روايات الهلال تدفع بـ أولاد حارتنا إلي المطبعة ومجدي الدقاق يرفض الحصول علي الإذن من أي سلطة

حجم الخط
0

روايات الهلال تدفع بـ أولاد حارتنا إلي المطبعة ومجدي الدقاق يرفض الحصول علي الإذن من أي سلطة

روايات الهلال تدفع بـ أولاد حارتنا إلي المطبعة ومجدي الدقاق يرفض الحصول علي الإذن من أي سلطةالقاهرة ـ القدس العربي من محمود قرني: تحولات واسعة تشهدها مجلة الهلال ومطبوعاتها بعد أن اتخذ مجدي الدقاق رئيس التحرير الجديد عدة خطوات في سبيل تحريك مياهها الراكدة، في محاولة لربطها وثيقا بالحياة الثقافية. ففي خطوة جريئة وغير مسبوقة في مصر، أعلنت سلسلة روايات الهلال عن مفاجأة كبري لقرائها وتصدر إعلان المفاجأة هذه المطبوعات لثلاثة أسابيع متصلة، وذلك دون إعلان عن طبيعة هذه المفاجأة، حتي تكشف الموضوع كاملا وأبان الدقاق عن انه دفع برواية نجيب محفوظ أولاد حارتنا إلي المطبعة وهي الرواية التي صادرها الأزهر منذ نشرها علي حلقات في الأهرام المصرية في عام 1959، ولم تتمكن ـ منذ هذا التاريخ ـ أي دار مصرية من طبعها بشكل علني، وإن استطاع بعض الناشرين طبع عدد من نسخها سرا وتوزيعها بنفس الطريقة أيضا رغم طباعتها خارج البلاد في أكثر من دولة عربية.وكانت جريدة الأهالي قد بادرت بإفراد عدد خاص لنشر هذه الرواية إبان الاعتداء علي نجيب محفوظ في محاولة لاغتياله في منتصف التسعينيات.وفي تصريح لـ القدس العربي أكد رئيس تحرير مجلة الهلال مجدي الدقاق أن الرواية ستصدر دون أي انتظار لموافقة أي سلطة دينية، وذلك اعتمادا ـ حسبما قال ـ علي مناخ الحريات الذي تعيش مصر في كنفه.و قد نفي الدقاق ان يكون قد تلقي الضوء الأخضر من السلطة السياسية لنشر الرواية وإعادتها إلي النور، وصرح لأسبوعية اخبار الأدب أنه يحاول الاستفادة من المناخ الديمقراطي ويرفض موافقة المرجعية الدينية أو السياسية وقال إنه لا يجب العودة إلي أي سلطة عند نشر الإبداع وليس من حق أحد أن يحتكر حق الإبداع والنشر.من ناحية أخري أعلن الروائي نجيب محفوظ ـ في خطوة تحوطية كعادته ـ رفض نشر الرواية، بل أرسل إنذاراً رسميا علي يد محضر لدار الهلال يرفض فيه نشر الرواية، وهي خطوة معتادة أقدم عليها نجيب محفوظ أكثر من مرة عند محاولات نشر الرواية حتي أنه أعلن عدم مسؤوليته عما قامت به جريدة الأهالي الناطقة بلسان حزب التجمع عندما أعادت طبع هذه الرواية كما سبق أن أشرنا، ويبرر محفوظ ذلك بأنه قبل بعدم طبع الرواية إلا بموافقة الأزهر، وهو طريق يسلكها الآن ناشره إبراهيم المعلم صاحب دار الشروق الذي أعلن اتخاذه الطريق القانوني لنشر الرواية عن طريق السعي للحصول علي موافقة الأزهر، ويبدو انه طريق طويل ولن يُكلل بالنجاح بسبب الموقف المتشدد للأزهر من الرواية حيث سبق له اتهامها بإفشاء الإلحاد والحض عليه والتقول علي الأنبياء والرسالات السماوية المقدسة. ولا نعرف إلي متي يظل كاتب في حجم نجيب محفوظ محتاطا إلي هذا الحد غير المفهوم، وإلي متي يترك الناس تحترق بأتون القمع دفاعا عن أعماله بينما هو يتخذ ـ في كل مرة ـ خطوات تحوطية لحماية نفسه من أي صدام مع السلطة سواء كانت دينية أو سياسية، ونحن قطعا نحلم باليوم الذي يكون فيه نجيب محفوظ علي رأس كتيبة من المثقفين المصريين ليعلن رأيه بصراحة في كل ما يحدث في مصر، لا ان يفعل ما يفعله كل مرة، مع احترامنا الكامل بالطبع لقيمته وقامته الإبداعية السامقتين.