإقليمي “عرفوت هيردين”، الذي يضم 21 بؤرة استيطانية (4 منها أقيمت أثناء الحرب) نفذ فيه 41 عملية هدم لبيوت، وطرد 4 تجمعات.
في أحداث العنف ضد الفلسطينيين التي حدثت منذ بداية الحرب ونشرها مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، تم الحفاظ على تدرج العنف في هذه المجالس: في “متيه بنيامين” 502 حالة عنف، في “شومرون” 389 حالة عنف، في “جبل الخليل” 202، وفي “غوش عصيون” 63 حالة، وفي “عرفوت هيردين” 40. يجب الإشارة إلى أنه في المدن اليهودية الأربعة في الضفة الغربية، وفي الـ 14 مجلساً إقليمياً فيها (وفي المجلس الإقليمي “مغيلوت البحر الميت”) لا توجد بؤر غير قانونية، والسكان فيها لا يشاركون في أعمال العنف ضد الفلسطينيين.
من معطيات المكتب المركزي للإحصاء في آب 2024، يبدو أن جميع هذه الخطوات تدل على محاولة يائسة لمنع إمكانية تحقيق حل الدولتين، وشرعنة ضم الضفة الغربية أو معظمها (مناطق ج). هذه محاولة يائسة؛ لأن جميع الخطوات التي يقوم بها المستوطنون فشلت إزاء التوجهات الديمغرافية السلبية التي هي في أوساط السكان الإسرائيليين في الضفة الغربية. وللمفارقة، الاحتكاك الذي يبادر إليه المستوطنين لإشعال الضفة واستغلال ذلك لطرد الفلسطينيين، يؤدي إلى نتيجة عكسية. فحسب الأرقام، غادر الضفة الغربية منذ بداية السنة 791 إسرائيلياً، أكثر ممن انتقلوا إليها (ميزان هجرة إجمالية سلبي)، و623 غادروا إلى إسرائيل (ميزان هجرة داخلية سلبي)، وللمرة الأولى في العقد السابق، غادر إلى الخارج 168، أكثر ممن جاءوا (ميزان هجرة دولية سلبي).
هذا المنحى يظهر في أوساط المدن الأربع التي فيها نصيب الأسد من سكان المستوطنات (43 في المئة): في “موديعين عيليت”، المدينة الأكبر، غادر 286 شخصاً، أكثر من الذين انتقلوا إليها. هذه هي السنة الرابعة على التوالي التي تعاني فيها هذه المدينة الحريدية من ميزان هجرة سلبي. في “بيتار عيليت”، الثانية من حيث حجمها، الحريدية أيضاً، غادر منها 261 شخصاً، أكثر ممن انتقلوا إليها بعد أن تحسن في السنة الماضية ميزان الهجرة السلبي قليلاً – في 2022 غادرها 1858 شخصاً، أكثر ممن انتقلوا إليها.
وغادر 440 شخصاً من “معاليه أدوميم”؛ أكثر ممن انتقلوا إليها. وهذه هي السنة التاسعة مع ميزان سلبي في الـ 12 سنة الأخيرة. أما “أريئيل”، المدينة الأصغر بينها، فأضيف منذ بداية السنة مواطنان فقط، في حين كان في المدينة ميزان هجرة سلبي في العشر سنوات من بين العشرين سنة الأخيرة. والـ 14 مجلساً إقليمياً في الضفة الغربية تعاني من ميزان هجرة سلبي – غادرها 339 شخصاً، أكثر ممن انتقلوا إليها. أبرزها “أفرات”، مع ميزان هجرة سلبي بلغ 195، و”كريات أربع” مع 124.
الصورة متنوعة في المجالس الإقليمية: “غوش عصيون” تحظى بإضافة 172 شخصاً، و”مغيلوت البحر الميت” تحظى بإضافة 236 شخصاً، وجبل الخليل 61 شخصاً، و”شومرون” 383 شخصاً. في المقابل، كان في “متيه بنيامين” ميزان هجرة سلبي بلغ 239، وفي “عرفوت هيردين” ميزان سلبي بلغ 73.
عملياً، الزيادة الطبيعية (الولادات ناقص الوفيات) في المستوطنات، أصبحت العامل الوحيد لزيادة اسمية سنوية. حتى نهاية آب، بلغت الزيادة 8385 نسمة، في حين أن نسبة عالية منها جاءت من المستوطنات الحريدية (في موديعين عيليت 2131، في بيتار عيليت 1740، في جفعات زئيف 409، وفي عمانويل 128).
نسبة الحريديم في أوساط الإسرائيليين في الضفة هي 35 في المئة (ثلاثة أضعاف نسبتهم في إسرائيل)، ولذلك ثلاثة تداعيات مهمة: نسبة الأطفال حتى جيل 19 سنة تبلغ 50 في المئة من إجمالي السكان هناك، ما يستتبع ارتفاعاً مستمراً في مدفوعات التأمين الوطني والرفاه. نسبة الإسرائيليين في الضفة الغربية الذين هم في العنقود الاقتصادي – الاجتماعي المتدني (العنقود 1) تواصل الارتفاع (42 في المئة)، والآن نصف السكان بحاجة إلى الدعم الحكومي. بسبب هذه التوجهات، بقيت نسبة المستوطنين في إجمالي السكان 5 في المئة. ونسبتهم في إجمالي سكان الضفة الغربية 14 في المئة. الأكثر دراماتيكية هو الانخفاض الكبير في نسبة اليهود في مناطق “ج” (من 82 في المئة في 2010 إلى 55 في المئة فقط في 2024).
الفشل الديمغرافي والجغرافي (إجمالي المساحة الإسرائيلية المبنية هي 1.5 في المئة فقط من أراضي الضفة الغربية)، نتجت عنه في السنوات الأخيرة ظاهرة المزارع (التي هي جزء من البؤر الاستيطانية غير القانونية). حسب معطيات حركة “السلام الآن” و”كيرم نبوت”، وجد الآن ليس أقل من 108 “مزرعة”، يعيش فيها عدد قليل من الأشخاص، معظمهم من الشباب الذين سيطروا على حوالي 650 ألف دونم (12 في المئة من مساحة الضفة) عن طريق إبعاد الفلسطينيين بوسائل قانونية وغير قانونية.
وزارة الاستيطان ولواء الاستيطان خصصا لها ميزانية بمبلغ 54 مليون شيكل، يضاف إليها ملايين من وزارة الزراعة ووزارة النقب والجليل وحركة “أمانة” وغيرها. مؤخراً، تم وضع تحت تصرف هذه المزارع وحدات دفاع قطرية، يخدم فيها سكان المستوطنات والبؤر الاستيطانية، الذين يرتدون الزي العسكري ويتم تزويدهم بالسلاح. وإلى جانب حماية المستوطنات، يمارسون العنف ضد الفلسطينيين.
في خطتهم الرئيسية، فإن سموتريتش وأصدقاءه، يزيدون عدد الإسرائيليين الذين سيضطرون إلى الإخلاء في حالة عقد اتفاق، لكنهم يدركون أن العمليات التي يدفعون بها قدماً لا تؤدي إلى تغيير دراماتيكي في الواقع الديمغرافي، الذي سيسمح بضم الضفة أو حتى فقط ضم المناطق “ج”، بدون المس بالأغلبية اليهودية في إسرائيل. ولكن ذوي البرج العاجي السياسي يحاولون -بعمليات عنيفة تقتضي موارد ضخمة ومروج لها إعلامياً- أن يرسخوا في وعي الكثير من الإسرائيليين أنهم ليسوا ضليعين في الحقائق والواقع، وترسيخ انطباع كاذب بأن الواقع أمر لا يمكن تغييره، وذلك للقضاء على كل دعم جماهيري لاتفاق دائم.
علينا ألا نستخف بصدع كبير في الثقة الذي قد ينشأ في أوساط المسيحانيين القوميين المتطرفين إزاء الفجوة بين الواقع وحلمهم، على شاكلة الصدع الذي حدث عقب إخلاء شبه جزيرة سيناء، والانفصال واتفاق أوسلو. هذا يفسر استعدادهم “للذهاب حتى النهاية” والتضحية بالديمقراطية وسلطة القانون وجهاز القضاء والجنود في غزة ولبنان، واتفاقات السلام والعلاقات مع يهود العالم والعلاقات مع الولايات المتحدة، والتضامن الاجتماعي.
إن تعصبهم الشديد وصل إلى ذروته بالتضحية بالمخطوفين، والادعاء أنهم الثمن الذي يجب على سكان النقب الغربي دفعه بسبب تمسكهم بالسلام. ما داموا يؤمنون بأن هذه الأثمان هي التي تقودنا لضم البلاد كلها، فلا شيء سيوقفهم، باستثناء اتفاقات سلام مقرونة بإعادة أراض.
إذا كانت الأغلبية العقلانية في إسرائيل تطمح إلى مستقبل مختلف، فعليها أن تعرف الحقائق الموجودة على الأرض وتبديد الضباب. الطريقة الوحيدة لذلك هي الاستيقاظ ومحاربتهم حرباً لا هوادة فيها. بعد ذلك، سيحين وقت للعزاء.
شاؤول ارئيلي، سيون هيرش هافلر، جلعاد هيرش بيرغر
هآرتس 29/11/2024