سوق القيصرية وأقاصيص اخرى

حجم الخط
0

سوق القيصرية: لم يكن يبدو الكاكا سعيد مرتاحا هذا المساء. وقف خلف حاويات الكرزات والفستق والجوز واللوز وعناقيد التين المجفف والطرشانة والسجق وهو عابس الوجه. سألته عن سعر كيلو الفستق فلم يجبني، وأشار بعينه الى قطعة خشب كتب عليها الرقم 14. ابتسمت وقلت: هل هذا هو آخر سعر؟، هزّ يده متبرّما في حين راح يبحث عن مفتاح لقفل باب محل أخذ جزءا من الجانب الأيمن من سوق القيصرية مقابل قلعة أربيل. بدأت أشعر بالبرد بعد أن لفحتني ريح غريبة لم أعد أتذكر مصدرها.
عيد زواج
في عيد زواجهما الثلاثين راحا يسترجعان السنين الخوالي..ذكرّته بأنها هي التي خاطت ثوب زفافها على ذوقها، وأنها كانت موظفة براتب يفوق راتبه وأنها تنازلت عن وظيفتها بعد أن أصبحت أمّاً.. وإنه الآن لا يراعي شعورها ويتركها تنعم بساعات نومها كما تريد، وتسّوي شعرها كما تريد، وتقضي ساعاتها مع صديقاتها كما تريد.. يمسك يديها ويذكرّها بذلك الساحر الهندي الذي قرأ كفّها يوما ليقول لها انها أسعد إمرأة في الدنيا.
هلوسة
غرفة باردة. ألقى بنفسه على السرير بعد أن هدّه تعب الظهيرة. كلماتها لا زالت في خاطره: أحتاج الى حضن دافىء..أبتسمَ فيما ظلّت عيونه مفتوحة تقرأ في وصفة طبية لعلاج الهلوسة.
مدير
ألا تخجل يا مديري وأنت تتجسس على زملائك وتفتح مافاتهم لتلوي الأذرع.؟!. ألا يكفيك ما حصل في الردهة رقم 10 لحد الآن؟..أحسّ أنه معروق وفكه الأيسر يؤلمه بعد أن ظلّ في حلمه يتخاصم مع شخص لم تتضح له معالم وجهه جيدا.!
محمود
في تلك اللحظة التي أدرك فيها أنه قد أخطأ في تشخيص مرض السيد محمود تذكّر أستاذه في كليته. كان هو مع مجموعة صغيرة من الطلاب حينها والأستاذ يدعوهم للنظر لما تحت المجهر من عظم دقيق كأنه مأخوذ من مومياء محنّطة..مات الأستاذ وأنتشر المرض في جسم محمود، الذي لا زال لا يعلم ما الذي يحصل وهو يغصّ بقدح مائه البارد.!

جبرا
في مقهى صغير في شارع الأميرات ببغداد وفي صباح معطّر بنسائم القدّاح راح جبرا يقلّب في كتاب ‘غصون ذهبية’ ويروي الأسطورة التموزية لصديقه الشاب اليافع النحيف المدعو بدر السياب. تلفن للأصدقاء جواد سليم وعلاء بشير وسعاد العطار ودعاهم ليتركوا ما عندهم ويشاركوه جلسته. حكى لهم عن بئره الأولى وقصصه في شارع الأميرات. في لحظة أسطورية حضر الجلسة كلكامش، وأهدى للحضور عشبة الخلود، ودعاهم للحذار من الثعابين.!
دموع
ظلّت تنتظر لقاءه وتستقبله بتسريحة شعر جديدة..بعلاج ليزر لبقع جلدية ..بأهداب اصطناعية ..بضحكة تشبه ضحكات الضفادع..لمّا تحقق اللقاء كانت دموعها تسبقها، تلك الشبيهة بدموع التماسيح.
خريف جسد
يقولون انها كانت تستحّم بالحليب الطازج بدل الماء..وفطورها يجلب لها خصيصا من سويسرا، ولا تلبس الاّ على يد مصمّم أزياء فرنسي. كبرت وراح الزمن يرسم على وجهها خرائط العمر، مما لا ينفع فيه بوتوكس ولا هم يحزنون.!
الدخان
ظلّت الليل كلّه تكتب رسالة لأخيها المغترب. في الصباح عندما ظنّت ان الحظ سيضحك لها هذه المرة، سمعت صوتا كأنه من جحيم في حين راح المكان يغطيه دخان همجي.!
انجراف
قلبها أنت ملكته..أنت وحدك..وكأن لا رجل في الدنيا سواك..هذا ما سمعته منها يوما.. حتى أذا التقتك ذات أمسية باردة ظلّت ساكتة وعيناها لا تفارقان دفتر ملاحظات قديم كانت تكتب فيه أشعارا عفا عليها الزمن.
ذكاء
راهن صديقته البارحة أن يشتري لها سوار الذهب الذي تحب شرط أن تعرّف له الذكاء..! حققّت ما تمنّت وضحكت في سرّها بعد أن كتبت على ورقة بيضاء: الذكاء= ووضعت أسمه الكامل مع لقب عشيرته.!
ورقة في مهب الريح
هي اليوم في متحف الفن الحديث في لندن. قيل لها أنه أحتفظ برسالة حبهما الأولى في صندوق مكعب للحاجيات القديمة، وضعه في أحدى قاعات المتحف. لا علامات دالة على مكان الصندوق.. قلبها وحده يقول لها أنها تعرّضت الى خدعة!
ديمقراطية
قيل له أنه عصر الدميقراطية.. أعطوه أمتياز أن يصدر جريدة تلو جريدة ويفتح محطة تلفاز فضائية ويصبح محلّلا سياسيا يدغدغ عواطف من يشتري.. سمحوا له بكل ذلك ولكنهم أشترطوا عليه أن يدخلوه السجن وقتما شاءوا.!
يوميات طبيب
أمه الحاجّة تشكو من قلّة ساعات النوم. تنهض مبكرا وتبدأ طقوس الطبيخ اليومية عندها متلذّذة بما قررت شهيتها أن تتناوله. البارحة فقط كانت على غير عادتها، فقد أخبرها طبيبها أن مستوى السكّر عندها قد بدأ يزيد وان عليها تناول دواء جديد. تذكرّت أختها البعيدة المصابة بالسكّر وكيف أنها تزور كلّ أسبوع عيادة طبيب، حتى أنها أصبحت دليلا للأطباء في المدينة، وأنها تشكو اليوم من ضعف الذاكرة وهلوسات النظر. غمغمت الحاجة وهي تشّد شالها الأسود على أسفل ساقها المتألم..’ يمه ما معقولة عندي السكّر..هذا الطبيب غلطان..غلطان..!’
حكاية
يحكي لي تحسين عن عبّارة بحر راح يضربها صاروخ. الجندي يحمل أمعاءه، والكل يبحث عن الطبيب ذاك الذي فتحت صدره شظية عمياء. أنتشر عبق الأرض على أرواح غادرت أجسادها، وألتمّت الأفواه كي تحاكم الجاني..
النافورة
يكتظ المكان في هذه الساعة من نهاية النهار بالناس. بالكاد وجدت حيزا للجلوس. النافورة الراقصة أمام برج خليفة سيبدأ برنامجها بعد قليل. أرتفع صوت فتاة كانت بجانبي وهي على تلفونها الجوال حتى أصبح صراخا. سمّاعات تصدح بأغنية سيلون ديلون ومضخات النافورات ترشرش الماء الراقص على وجهي، في حين راحت أضواء الليزر تتراقص على البرج الشاهق. الفتاة أياها سمعتها تبكي وهي ترطن بعربية ضعيفة: أنا حامل.. ما العمل..ما العمل….؟!
نسورنا البواسل
طار النسر الباسل نافشا جناحيه، حادّا منقاره، مبرزا مخالبه لينقّض على تمساح ميت في بركة ماء سامة!. النسر الباسل صار يتلذّذ بنهش لحم الميتين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية