رواية أيام في الجنة لغالية آل سعيد: عن حياة دون جوان عربي شرير يعيش حياة مزدوجة في لندن ويهوي الشعر والمُسنّات!

حجم الخط
0

رواية أيام في الجنة لغالية آل سعيد: عن حياة دون جوان عربي شرير يعيش حياة مزدوجة في لندن ويهوي الشعر والمُسنّات!

ابراهيم درويشرواية أيام في الجنة لغالية آل سعيد: عن حياة دون جوان عربي شرير يعيش حياة مزدوجة في لندن ويهوي الشعر والمُسنّات!يشعر قارئ رواية العمانية غالية آل سعيد ايام في الجنة بالضيق وهو يلاحق مغامرات بطلها غسان المنتهي في لندن، وآل سعيد تعني لأول مرة برسم صورة عن العربي الانتهازي والطفيلي الذي يعيش علي تعب غيره، لأول مرة يصبح فيها العربي القاتل وليس الضحية (باستثناء الاعمال الروائية الشعبية)، وهو مركز الاستقطاب في العمل الروائي لانه يصنع الاحداث ويحاول بناء وتيرته ويؤكد مبني السرد. وهذا العمل الذي يبدو انه الأول وان لم يخل احيانا من التشتت وتوسع الاحداث بين لندن وعمان والقاهرة، الا ان صورة الرجل العربي الشرير في هذه الحالة تواصل تطورها وتدفقها بجشع ليس له حد. وتعمل غالية سعيد علي تبديد المفهوم الخاطئ عن الشرير الاخر او الشريرة التي تقوم بايقاع الاخرين بحبالها وتتصيدهم او تمنحهم جسدها مقابل حفنة من القروش الانكليزية.غسان يعيش حياته في لندن بسبب الفشل الذي عاناه في دراسته، وعدم قدرته علي العمل الشريف الذي استبدله بالخداع والسرقة والزيف، واجتراح شخصية مزدوجة تعيش عالمين مختلفين، وهو لا يريد العودة الي بلاده وعمان حتي لا يواجه المجتمع الذي لا يرحم فاشلا، ولكن هذا المجتمع كما تكشف عنه الكاتبة مفكك ولا يربط بينه اي رابط. يتمادي غسان في تصرفاته، ويسطو علي كل شيء مقابل ارضاء نوازع الجاه والثروة والغرور في نفسه. تقدم لنا غالية آل سعيد صورة لأوليفر تويست عربي يتعيش في هذه المرة علي النساء العاجزات او القبيحات وليس علي الاطفال كما هو حال بطل ديكنز، والسطور الأولي من رواية آل سعيد تقدم هذا الحس الديكنزي عندما يعود غسان في اخر الليل الي شقته التي يعيش فيها مع كلارا المرأة المسحوقة، بفعل تصرفاته، وما يثير في سرد غالية ان المرأة الغربية تبدو هنا مستعبدة، فهي لا تشعر بعقدة التفوق علي الاخر، كما يبدو في سرديات اخري، والقصص المثيرة التي تكتب عن مغامرات نساء بيض من اجل استرجاع ابنائهن واعادتهم الي حظيرة الحياة الغربية التي نزعوا منها نظرا لاختلاف الثقافتين. ويبدو ان هذا الحس له اتصال بطبيعة العلاقة التي تربط كلارا وغسان، فكلاهما بحاجة للاخر، هي بحاجة الي شبابه لكي تخفي قبحها وعجزها وتهدل لحمها، وهو بحاجة الي مكان للاستقرار والشعور بالامان كي يمارس شروره ضد نفسه اولا وضد المجتمع ثانيا. عزاء غسان ان افعاله المنكرة لا يعرفها احد، ففي المدن الكبيرة حيث تتعدد الوجوه يصبح من الصعب اكتشاف طبيعة الناس، فالوجوه التي تقابلها في قطارات المترو والحافلات تخفي وراءها اقنعة من القلـــق والترقب والخوف والبحث عن المجهول مع ان ما يجمعها هو السكون والركون لسطوة القطار الذي يتحكم بدقائق اللحظة، واي عطل فني في محطات القطارات وما اكثرها كفيل بان يعيد لخبطة الاشياء. لندن مدينة مفتوحة، ولهذا السبب يمارس غسان بطولاته الفارغة، والدون كيخوتية مدفوعا بحس التعويض والانتقام من فشله ومن عجزه ومن الاشخاص القليلين الذين فتحوا ابوابهم له، ولكن غسان رجل بلا ذمة او ضمير لديه القابلية لبيع كل شيء حتي دينه مقابل ارضاء احتياجاته، فهو في قريته العمانية يسرق ممتلكات الكنيسة! بعد ان صار مسيحيا، مع ان هويته الدينية ليست مهمة في السياق ويعود الي لندن للاستمتاع بها، وفي القاهرة يترك زوجته في مقهي غريبة وحيدة ليعود الي الفندق كي يواصل مغامراته للايقاع بصاحبة الفندق اليونانية العجوز والمصابة بمرض النسيان. ما الذي يجعل غسان مميزا وقادرا علي فعل كل الامور المثيرة؟ وسامته، مع انها لا تكفي وادعاءاته بالغني التي يعرفها كل الذين يختلط بهم كثيرا في الحي ليست ايضا كافية، ربما كانت الشخصية الفهلوية والعادية في مظهرها وراء نجاح البطولات الفارغة التي يقوم بها بطلنا العربي الشارد. بعبارة اخري غسان هو نمط عن الشخصية الفهلوية المدعية التي تحاول الاستفادة من عجز الاخرين، ولكن غسان الشرير ذكي ايضا، ويملك في النهاية سلطته التي تذعن لها، علي الاقل كلارا. فهي تخافه كل الخوف، وتصدق اكاذيبه لانها تبحث عن نوع من الخلاص من وضعها الاجتماعي الرث والتعيس، وهي تعمل ليل نهار لاطعام نفسها ورجلها، غسان، في شقة غريبة من الشقق التي يمنحها المجلس المحلي. وكلارا في النهاية تصبح صورة مشوهة عنه، فهي وان لم تشاركه في افعاله ضد النساء، ولكنها تجد في تعاسة الاخريات علي يديه عزاء لها. يستفيد غسان من البيروقراطية البريطانية خاصة في قطاع العمل المدني ليحقق رغباته، اما كلارا فتطمح لتغيير نمط حياتها والانتقال لبيت اخر، لكن غسان رجل مدمن علي الكذب والخداع والسرقة، وارتباطها بها وتضحيتها من اجله مثير للدهشة، فهي امرأة مستعبدة، مجبرة علي القيام باعمال غريبة في الفراش ومضطرة للعمل من اجل اعالة زوجها، والقبح هنا غطاء يخفي شخصية متصدعة من الداخل، هشة غير قادرة علي التواصل مع الواقع بدون سند حتي لو كان شريرا. ما يدفع كلارا للعيش معه، هو انها بحاجة الي الشعور بالامان في مدينة مثيرة، فهي تتخلي عن احلامها طالما وجدت في البيت من يرافقها ويعيش معها. ان وجود هذا الآبق العربي الشرير، علي علاته ضروري لبقائها، وهي في تسترها عليه او اغضائها الطرف عن تصرفاته، اما شريرة او ساذجة لا تعرف شيئا عن الحياة. ربما لان الذين يعيشون في المدينة منقطعون عن اصولهم، كان سببا في استمرار العلاقة. غسان هو البطل المضاد للبطل العربي، الهامشي او الضحية، في روايات التواصل بين الغرب والشرق، وفي روايات ما بعد الاستعمار، وهو البطل الضد مقابل البطل المتمرد والانتقامي، مصطفي سعيد مثالا، ولكن لا مجال للمقارنة بين بطل موسم الهجرة للشمال وبطل ايام في الجنة ، فالجذور الاجتماعية والطموحات والمستوي الثقافي مختلف، لا مجال للتفرقة بين مثقف قلق بمصيره ووجوده وبين بطل لا يقلق لمصيره او مصير الاخرين، يمارس شهوة الخديعة بلا احساس او شعور بالندم. وغالية سعيد هنا لا تفصح كثيرا عن العالم الداخلي لبطلها، فهو غارق في عالمه الذي اخترعه للتعويض عن كل الاشياء التي خسرها، ولكنه لا يعرف ان هذه الايام لن تطول، لانها ايام قليلة في الجنة التي اخترعها. في السطور الأولي من عمل غالية آل سعيد نعرف أننا امام بطل/ شرير مأزوم، ولكن ليس نادما، يستعيد ذكرياته في الشقة الفقيرة التي تسترت علي بطولاته الفارغة، وهو البطل الذي يستفيق علي وقع الكارثة في الطريق المنطقي لدائرة الشرطة، حيث يقول ولكن هذا الواقع لم ينكشف حتي اليوم وانا اقاد الي سيارة الشرطة الواقفة اسفل عمارتي، وربما لو كشف قبل الان لاستطعت العودة الي صوابي ، وهو يري ان قدرته علي مواصلة الخداع او الادمان عليه كانت وراء مواصلته حياته وافعـــاله القبيحة، يستــــذكر فيما يستذكر قصـة صديقه ناصر العماني الذي اقام علاقـــة مع امرأة عجوز لم يرض عنها مجتــمعه المحافظ، وانتهت امام المحكمة، ويـقول لو حصل له ما حصل للعماني الاخر لما صار اليه وضعه الان. غسان المنتهي، يواجه مصيره بعد ثلاثين عاما من الخداع، فهــو في لندن منذ 1970، ومع اعترافه بالذنب او محاولته فهم ما حصل له، الا انه يلوم المجتمع المفتوح الذي عاش فيه، فلو كنت اعيش في بلدي ذي العادات والتقاليد الصـــــارمة لما كان باستطاعتي ان اعيش هكذا، وكنت سأنكشف بسرعة . غسان المنتهي، يلقي اللوم علي انفتاح لندن، وعدم اهتمامها بالقادمين اليها، وهي التي كانت وراء شخصية الدون جوان العربي الوسيم صاحب المظهر الانيق والساعة الذهبية والهندام الجميل والحذاء المصنوع من ارقي انواع الجلد، والمحفظة المليئة بالنقود دائما (مع انه في الحقيقة لم يكن هكذا)، وهو هنا يكذب فمظهره الزائف هذا تحقق بالسرقات الصغيرة التي كان يقوم بها في الكازينوهات او الفنادق الراقية. وكازانوفا العربي، يعرف كيف يصطاد نساءه من العاملات في المطاعم او العواجيز اللواتي يبحثن عن فرصة او القلقات، وهو هنا ايضا منافق في بحثه عن شماعة يعلق عليها كل اعماله الهزيلة، فهو وان تحدث عن مجتمع شرقي يرفض مسار حياته، الا انه اختار من هذا المجتمع الرؤية التسلطية، والمعاملة القاسية لكل النساء اللائي لقيهن وعاملهن باعتبارهن صيداً ثميناً، كما ان اخلاق العربي الكريمة تمنعه من التعيش علي حساب المسكينات. وخلف كل المغامرات، يدعي المنتهي انه من الشعراء الهواة، رأسه المليئة بالاشعار والكلمات الطموحات مثل ابناء جيله، جيل الاربعينات، ولانه لا يوجد امامه من يستمع لقصائده العصماء هذه فهو يرددها علي نفسه، الشاعرية، والسكر الدائم، والزيف، هي اقنعة تخفي وراءها صورة الشرير في داخل هذا البطل، الذي ظل يرسم صورة زاهية ومزهوة عن نفسه، لدرجة قيامه بشراء لقب لورد من مزاد سوذبي ، كان عربة لطموحاته وشهواته الانية. وقائمة النساء اللاتي اوقعهن في حبائله، نساء مسكينات بالطبع، تشي بهذا الحس العبثي الذي لا يقيم للحياة او قيمها اي احترام، كادي، وكلثم، وكلوديا، هذه بعض الاسماء التي مناهن بالحب، والزواج، والبيت والغني، وسرقهن واعتاش علي عرقهن وتعبهن، وامتص العاطفة من داخلهن. تصل احداث الرواية عندما يقنع غسان، زوجته كلارا بضرورة زواجه من الهندية، كلثم حيث توافق مع انها زوجته، والقانون الانكليزي يمنع التعدد، واقامت في شقة كلوديا الايطالية العجوز التي ضربها واهانها، وهي الارملة المسكينة والتي سافرت مع صديقتها نورما الشاكة من تصرفات غسان الي ايطاليا، في الوقت الذي ظلت فيه مصفــــــفة الشعر الاندونيسية كادي تلاحق الدون جوان العربي ولم تنفعها الوصفة السـحـرية التي بعثت بها والدتها خصيصــــا من اندونيســــيا لتغيير عقل غسان واجباره علي الزواج. كلثم تعيش في غياب كلوديا في شقـة تعتقد انها شقته وتلد ولدا تسميه غازي، وعندما بدأت تقل زيارات غسان الذي لم يعد يلقي بالا للقانون او الادب تبحث عن شرطي تحر لكي يعرف حقيقة هذا العربي الزائف، وعندما تعود الي البيت بعد مقابلتها شرطي التحري، تواجه كلوديا التي عادت الي شقتها ويظهر السيد غسان المنتهي علي حقيقته. غسان الخائف من العودة الفاشلة الي بلده عمان، يجد نفسه سجينا في لندن، وزوجته كلارا تدفع ثمن سذاجتها، وخوفها من العجز، واخلاصها الغريب له بالسجن ايضا، لانها كانت شريكته في جرم الزواج من كلثم. لم تتغير اخلاق غسان في السجن، فقد ظل يمارس تصرفاته السيئة، وبدلا من خروجه بعد خمسة اعوام، يمدد الحكم له لعشرة اعوام.. في السجن يتعلم الانكليزية بشكل جيد ويكتب روايته ايام في الجنة … اما ابنه غازي فلم يسمع منه.. نساء غالية آل سعيد ساذجات يقعن في حب اي شخص، ويصدقنه، وعلي الرغم من ان تصرفات غسان القاسية معهن مدانة، الا ان سحر الدون جوان العربي كان قويا لدرجة انه انساهن انفسهن وسمحن له بالتمادي في الاهانة، يقول مثلا عن كلارا انها زوجته في القانون، وهذا يعني انها خادمة فلماذا يخاف منها او يعيرها اهمية؟ وهو قد روضها وجعلها ذليلة مطيعة له ولكل اوامره . تكتب غالية لغة سردية جيدة، يشطح فيها الخيال، لدرجة ان القاريء لا يستطيع ان يفرق بين الحقيقة والكذب، نعرف ان غسان كذاب ومنافق وأفاق وآبق، ولكن القاريء يتساءل عن صدق السارد، وهل يوجد في العالم شخصيات بمثل هذه السذاجة التي تصدق شخصا يدعي الغني والثراء والجاه والمال، وانه ابن الابهات ، الذي لا يركب الا الليموزين والمرسيدس، ولا يرتدي الا اللباس الذي تنتجه المتاجر الراقية للاغنياء، ولا يضع الا العطور ذات الشذي العابق.. وغسان هذا هو نفسه الذي يدخل متجر مواد التجميل والادوية بوتس ويسرق كل العطور الموضوعة للتجربة ويبيعها مثل المتشردين في الشارع.سرد غالية ايضا فيه درجة من السخرية، ويخلو من التعاطف مع نسائها المصابات بداء حب العربي الشرير هذا، وفي النهاية، روايتها سهلة، سريعة الهضم، ليس فيها علي الرغم من الاحداث الكبيرة والمثيرة درجة عالية من التوتر، فالقاريء يتوقع ما سيحدث وما ستؤول اليه الاحداث، ويعرف منذ البداية ان بطلنا كاذب وكذاب، اما بطلاته فهن مخدوعات وساذجات، ربما لانهن قنوعات باحثات عن ملجأ آمن كان وراء وقوعهن في حبال وغواية السيد غسان. والرواية مليئة بالصور الكثيرة عن رفاه المترفهين، والفنادق، والسيارات والمطاعم، والكازينوهات…ناقد من اسرة القدس العربي الكاتبة: غالية آل سعيد ولدت في سلطنة عمان ودرست في مدارسها، واكملت تعليمها العالي في حقل العلوم الاجتماعية، ونالت درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة ورك . تقول ان اعمالها الاكاديمية تتمحور حول الناس والحرية، والعدالة ونضال الشعوب المستمر في جميع انحاء العالم للحصول علي مستقبل افضل . أيام في الجنة غالية سعيددار رياض الريس/ بيروت20050

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية