رصد حميمي للأمكنة ووجوه البشر ومساحة كبري للقدس وتفاصيلها الغنية
نوستالجيا ديانا شمعونكي في غاليري الأورفلي بعمان:رصد حميمي للأمكنة ووجوه البشر ومساحة كبري للقدس وتفاصيلها الغنيةعمان ـ القدس العربي ـ من يحيي القيسي: يحتضن غاليري الأورفلي بعمان هذه الأيام معرضا خاصا بلوحات الفنانة الأردنية المقدسية معا (ديانا حجار شمعونكي)، وهي من الجيل الذي ظهر خلال الستينيات من القرن الماضي بقوة، وقد تلقت الدروس المبكرة في التلوين والرسم علي يد الفنان الإيطالي أرماندو، والفنان الأردني الرائد مهنا الدرة، ثم توجهت للدراسة في هذا المجال وأخذت بعض الدورات المتخصصة، وساهمت إقامتها المطولة في الولايات المتحدة وبعض الدول الأجنبية في صقل موهبتها، كما التحقت في بعض الدورات الفنية المتخصصة في مجال الرسم بجامعة مونتغمري الأمريكية، كما نشطت في مجال إعطاء محاضرات في الرسم وعن الفن في الأردن للجاليات والسفارات الأجنبية في أمريكا، وإنجاز برامج منتظمة للتعريف بالفن في الأردن والعالم العربي، وتقول سيرتها العملية الحافلة بأنها أقامت أول معرض لها في عمان في عام 1965 ومنذ ذلك التاريخ وهي تواصل إقامة المعارض الشخصية، وتشارك في المعارض الجماعية، وقد اقتنت أعمالها العديد من المتاحف العالمية والشخصيات المرموقة، ويبدو معرض شمعونكي هذا استعادة لحنين غامر لأيام مضت، فهي تنشغل فيه من خلال الألوان الزيتية، والأسلوب التعبيري برصد لمحات من المدن التي تركت مساحة كبري في روحها أولا، وفي بصرها ثانيا، ولهذا نراها تحتفي بالقدس وقبابها ومنائرها وأجراسها، وبعمان، والكرك، وصويلح، وقصر عمرة، وبيت لحم، وأم الكندم، مثلما تنتبه للتفاصيل التعبيرية المؤثرة لوجوه الناس، وهي هنا لا تنقل ما تري علي أساس فوتوغرافي بل تضفي عليه من رؤيتها الخاصة، وهذا ما يمنح اللوحة جمالياتها، لا سيما وهي تتقن اشتغالها باللون الزيتي اساسا، ووتحترف توجيه الفرشاة بكل اتقان.إن أعمالها تعيد لنا النظر بأهمية المدرسة التعبيرية في التشكيل وتفاعل المتلقي معها، في الوقت الذي أغرقنا فيه بالتجريد العشوائي، غير القائم علي منجز، بحيث ظهر الكثير من الفنانين والفنانات الذين توجهوا مباشرة نحو التجريد دون أن يكونوا قد تأسسوا جيدا في الجانب التقليدي الرزين في الرسم والتلوين، وهكذا يبدو بأن الفنانة شمعونكي تستطيع الذهاب إلي التجريد ـ إن رغبت ـ مطمئنة إلي منجزها الراسخ.تقول في شهادة لها عن تجربتها للفن والرسم عندي حب كبير في حياتي، واللوحة ليست ديكوراً، انها تعبر عني حقيقة، وأسجل فيها تأملاتي، وخيالي، أحمل مفهوم الإنسان البسيط والصريح والواضح المعاني، وأعتمد علي الحدس والحس من اجل ضمان الحوار، فالعيون هي سراج الجسد مائل في لغة عفوية أو مرفوع في شموخ وعزة، و كل شيء يتطور إلي رمز من ضربات الريشة التي تعكس الموتيفات بمساعدة الألوان التي أحبها وأستعملها ما عدا الأسود فيما يندر. أحب رسم المدن، أعمل المدن مسطحة أحيانا بألوان مختلفة عن لونها الحقيقي بذلك أسجل احتجاجي علي ما يحيط بي، وأتحداه، أطور المنظر حسب تفاعلي معه، ولا أكتفي بالمنظر والتقيد به، بل أتخطاه إلي الاكتشاف وإظهار الداخل المهم والرمزي في المنظر. أحيانا أصل إلي التجريد للوصول إلي الغاية المرجوة .أما عن رسمها للبيئة المحلية فتضيف أتأثر بالبيئة المحلية التي أحبها، يسعدني النظر والتمعن بالوجوه المعبرة من حولي والبساطة الجمالية التي تغذي إنتاجي، أحب الألوان الشرقية الدافئة، لخدمة المضمون، وكذلك ألوان عصر النهضة، أقدم الدفء للظل والنور والإيقــاع الموسيقي للألوان هذا بالإضافة إلي ضربات الفرشاة والسكين القوية السريعة والمعبرة. أتفاعل أيضا مع الطبيعة الصامتة وأسجل ما حولي بلوحات صغيرة أو كبيرة، اللوحة عندي كأشعار الغزل وأرسم ضمنها مواضيع كبيرة كالقلاع والمدن كنوع من التحدي وإذا كنت في لوحاتي قد رسمت الوجوه الأردنية والفلسطينية والأماكن والساحات فلأني أتأثر بالبيئة وأتفاعل معها وأعشقها، ولعل أشد ما يسعدني هو النظر والتمعن بالوجوه المعبرة من حولي، كل لوحة من لوحاتي تحكي حكاية أو حلما أو رمزا يسجل اللحظة، عمان والقدس أرسمهما في كل الأجواء، ولهما مكانة خاصة في قلبي، وأحب رسم المدن الشرقية المحببة.أرسم اللوحة بحب وصدق لا أرسم لهدف مادي، وأنا أرسم كل لوحة لأني أتفاعل معها، أرسم إما بسرعة أو تأخذ وقتا طويلا، المهم أن أعرف متي تكتمل، وبالطبع فإن التحدي يجعلني أستمر. وبخصوص إقامتي في أمريكا فقد أتاحت لي المجال أن أتمعن وأقدر الجمال الذي في بلادي، وأنظر بعين الفنان من عدة زوايا أخري لرسم لوحاتي، والواني، هذا بالإضافة إلي اغناء الثقافة العامة والفنــــية المحلية والعالمية والاطلاع علي مختلف الحضارات القديمة والجديدة التي ساعدت في تطوير الحس والحدس وآفاق الفن .يقول الناقد محمد أبو زريق عن تجربة ديانا حجار في كتابه المشترك مع أحمد الكواملة بانوراما الفن التشكيلي في الأردن إن تجربتها التشكيلية الطويلة ومنذ منتصف الستينيات قد نقلت أعمالها من حدود البساطة إلي البساطة ذاتها، وهي تجربة متصلة من حيث تركيزها علي رسوم الأزهار والشعبيات بإحساس انطباعي وتأثيري، ولكنه ذو خصوصية مميزة، إن ديانا ترسم الواقع لكنها لا ترسم ما تراه بشـــــكل فوتوغرافي بل تقوم بعملية تبسيط دون إسفـــاف أو تشويه، وتحافظ علي حياة الشـــــكل وألفته وتبقي علي الصلة الحميمة بالموضوع، ومع ذلك فــــإن لديها توجها نحــــــو تطوير مواضيعها وذلك نحو التقنية اللونية المتطورة من حيث ضربات الفرشاة العريضة والصريحة أحيانا، أو من خلال تنويعاتها في المواضيع، وحيث دخل المعمار إلي أعمالها في معالجات تلخيصية مستبعدة كل ما هو ثانوي، مركزة علي الجوهر الفاعل في التكوين.. . بقي أن أشير إلي أن معرض الفنانة ديانا شمعونكي الذي انطلق يوم الخامس من شهر شباط (فبراير) الجاري سيستمر حتي التاسع عشر منه، وهو يضم ستين لوحة تمثل تجربتها الغنية، وتنوعها عبر أربعين سنة من الإبداع.0