صحافة فلسطين والحركة الوطنية في نصف قرن منذ 1900 ـ 1948
عندما قادت الصحافة الإضراب العام.. وشجبت زيارة بلفور للقدس.. وشكلت لوبي ضد الانقسام والتفرقةروجت للكوفية والعقال ودعت لعرس القسام.. وسجلت إعدام الشهداء الثلاثة واليوم الأسود في دير ياسينصحافة فلسطين والحركة الوطنية في نصف قرن منذ 1900 ـ 1948عرض وتقديم: ابراهيم درويشالكتابة التاريخية عن نشوء الصحافة العربية في فلسطين والمشرق صارت حدثا من الماضي بقدر ما كتب عنها من كتب ودراسات، وقد توزعت هموم الكتابة التاريخية هذه في محاولة بناء رؤية عن دخول الصحافة والاعلام الي العالم العربي كعلامة من علامات التحديث التي اثرت كثيرا علي مسار اللغة العربية واساليب الخطاب الجديدة التي اجترحتها الصحافة الجديدة الناهضة في عدد من العواصم العربية. ولكن صدور دراسة تحليلية لمحتويات واتجاهات الصحافة العربية في فلسطين، محاولة يرحب بها ويجب الاحتفاء بها. وهو ما سنحاوله في هذه المقالة الموجزة عن كتاب عايدة النجار، الصادر في الاردن بعنوان صحافة فلسطين والحركة الوطنية في نصف قرن .معروف ان الصحافة دخلت العالم العربي مع الحملة الفرنسية علي مصر 1798، ولكن الصحافة العربية علي الاقل في الاقاليم التابعة للامبراطورية العثمانية لم تتطور الا بعد اعلان الدستور العثماني 1908 ولعبت الصحافة الفلسطينية دورا مهما في تشكيل الهوية الوطنية وواكبت المسيرة السياسية في فلسطين منذ اعلان وعد بلفور حتي النكبة عام 1948 وقد عبرت الصحافة الوطنية في فلسطين عن هموم المرحلة مثلما تأثر المثقفون الفلسطينيون بالتيارات الفكرية الناشئة في قلب الدولة العثمانية او خارجها، خاصة حركة المصلح الديني المعروف جمال الدين الافغاني الذي اصدر مع تلميذه محمد عبده مجلة العروة الوثقي التي عبرت عن هموم التغيير وعلاقة الاسلام بالحداثة والعلم، وقد تسنت للعديد من الفلسطينيين الذين درسوا في اوروبا التعرف علي افكار العالم الجديد وضمنوا الكثير من هموم الاصلاح في اعمالهم مثل روحي الخالدي. ولا بد من الربط بين ظهور الصحافة والصحف في المشرق العربي وبين انشاء الجمعيات السرية التي حاولت الدفاع عن عروبة الاقاليم العربية امام موجات التتريك التي فرضتها جمعية الاتحاد والترقي. والذين نجوا من مشانق جمال باشا السفاح في دمشق من الفلسطينيين والناشطين العرب لعبوا دورا مهما في تطوير الحركات الوطنية في بلادهم. كانت الصحافة الفلسطينية اول من دق ناقوس الخطر ضد الاطماع الصهيونية في فلسطين، مثلها مثل الصحف والمجلات التي صدرت في مصر والتي كانت عاصمة الصحافة العربية نظرا للدور الذي لعبه المهاجرون اللبنانيون فيها. ويبرز الدور الحقيقي للصحافة الفلسطينية في التحذير من مخاطر الصهيونية من خلال ما نشرته صحيفة نجيب نصار الكرمل وصحيفة الاصمعي وجريدة فلسطين .يمكن القول ان الصحافة في فلسطين ظهرت للتصدي للصهيونية وكذلك معارضة سياسات تركيا. وقدمت الصحافة في فلسطين معلومات تاريخية ووثائقية عن الصهيونية وحثت علي انشاء العمل المنظم. هل كانت هناك صحافة في فلسطين قبل عام 1908؟ يري باحثون ان محاولات صحافية ظهرت في فلسطين في 1876، حيث صدرت اول صحيفة بالعربية تحت الحكم العثماني. ولكن عام الدستور العثماني شهد فورة في اصدار الصحف حيث صدرت في هذه الفترة 15 صحيفة، واصبح عددها 36 صحيفة ومجلة مع اندلاع الحرب العظمي، وتوزعت اهتمامات الصحف بين الهزلية والجادة، الادبية والسياسية. كان لانتشار المدارس والارساليات الاجنبية، وظهور المطابع دور في تطور اهتمام المثقفين الفلسطينيين ودعاة الفكر القومية بالاعلام. كان لصدور الكرمل ، دور مهم في تشجيع آخرين للدخول في عالم النشر، ولم تسلم الصحيفة التي توقفت اثناء الحرب العالمية الاولي من انتقادات الصهيونية لها، وحفلت الصحيفة بالعديد من المقالات التي كتبها مثقفو فلسطين الشباب مثل عارف العارف الذي حذر من ضياع فلسطين قرية قرية ومدينة مدينة. صدرت في فلسطين في هذه الفترة مجلة الاصمعي التي شارك في تحريرها والكتابة فيها المربي والاديب خليل السكاكيني، واسسها حنا عبد الله العيسي عام 1908، ولكن مجلة النفائس العصرية التي اسسها خليل بيدس عام 1908 كانت اهم المجلات الريادية الادبية، واسهم صاحبها في تعريب وترجمة روائع الادب العالمي، خاصة الادب الروسي. سجل لتاريخ الحركة الوطنيةواكبت الصحافة الفلسطينية مجريات الوعي الوطني والقومي الفلسطيني وتحولت الصحف لسجل لتاريخ الحركة الوطنية في انتفاضاتها وفي خلافاتها ونعراتها، وتنوعت الصحافة الفلسطينية واهدافها في الفترة الانتدابية خاصة بعد صدور وعد بلفور، الذي كانت جريدة المقطم اول صحيفة عربية تنشر نصه كاملا، في العاشر من تشرين الثاني (نوفمبر) 1917 (اي بعد ثمانية ايام من الاعلان عنه في الثاني من الشهر نفسه). وكان نشر الوعد في الصحيفة المصرية لان محررها فارس نمر كان متهما بعلاقته مع البريطانيين. وتعد المرحلة من عام 1917 ـ 1920 من ادق المراحل التي مرت علي فلسطين، ومارست فيها الادارة الانتدابية قمعا للصحافة والصحافيين، فيما نشر الجنرال اللنبي جميع بياناته باللغة العبرية الي جانب العربية والانكليزية، واستخدم عددا من الصحف المشبوهة لنشر عدد من المقالات عن الوعود الكاذبة للعرب. وعلي الرغم من القمع والتقييد فان تطورات التحديث التي بدأت في العهد العثماني استمرت في العهد الانتدابي حيث تم تطوير شبكة المواصلات، وصارت الاتصالات متاحة بين القاهرة والقدس وبيروت، وظهرت في فلسطين العديد من وكالات الانباء وشركات جمع وتوزيع الاخبار المحلية والاقليمية والعالمية والتي تطورت وازدهرت في الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي، وتساوق هذا مع انتشار الطباعة والتطور المهني في اخراج الصحافة العربية الفلسطينية وتخصص بعض الفلسطينيين بدراستها في خارجها. وتقترح النجار قراءة تاريخ الصحافة الفلسطينية في الفترة الانتدابية مع تطور الحركة الوطنية، خاصة ان الحرب العالمية الاولي ادت الي احتجاب بعض الصحف واجبار البعض الاخر علي الاغلاق. مع الانتداب، عادت صحف قديمة للصدور مع صدور صحف جديدة. وما يميز هذه الصحافة في سنوات الانتداب الاولي انها كانت رهينة قوانين الانتداب، وذلك لخوف السلطات البريطانية من انتشار الاخبار ، فالصحافة في هذه الفترة لم تكن شعبية بما فيه الكفاية لان الذين كانوا يقبلون علي قراءتها وشرائها هم من اهل العلم والقلم والنخبة المتعلمة، ولكن الاخبار كانت تقرأ في دواوين ومضافات القري، كما يشير الي ذلك تقرير سري امني هناك اهتمام للاصغاء عندما تقرأ عليهم الصحف الدمشقية والمحلية، وهناك دلائل تشير الي انه ستجري محاولة مؤكدة للقيام بمظاهرة ويسود الاجواء شعور من الترقب .. وعلي الرغم من القيود التي فرضت علي الصحافة والصحافيين الا ان فلسطين العشرينات من القرن الماضي شهدت ولادة 48 صحيفة ومجلة، والاضافة الجديدة علي الصحافة الفلسطينية، كانت ظهور الصحافة الشيوعية في منتصف عام 1919. كذلك ظهرت في فلسطين الصحف السياسية بدلا من الصحف المتعددة الاهتمامات في السابق. وكانت اول صحيفة سياسية تصدر في فلسطين لسان العرب التي اصدرها ابراهيم سليم النجار واحمد عزت الاعظمي. وازدهرت كذلك الصحافة الادبية، وهي مع اهتمامها بالشعر والادب الا انها ساهمت في نشر الوعي السياسي. ويمكن اعتبار القدس وحيفا عاصمتي الصحافة الفلسطينية اضافة لعدد من المدن مثل عكا وبيت لحم وحتي بيرالسبع التي نشر فيها عدد من الصحف. وكانت اول مجلة ادبية تصدر في العشرينات هي مجلة الكلية العربية ، واصدرها المربي احمد سامح الخالدي، ومجلة روضة المعارف ، و مجلة الغد ، ولكن ابرز المجلات الادبية ظلت النفائس العصرية . أدباء الصحافةوشارك ادباء فلسطين في تلك الفترة بالكتابة الادبية فيها، وبعضهم شارك في تحرير بعض المجلات. وبعيدا عن اتجاهات الصحافة الادبية فان صحف العشرينات انقسمت الي مؤيد ومعارض للسياسة البريطانية وهناك اتجاه اخر، اتخذ دور المهادن. وفرضت الاجندة الوطنية المناهضة للانتداب وسياساته نفسها علي عناوين الصحف الفلسطينية، ثورة القدس او هبة البراق ، وضرورة البقاء علي الوحدة بين سورية وفلسطين. وكانت هناك تغظيات لانفجار يافا (ايار ـ مايو 1921). ونظرا للدور المهم الذي لعبته الصحافة في رصد ومواكبة الحركة الوطنية وتبني دعوات قادتها مثل المطالبة بالغاء وعد بلفور، والهجرة اليهودية، واقامة الوطن القومي وتسرب الاراضي فقد حاولت السلطة البريطانية اسكاتها وليس غريبا ان تظهر في 21 ايار (مايو) صحيفة فلسطين وصفحتها الاولي بيضاء. ولم تخل صحف فلسطين العشرينات من الاهتمام بالقضايا الاجتماعية، وتقرير اخبار الاحصاء العام الذي اجرته السلطات في عام 1922، ومتابعة اخبار الوفد الفلسطيني الي لندن. وما يميز الصحافة ايضا هو الخلافات والتناحر العائلي، حيث برزت كتلتان في القدس، كتلة آل الحسيني والكتلة الثانية هي كتلة آل النشاشيبي او ما صار يعرف بالمجلسيين والمعارضين، وقد تزعم الاولي الحاج امين الحسيني اما الثانية فتزعمها راغب النشاشيبي. وقد ساهمت هذه الصحف في اغناء المشهد الصحافي علي الرغم من الركود السياسي الذي طبع البلاد في هذه الفترة جراء التناحرات السياسية. وتشير الكاتبة النجار هنا إلي ان الصحافة الوطنية الفلسطينية اصبحت بعد عام 1929 من اقوي الوسائل الجماهيرية التي لم يعد بالامكان الاستغناء عنها واكدت التقارير الحكومية ولجان تقصي الحقائق التي ارسلت لفلسطين في تلك الفترة الي اهتمام الجماهير بالصحف ان الفلاحين الفلسطينيين كانوا اوعي سياسيا من كثير من الاوروبيين بالرغم من ان نسبة الامية كانت مرتفعة بينهم . ولاحظ التقرير القرويين الذين كانوا يجتمعون في المقاهي الشعبية حول اولادهم الذين تعلموا في المدارس ليقرأوا عليهم الجرائد وليعرفوا ما يجري من احداث وطنية ومقاومة ضد الاحتلال البريطاني والهجرة اليهودية ونتيجة لذلك وضعت الحكومة قانونا صارما للحد من نشر المقالات النارية التي كانت تحمس الناس. ولان السياسة والوضع السياسي كانا من اكثر القضايا الحاحا علي الشارع الفلسطيني فقد شاركت الصحافة الادبية بالسياسة واتخذ الادباء مواقف سياسية وانتقد الشعراء ممارسات السياسة وخلافات الزعماء. ويبدو ان الصحافة الفلسطينية في العقد الاول من الانتداب البريطاني قد شكلت لوبياً قوياً، ادي بها لتنظيم اجتماع من اجل رأب الصدع بين الصحف، ومنع التجريح والتشهير، ومقاومة النعرات الطائفية التي تؤدي الي الانقسام والتفرقة بين الوطنيين والدعوة للمصالحة الوطنية.زيارة بلفورمن القضايا التي شغلت صحافة العشرينات في فلسطين، زيارة اللورد بلفور، صاحب الوعد المشؤوم لفلسطين، حيث وضع حجر الاساس للجامعة العبرية في القدس، (28 اذار ـ مارس 1925)، وهي الزيارة التي عالجتها الصحف، وقدمت عنها تقارير، خاصة الاضراب العام، والتضامن الشعبي الذي لم يشذ عنه سوي راغب النشاشيبي وثلاثة اخرين شاركوا في الاحتفال. حتي نجيب نصار الذي كان يتهم بدعم السياسات البريطانية في صحيفته الكرمل ، قام بمهاجمة اللورد قائلا يا جناب اللورد ستري امة حزينة وشعبا هانت قواه يقوم بالدعاء في الجوامع.. وانت سياسي لا بد ان تهزأ بما تري وتسمع، فأنت يا جناب اللورد، زرعت بذور التعاسة ومشاكل سياسية، ستظل عارا لابناء الانكليز واحفادهم . ويلاحظ في هذه الفترة نوع من الانحدار والاسفاف في بعض القضايا خاصة الطائفية، واثارة نعرة، مسيحي ومسلم. وجاءت المهاترات الصحافية التي شارك فيها نصار، وعيسي العيسي ومنيف الحسيني علي حساب الشعب الفلسطيني الذي كان يعاني من واقع مرير. ولم يفت الواقع امين الريحاني، اللبناني ـ الامريكي، حيث كتب رسالة مطولة علي شكل مقال الي رئيس المجلس الاسلامي الاعلي الحاج امين الحسيني، حيث كتب يقول المبدأ الجوهري هو مقاومة الصهيونية فهل تستطيعون مقاومتها بشقاكم يا تري وبتحزبكم وبمطاعن بعضكم علي بعض، وهل يخدم الامة موال بخصومها او من يستنجد بخصومها علي ابناء بلاده . ويبدو ان الركود السياسي والمهاترات بين الصحافيين لم تتوقف الا بعد اندلاع هبة البراق في آب (اغسطس) 1929، حيث انعشت هذه الحادثة الحركة الوطنية بشكل عام. لا تنسي الكاتبة هنا الحديث عن دور المرأة الفلسطينية في الصحافة الوطنية، والاشارة الي بعض التجارب الريادية فيها، ومؤتمر الحركة النسائية الذي حضرته 200 ممثلة، وخصصت صحيفة الكرمل اول زاوية للنساء، هي صحيفة النساء. الصحافة الملتزمةانتهت حقبة العشرينات، بتجاربها واهتماماتها وتوزعها بين السياسي والحزبي لولادة جيل من الصحافة الملتزمة في حقبة الثلاثينات من القرن الماضي، وتحبذ الكاتبة هنا تقسيم صحافة هذه الحقبة الي قسمين، الاول، ما قبل الثورة او العاصفة 1930ـ 1935 والثانية ما بعد اندلاع الثورة وحتي بداية الحرب العالمية الثانية 1939، ومعظم الصحف التي صدرت في هذه الفترة كانت سياسية، اضافة لبعض الصحف التاريخية والتربوية والعملية، الكشفية والاقتصادية. وترافق صدور الصحف السياسية مع ولادة الاحزاب السياسية، مثل حزب الاستقلال (1932)، ومؤتمر الشباب العربي (1932) وحزب الدفاع الوطني (1934)، والحزب العربي الفلسطيني (1935)، وحزب الاصلاح العربي الفلسطيني (1935)، والحزب الشيوعي الفلسطيني (1923). وركزت الصحافة علي عدد من القضايا، وهي الارض ووضع الفلاح الفلسطيني، ونقد الكتابين الابيض والاسود، ونشاطات الحركة الوطنية. ولم يفت المعلقون الصحافيون التعليق علي خبر وفاة بلفور، في اذار (مارس) 1930 حيث تفاءلوا خيرا بموته، والتزم المعلقون بادب التعليق حيث اكدوا علي مبدأ ان لا شماتة في الموت. ونشرت صحيفة صوت الشعب مقالا مهذبا ذكرت بلفور بماضيه الاستعماري وتمنت ان يكون الوعد قد شاخ مثلما شاخ ومات صانعه. ولكن الادارة البريطانية التي كانت تقف بالمرصاد للآراء الصريحة والحرة كانت تقوم بعمليات انتقام بين الفترة والاخري، وصحف هذه الفترة مليئة بالكثير من التقارير والتعليقات علي معاملة بريطانيا السيئة للصحافيين. ولكن ما يميز الصحافة في هذه الفترة تسجيلها الدقيق لحادث اعدام الشهداء الثلاثة، عطا الزير، محمد جمجوم وفؤاد حجازي في 17 حزيران (يونيو) 1930، وتسجيلها لرد الفعل الفلسطيني، والعرس الكبير لشهداء ثورة القسام، وقائدهم عز الدين الذين استشهدوا في احراش يعبد في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 1930، وامتلأت الصحف بالكلمات التأبينية للشهيد ورفاقه. في الفترة التي تبعت ثورة القسام واندلاع الثورة الكبري، والاعلان عن الاضراب العام، واصلت الصحافة عملها، حيث يلاحظ تطور نوعي، في عملية جمع الاخبار وتوزيعها وتحريرها، وبدأت الصحف تهتم كثيرا بالاعلانات التجارية، ولهذا السبب كانت الصحافة القائد والمسير للجماهير في اثناء الاضراب العام، ووضعت الاجندة، وكانت رسالة الصحافة الوطنية في هذه الفترة هي الثورة، حيث استخدمت العديد من الرسوم الساخرة والكاريكاتيرية التي لم تكن شائعة في صحافة تلك الايام، ونقلتها من الصحافة البريطانية. واهتمت الصحافة في مرحلة ما بعد 1937 بقضية التقسيم، وهي التي تولت الترويج للعقال والكوفية بدلا من الطربوش لحماية الثوار الذين كان معظمهم من الفلاحين.تعيد عايدة النجار كتابة تاريخ فلسطين، كما روته صحف تلك الايام، حيث ترصد كل الاحداث الرهيبة التي مرت بها فلسطين منذ الوعد المشؤوم والثورات والانتفاضات والمسار السياسي الذي اتخذته الجماعات الوطنية، والمعتقلات الكثيرة التي اقامها الانتداب لرجال الحركة الوطنية، وتشير الي ان المعتقلين كانوا ينتظرون بفارغ الصبر وصول الصحف التي كانت تهرب في آنية الطعام اثناء الزيارات. واهتمت الصحف بنشر القصائد الوطنية للادباء والسياسيين خاصة قصائد عبد الرحيم محمود، وابراهيم طوقان، وعبد الكريم الكرمي. وتفرد الكاتبة فصلا عن الدور الثقافي والسياسي الذي لعبته دار الاذاعة الفلسطينية التي انشئت في عام 1936، واهتمامها باستضافة رجال العلم والقلم من العالم العربي، والمجودون من امثال عبد الفتاح شعشاعة، وابو العنين شيعشع، واهتمت الاذاعة بالشعر، حيث اقامت سوق عكاظ له. وتري الباحثة هنا انه علي الرغم من الظروف الصعبة التي كانت تواجه الصحافة الفلسطينية، من قوانين يصدرها الانتداب، واغلاقات ومصادرات، وعقوبات وسجن واعتقال وتحقيق مع الصحافيين والكتاب الا ان الصحف الجديدة ظلت تتوالي بالصدور، ويلاحظ هنا تنوع وغني في المصادر الاعلامية، وبروز الصحافة المتخصصة، في الاقتصاد، بل صحف المدن والقري، وصحف العمال، والتزمت الصحافة طوال تاريخ صدورها حتي النكبة بالهم الوطني والقومي، وانتهي عهد الصحافة الفلسطينية الذهبي، بمجزرة دير ياسين في 9 نيسان (ابريل) 1948، حيث كان اليوم من اسوأ الايام الذي ذكرته الصحافة الفلسطينية اسوأ وابشع مذبحة ضد الانسانية . تقدم عايدة النجار، جردا باسماء الصحف والمجلات، وعرضا لسير رموز الصحافة الفلسطينية في الفترة الانتدابية وقبلها منذ العهد العثماني، والكتاب يظل بمثابة الموسوعة عن نشاط الفلسطينيين في مجال الاعلام واهتمامهم بتجويد العمل الصحافي والريادة فيه، وقد عملت الاسماء التي وجدت نفسها في الشتات في الاعلام العربي وساهمت في بناء العديد من مؤسسات الاعلام العربية. واهمية الكتاب ليست في عرضه التاريخي ولكن بتحليل رؤية الصحافة والصحافيين للاحداث التي مرت علي فلسطين في تلك الفترة، وبعض الصحافيين كانوا مشاركين فاعلين في العمل السياسي، وبعضهم عاني السجن والنفي، ولهذا كانوا يكتبون من داخل الحدث وميدانه. كما ان مصادر الكاتبة تجعل من عملها هذا عملا فريدا، حيث تعتمد علي السجلات البريطانية الرسمية، والمقابلات مع عدد من الذين عايشوا تلك الفترة. لكل هذا فالكتاب يظل مرجعا مهما لدراسي تطور الحركة الوطنية الفلسطينية، وتطور الاعلام والصحافة، وموقف الحكومة البريطانية التي كانت تحكم فلسطين في ذلك الوقت. ولا يخلو الكتاب من اشارات الي النشاط الصهيوني وعلاقته بالاعلام، ونشاط الانتداب في محاولة خلق اعلام بديل او موال له، بديلا عن اعلام الحركة الوطنية الفلسطينية.عن الباحثة: ولدت في لفتا/ القدس وتعيش في عمان/ الاردن. درست في القاهرة والولايات المتحدة، وحصلت علي دكتوراة في الفلسفة، في مجال الاعلام والاتصال الجماهيري، جامعة سيراكوز، نيويورك. عملت في مشاريع برنامج الامم المتحدة في اليمن، وايطاليا ونيويورك. عملت في وزارة الخارجية الاردنية في عمان وباريس، وفي وزارة الاعلام ووكالة الانباء الكويتية.عنوان الكتاب:صحافة فلسطينوالحركة الوطنية في نصف قرن1900 ـ 1948المؤسسة العربية للدراسات والنشر عمان/ بيروت ـ 20057