من ناحية أخري يثور عدد من التساؤلات في الوسط الثقافي المصري حول توقيت هذه الخطوة لا سيما وأنها تأتي بعد حصول حركة الإخوان المسلمين علي ثمانية وثمانين مقعدا من مقاعد البرلمان المصري.. في الوقت الذي قال فيه أحد قيادييها إن الحركة تؤمن تماما بحرية الإبداع بل إن احتفالية عيد ميلاد نجيب محفوظ التي أقامها عدد من أصدقائه في بداية شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي شهدت تصريحات منفتحة بشدة للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح القيادي في الحركة الذي قدم قلما قيما هدية لنجيب محفوظ في دلالة لا تخفي علي إيمان الحركة بحرية الإبداع وقد صرح أبو الفتوح آنئذ بأن الحركة لا تؤمن فحسب بحرية الإبداع بل هي تؤمن بقبول الحرية الإبداعية حتي لو كانت إلحادية وأن الطريقة الوحيدة للرد عليها هي مناقشتها وليس مصادرتها.و قد تساءل الصحافي محمد شعير في أسبوعية أخبار الأدب عما إذا كان فخ نشر أولاد حارتنا يأتي كاختبار لموقف الإخوان المسلمين أو خطوة لشق صفهم وإحراجهم. علي جانب آخر يؤكد البعض أن موقف مجدي الدقاق رئيس التحرير سيكون علي المحك بهذه المجازفة وأنها خطوة لا شك شديدة الجرأة ولا بد من دعمها لكن هؤلاء أكدوا أن الدولة لن ترحم الدقاق وقد تضحي به إذا ما جاءت الأصداء سلبية أو أثار نشر الرواية لغطا لا تقدر علي احتماله المؤسسة الرسمية.وفي كل الحالات فإن المتوقع ـ حال نشر الرواية ـ ألا تكون الأصداء معادية بالصورة التي أدت إلي تدبير محاولة اغتيال محفوظ، فقد تغيرت ظروف كثيرة في السنوات العشر الماضية. حيث طرحت كل جماعات العنف التي كانت تتبني حركة الاغتيالات كمبادرة لوقف العنف من داخل السجون المصرية، بل تم الإفراج عن الكثير من هذه القيادات، ورغم بقاء عدد كبير منهم داخل السجون إلا أنهم لا يزالوا علي عهدهم بالتمسك بالمبادرة. من ناحية أخري يتسع نطاق الجدل السياسي حول الإصلاح داخل مصر بما في ذلك مؤسسات كبري محافظة الطابع مثل مؤسسة القضاء التي بدأت صداما حقيقيا مع السلطة التنفيذية من اجل الحصول علي استقلالها الكامل، وفي الوقت نفسه فإن سجالات القوي السياسية المشروعة وغير المشروعة ينهض خطبها ـ في مجمله ـ علي إرساء مزيد من الإصلاحات وإقرار تعددية سياسية واسعة النطاق، وهو ربما الأمر الذي يدفع بكل هذه التيارات إلي السكوت عن نشر الرواية بما في ذلك حركة الإخوان المسلمين التي لا شك فطنت إلي كرة النار التي تكمن خلف خطوة من هذا النوع.وفي جميع الحالات فإن خطوة الدقاق تستحق الانتباه والتقدير والدعم بغض النظر عن موافقة نجيب محفوظ أو رفضه، فحقوقه المادية ليست محل خلاف وأظن أن دار الهلال قادرة علي تعويضه عن ذلك، أما حقه في رفض أو قبول نشر إبداعاته فأظن أن المسألة لا يجب أن تلقي علي عواهنها بل يجب النظر إليها في إطارها القانوني أولا ثم في إطارها السياسي والثقافي الذي يحمل معني رمزيا إلي حد كبير. وإذا كان في استطاعة محفوظ أن يختار ناشره، وأن يحاسب ـ قانونيا ـ من يتعدي علي حقوق ملكيته الفكرية، فإنه ـ في المقابل ـ لا يستطيع انتزاع هذه القيمة الرمزية لطبع الرواية في مصر باعتباره عملا يؤكد علي تجاوز الإبداع منطقة مظلمة، ومنحه مساحات أوسع بهدف الوصول إلي قارئه في كل مكان وليس في مصر وحدها، وذلك في إطار معركة النخب المصرية في التأسيس الحقيقي لدولة ديمقراطية وفي إطار إضفاء مزيد من المرونة والمشروعية علي مؤسسات الدولة المدنية، ونحن نعرف جميعا أن محفوظ هو أحد كبار الدعاة للدولة المدنية وقد قال هذا الرأي في أكثر لحظات مصر شمولية. من هنا يتم تفسير رفض نشر الرواية علي انه عمل دعائي بالمعني المباشر يهدف فقط إلي إقصائه بعيدا عن المساءلة المجتمعية والقانونية.يذكر أن عدد شهر كانون الاول (ديسمبر) من مجلة الهلال جاء مكرسا للاحتفاء بالعيد الرابع والتسعين لميلاد محفوظ وهو العدد الذي تصدرته كلمة غير مسبوقة للرئيس مبارك يهنئ فيها محفوظ بعيد ميلاده ويحض فيها علي حرية الإبداع ويؤكد علي غياب فكر المصادرة إلا بحكم قضائي.علي جانب آخر بدأت سلسلة كتاب الهلال في إرساء تقليد جديد يهدف إلي تخصيص مساحة من مطبوعات السلسلة بشكل سنوي لنشر الشعر وقد صدر بالفعل أول ديوان ضمن السلسلة وكان من نصيب الشاعر حلمي سالم الذي قدم ديوانا جديدا هو مدائح جلطة المخ وقد كتب مقدمته الدكتور جابر عصفور تحت عنوان شعرية المرض، ويذكر أن هذه السلسلة بدأت في الصدور عام 1951 أي بعد السلسلة الروائية بعامين.وقد قال الدقاق في تقديمه للديوان إنه سوف يسعي لأن تضم السلسلة جميع مبدعينا من كل الأجيال وخصوصا الشعراء الشباب الذين لم تتح لهم فرصة النشر لتكبر السلسلة بهم ولهم ـ حسب تعبيره ـ فإنه يطمح لأن تكون السلسلة لسان العرب في كل الأقطار والأجيال. وبهذه المناسبة نحب أن نهمس بكلمة مودة للكاتب والصحافي مجدي الدقاق الذي استشاط غضبا من تعليق القدس أثناء عرضها لعدد مجلة الهلال الصادر في الشهر الماضي، لا سيما في ما يتعلق بالموقف من مقدمته للعدد لا سيما في تفاؤلها المفرط حول أوضاع الديمقراطية والإصلاح في مصر.وهمسة المودة هذه رسالة للدقاق نؤكد فيها عدة اعتبارات أولها أننا لا نصدر عن مصلحة خاصة أو موقف مسبق منه او من غيره ويظل المعيار الحاكم لرؤيتنا لواقع الثقافة المصرية هو مدي ما تحققه من مكاسب لبشرها وناسها وإنسانها أيا كان موقعهم أو مكانهم أو معتقدهم أو انتماؤهم السياسي، ومن هنا فإن أية ملاحظات نبديها لا تقصد أبدا إلي تجريح أحد ولا إلي محاولة إقصائه أو تهميشه.أما الاعتبار الثاني فهو أننا قصدنا بهذه الملاحظة وغيرها الابتعاد بمجلة الهلال ـ بسبب طبيعتها التاريخية والفكرية ـ عن ساحة الجدل السياسي بمعناه اليومي والمباشر وترك أمر الدعاية السياسية أو الحزبية لأماكنها في الصحف السيارة، لأن هذه الأطروحات ـ غالبا ـ موضع خلاف واسعة، وربما لا يجمع عليها أبناء التيار السياسي الواحد، ونرجو ان ينظر الدقاق بعين الاعتبار لمثل هذه الملاحظة التي سوف تنجيه وتنجينا من سجالات فائضة ولجوجة، وأن يكرس مقدمته ـ إذا كان يصر علي طابعها السياسي لمقال في الفكر السياسي المحض الذي يستهدف بناء تصورات أوسع نسبيا من التصورات الحزبية المؤطرة بالصراعات الصغيرة، فيما عدا ذلك فنحن ـ بالتأكيد ـ سوف نؤازر مجدي الدقاق وسوف ندافع عن مشروعه بكل ما نملك طالما ظل هذا المشروع بعيدا عن الرؤية الحزبية المحدودة وعن صراعات المصالح والمافيات الثقافية والهيمنة الفارغة لأسماء سكنت القبور رغم أنها لا تزال تسعي بين ظهرانينا، وطالما ظلت مجلة الهلال متمسكة ـ تحت إدارتها الجديدة ـ بدورها التاريخي كقلعة للثقافة الوطنية وتأصيل أبعادها، وأظن أن ما نطلبه ليس بالكثير كما أظن أن الدقاق سيتفق معي في كل ما طرحت، لكني أؤكد له أن الطريق صعب لكننا لن نكون ـ بحال من الأحوال ـ بين هذه المافيات التي تشن هجمات عشوائية هنا وهناك علي نصيب من الكعكة، وأقول للدقاق ان مثل هؤلاء لن يعصمك منهم إلا صدق وموضوعية وأمانة ما تقدم عبر منبرك التاريخي وساعتها فقط ستكون خلفك كل الأقلام الشريفة. 0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية