سوبر ستار العرب وآخر حروب داحس والغبراء
انور بدر سوبر ستار العرب وآخر حروب داحس والغبراءبداية أعلن أنني كنت أفضل صوت شهد برمدا علي صوت منافسها الغنائي إبراهيم الحكمي، اللذين تنافسا علي لقب سوبر ستار العرب ، رغم أنني لم أصوّت لأي منهما أو لسواهما ممن تنافسوا ضمن هذا البرنامج أو في برامج مماثلة، لأنني اعتقد أن الصوت الجميل لا يحتاج إلي صوتي أنا كي يحقق جماليته، وليست لعبة التصويت في المحصلة إلا تسييسا بائسا يعلق علي وهم النجومية القادمة كثيراً من خيبات الشعوب وهزائم أنظمتها السياسية.فالبرنامج نقلنا كمشاهدين من مساحة البحث عن الفني، إلي مساحة البحث عن الرموز التي تتشكل من تضافرها معاً ايديولوجيا كانت فيما سبق تعبر عن نزعات ثورية وأممية أو تحريرية وقومية، لكنها الآن غدت ككل الرموز المتداولة في الوطن العربي تنزع باتجاه تأكيد المساحة القطرية للفن والإبداع وللرموز أيضاً، لذلك نراها الآن ايديولوجيا ضيقة ومهزومة بهزيمة أنظمتها القطرية. ولعبة الرموز لعبة قديمة، تشبه عرف الديك الذي يؤشر لإطاعة دجاجاته قبل أن تصيبها عدوي أنفلونزا الطيور، أو تشبه قرون المرياع، وهو الكبش الكبير الذي يقود قطيع الغنم إلي المراعي ويؤوب به إلي الحظيرة. غير أننا أنظمة وشعوبا قد خصتنا الهزائم، وضمُر العرف، وتحطم القرن أو لانَ، ورحنا في هزيمتنا نعزز الرموز القطرية من علم ونشيد وطني، بما يتناقض مع رحابة الايديولوجيات الثورية والقومية التي صنعت لفترة من الزمن ملامح تاريخنا المعاصر. هزيمة عبد الناصر ومعه الأنظمة الثورية في المنطقة، مهدت الطريق لولادة الرموز البديلة، لكنها جاءت رموزاً هزيلة، حتي أن الكثير من أطراف الحرب الأهلية اللبنانية صاغوا علي طريقة النقائض نشيداً وطنياً لبنانياً كل بطريقته، وربما يفاجأ البعض أن العلم الراهن في الجمهورية العربية السورية هو علم دولة الاتحاد الثلاثي ما بين سورية ومصر وليبيا، والتي تلاشت من الوجود، إلا بعض مكاتبها ورموزها المنتشرة في هذه العاصمة أو تلك من عواصم الاتحاد.ہہہوما أن عرّب لنا بعضهم برنامج سوبر ستار عن برامج مشابهة في الفضائيات الغربية، حتي اكتشفنا حمية جديدة لصناعة هذه الرموز، حمية تغذيها شركات الاتصالات، وكانت داحس والغبراء القرن الجديد بين رويدا عطية وديانا كرزون في نهائيات أول سوبر ستار أطل علينا عبر شاشة المستقبل اللبنانية، لكنها للأسف حُولت إلي معركة مسيسة بين سورية والأردن، للإستحواذ بهذا الرمز الجديد أو اللقب، الذي دفع ملايين المواطنين العرب ثمنه عبر اتصالاتهم دون أن يدركوا أن جساساً لم يعد فارسهم ولا الزير أبو ليلي المهلهل، وأن ناقتهم القتيلة تبحث عن ثأرها في ميادين أخري.وأحمد الله أن وعد البحري خرجت في العام التالي قبل الوصول إلي تصفيات الدور النهائي لهذا اللقب، مع أنني معجب بصوتها الطربي الأصيل. إلا أن الدورة الثالثة أعادتنا إلي ذات الدوامة، ولكن علي خلفية مشهد سياسي غير مريح فيما يخص العلاقات السورية اللبنانية، وفيما يخص تلفزيون المستقبل والتلقي السوري له بعد اغتيال الرئيس الحريري، مع أن المعركة كعادتها لم تدر بين شهد برمدا وإبراهيم الحكمي، بقدر ما أديرت بين سورية والسعودية، كما تشير أغلب التعليقات التي تلت صدر النتيجة النهائية للتصويتات، بعدما وضعت الحرب رحاها، وأعلن فوز السعودية بفارق 6 بالمئة من الأصوات، وهي نتيجة قد لا تعني شيئاً بالمستوي الفني، لكنها عنت كثيراً في المستوي السياسي، وكانت لجنة التحكيم هي الضحية باستمرار، مع التأكيد أن اللعبة لعبة تصويتات وليست لعبة أصوات. ہہہوكما يؤكد الياس الرحباني فإن مهمة اللجنة هي إيصال العشرة الأوائل بين المتسابقين. وهم عشرة من بين أجمل أصوات المتسابقين، لكن المرحلة التالية تتولاها شركات الاتصالات، وفي بعض الأحيان بل في أكثرها مع تداخل حكومي للفوز برمز جديد علّه يعوضنا عن كل الرموز التي فقدناها، بما فيها ورقة التوت التي كانت تستر عرينا السياسي والايديولوجي. مع التأكيد أنني لا أقصد الإشارة السلبية إلي هذا البرنامج، بقدر ما أقصد الإشارة إلي عمليات توظيفه أو تسييسه اللاحقة، فهو من البرامج الناجحة والتي استطاعت أن تجمع ملايين العرب، حين عجزت أنظمتنا الوطنية عن جمع عشرهم علي أية قضية، كما نجح البرنامج في تأهيل هؤلاء العشرة المختارين علي أكثر من صعيد، وإعطائهم الخبرة الكافية ليكونوا نجوماً حقيقيين في عالم الغناء العربي، خاصة وأن ميول البرنامج بإدارة الياس الرحباني وعبد الله القعود وفاديا طنب وزياد بطرس وثالثهم المتحول تتجه نحو الأغنية الطربية الأصيلة، إلا أننا عبثاً نبحث عن نجم في سماء عزّت فيها النجوم. فالواقع العربي الذي يتردي في كل شيء، لا يمكن أن ينتج نجوماً في الغناء، بينما تُظلم كل دياجير الحياة، ولا أدل علي ذلك من أن سوبر ستارات العرب الذين تألقوا سابقاً، لم تلبث أن التهمتهم حلكة الواقع وانحطاطه، لأن هذا الواقع لن ينتج الا امثاله في كل شيء، بينما في عصر النهوض نري نهوضاً يعم كل مناحي الحياة. ولو بقينا مع الأغنية، فسوف نكتشف أن الصوت الجميل والأداء الرائع لوحده لن يصنع نجوماً في مساحة الأغنية العربية التي تسير باتجاه الرداءة، فالأغنية العربية تحتاج الي الملحن الجيد والي الكلمات الجيدة اضافة للصوت والأداء. واجتماع كل ذلك إن حصل في هذا الواقع يكون الطفرة، وإن لم يحصل فهو مؤشر علي الواقع بواقعيته. لذلك أعود الي شهد برمدا كي أسجل إعجابي بصوتها، لا كي أصوت لها متأخراً، آملاً أن تكون طفرة في هذا الواقع لا أن تكون شبيهة به، ومع ذلك ففي ظل التردي وغياب شركات الإنتاج الخاصة التي يمكن أن ترعي هذه المواهب، ومع استمرار غياب الدولة في البحث عن رموزها الضائعة بعيداً عن أي توجه ثقافي وإعلامي يؤسس لمشروع نهضوي يستفاد حتي من الصوت الجميل، فانني اعتقد أننا مع شهد وكثير من الشهداء الآخرين، سنبقي كمن يغني لذاته في الحمام، قد يكون الصوت جميلاً، لكننا ـ وبكل أسف ـ لن نصنع سوبر ستار للأغنية العربية. مسلسل عبد الحليم خدام منذ أن فاجأنا عبد الحليم خدام بانتقاله من بلاطات النظام إلي خندق المعارضة، وكل الفضائيات العربية تتسابق علي استضافته والحوار معه علي حلقات مسلسلة، مع أن الدراما التلفزيونية باتت تنحو إلي اللوحات القصيرة والمتعددة، وبالتالي كان يحتاج خدام إلي مخرج بارع وسيناريو مشوق، بحيث يستطيع شدّ مشاهديه عبر إطلالاته المتكررة، وهنا مقتل هذا المسلسل بالذات، مع أن أنجاله يملكون خبرة درامية لا بأس بها، من خلال شركة الشام الدولية للإنتاج الفني والتي صودرت أموالها الثابتة ضمن ما صُودر من خدام بتهمة الفساد. مقتل هذا المسلسل أن انتقادات عبد الحليم خدام لرموز هذا النظام السوري واتهامه لهم بالفساد تقابلها انتقادات مقابلة بذات التهمة، والتي شدّت متابعين لها في أول حلقة من هذا العمل، لكنها فقدت القدرة علي جذب الجمهور في الحلقات التالية، لأن المواطن السوري اعتاد مظاهر الفساد في حياته اليومية، حتي أنها لم تعد تهمة أخلاقية صادمة تهز مشاعره، بل هي سلوك يومي اعتيادي، خاصة وأن هذا المواطن العادي جداً، قبل ومنذ زمن أن يكون طرفاً في معادلة الفساد، فهو طرف في عمليات الرشوة، وفي عمليات الواسطة، وحتي في السكوت عن الخطأ بما فيه الفساد. لذلك قلت أن هذا المسلسل من المقابلات كان يحتاج إلي مخرج بارع، أو محاور ذكي وملم بالشأن السوري وبهموم المعارضة السورية وشجونها، التي تمتد من ماضي عبد الحليم خدام إلي مستقبل سورية، ولا أعتقد أن الفساد كتهمة يدخل في اولويات الشارع السوري، الذي يحلم بممارسة سياسية أكثر دراما، ويتشوق إلي فعل أكثر مما ينتظر الإنشاء، فعل يعيد ربط هذا المواطن بالأمل المفقود؟كاتب من سورية