رؤية عاطفية لمصر لم تستطع التحرر من ثقل الايديولوجيا الصهيونية

حجم الخط
0

رؤية عاطفية لمصر لم تستطع التحرر من ثقل الايديولوجيا الصهيونية

بين عالمين لجاكلين كهنوف الاسرائيلية ـ المصرية:رؤية عاطفية لمصر لم تستطع التحرر من ثقل الايديولوجيا الصهيونيةالقاهرة ـ القدس العربي ـ من نائل الطوخي: تكتب الكاتبة اليهودية الإسرائيلية من أصل مصري، جاكلين كهنوف، في كتابها الصادر حديثا في إسرائيل بين عالمين ، وهو تجميع لمقالات قديمة كتبتها في الدورية الإسرائيلية كيشيت ، عن ذكرياتها في القاهرة التي ولدت فيها، تصف مشهدا محددا يخص اليهود في قاهرة الأربعينيات: أحاطت مجموعة من الشباب بعربتنا المؤجرة. ضمتني أمي إليها بقوة. مد لي الشباب علما لوحت به وهتفت معهم المصر المصري . فرحت، وكذلك هم فرحوا. لماذا إذن كانت أمي خائفة؟ .يثير هذا الكتاب تأملات ليس فقط حول حياة اليهود في مصر، وإنما كذلك حول الفرق الدقيق الفاصل بين العاطفي والسياسي. يفيض الكتاب حنينا لمصر. تسترجع الكاتبة مصر في أكثر من مقال في الكتاب. وتمتلئ حنقا علي عائلتها التي كانت تحذرها من التصرف كما يتصرف الأهالي، وتردف: بديهي أنني لم أكن أريد، لا أنا ولا أصدقائي، أن نتصرف كالأهالي، المقرفين، السود الصغار . والأهالي المقرفون هم المصريون، الذين هتفت معهم الكاتبة المصر المصري بعربيتها الرديئة التي كانت تجهد نفسها لتركب عدة كلمات بها في جملة واحدة، غير أنها تردف: ولكن عندما جاء الجنود البريطانيون للحديقة في وقت راحتهم عرفت أن الطلاب المصريين كانوا يتظاهرون ضدهم. وشعرت بأن جزءا مني ينتمي للأهالي ويؤيدهم، ضد البريطانيين . إذن شيء ما في داخل الكاتبة كان مؤهلا للانتماء إلي البيئة التي تعيش فيها ضد الاستعمار، ما الذي حدث إذن حتي يحدث هذا الانتقال من الميل لمعاداة الاستعمار إلي اختيار الإقامة في الدولة التي هي واحدة من أوضح مظاهر استعمار الشرق علي يد الغرب المتقدم ؟ هي المسافة من العاطفي إلي السياسي.في مقال بعنوان تذكر مصر تحكي الكاتبة عن رحلتها إلي قناة السويس بعد حرب 1967، وبعد أن كانت قد استقرت في إسرائيل بسنوات كثيرة. تصف المكان: (جنودنا الشباب، الوسيمون والممتلئون بالحيوية، يركضون حولنا). تنتقل الكاتبة في الفقرة التالية علي الفور إلي وصف غرفتها القديمة في القاهرة، إلي وصف الأهرام التي يرقد فيها الفراعنة، وتذكرها للزمن الذي (فسر فيه يوسف أحلام فرعون، وفرعون الآخر، الشرير الذي لم يعرف يوسف والذي تحولت فيه مصر لبيت عبودية للعبرانيين. عبيدا كنا في مصر. العبرانيون، هكذا فكرت، هم من حملوا كتل الفحم الهائلة التي انتصبت علي جانبي النيل، في مراكب منبسطة ذات أشرعة بيضاء عملاقة). هكذا تستولي إسرائيل علي سيناء بقوتها العسكرية، وتستولي الكاتبة علي تاريخ مصر لصالح الرواية العبرية بقوة ذكرياتها المتعاطفة مع مصر. ليس هذا فقط، بل إنها تعلن انتماءها الصريح، هي المصرية الأصل التي تزور سيناء المصرية الواقعة تحت سيطرة إسرائيل. تقول هي: (جنودنا)، إشارة للجنود الإسرائيليين، وتحدد بسهولة لأي صف تنتمي. تسرد الكاتبة فصولا مذهلة عن مصر، فصولا متعاطفة وتشكل بالقطع صوتاً آخر في إسرائيل، التي تحب شيطنة العالم العربي كله، غير أن الطريق التي تقطعها بين العاطفي والسياسي قصيرة جدا. تتحدث عن مصر و الأرض الموعودة ، إشارة لإسرائيل، اللتين تقعان خارج التاريخ، ينتميان إلي الزمن السابق علي التاريخ، عندما خلق الرب العالم من السرمد القديم. حتي المصريون لم يعرفوا، أو لم يتذكروا ماذا حدث للعبرانيين في مصر قبل أن ينشق البحر الأحمر ويحملهم موسي إلي صحراء سيناء. غير أننا، في عيد الفصح، من نتذكر هذا . هذا الزمن الأزلي الذي لا يتذكره أحد هو ما يساعد العبرانيين علي بناء تاريخهم، علي احتكار التاريخ لهم. بمعونة القوة العسكرية. جنودنا يقفون في ناحية. ويوسف يفسر أحلام فرعون في ناحية أخري. ولأن هذا الزمن سرمدي، فهو عصي علي الإثبات والإقناع، هو زمن مقدس، زمن العهد القديم. لا يمكن اختزال الكتاب في هذا البعد وحده، فجاكلين كهنوف تتحدث كثيرا عن التنوع الثقافي المطلوب لإسرائيل، وعن هوية إسرائيل البحر متوسطية، أي تخفف كثيرا من الطابع الاستعماري لإسرائيل والذي يحب الإسرائيليون بمقتضاه رؤية أنفسهم كرسول الغرب المتقدم إلي الشرق البدائي، فها هي تربط إسرائيل بالبحر المتوسط، أي بآسيا وأفريقيا وجنوب أوروبا، وليس بالولايات المتحدة ودول الشمال. حتي هنا، لا تبدو استنتاجاتها جذرية بما فيه الكفاية، فحرصها علي التعددية الثقافية لم يمنعها من الإيمان بارتباط الشعب اليهودي الوثيق بأرضه، وتعلن أنه لا يكفي أن ينتج اليهود في الشتات أعمالا عالمية، مثل كافكا وفرويد وأينشتين وماركس، وإنما علي أعمال كتلك أن تتميز بيهوديتها وبعالميتها سويا. وهو ما لم يحدث علي مدار التاريخ اليهودي في الشتات. لذا تصل إلي استنتاج صهيوني واضح: لا تنتج حضارة كاملة إلا من خلال الصلة بين الشعب وبين أرضه . أي أنها تلغي كل اليهود في الخارج، ماركس وتشومسكي ودريدا وحنا أرندت وكافكا وفرويد، وتقرر كما فعلت الصهيونية أن فقط العودة للأرض المقدسة هي ما ستجعل اليهودي جديرا باسمه. لذا ليس من عجب في أن تقتبس كلمات المفكر الصهيوني ألبير مامي: ليس إلا الحل القومي هو ما سيزيل صورة الشبح التي التصقت بنا، ليس إلا إسرائيل هي ما ستجعلنا شعبا من لحم ودم، ليس إلا حرية الشعب هي ما ستكون فرصة حقيقية لتطور ثقافته . لا مكان هنا للعلمانية، ليكون اليهود مواطنين فرنسيين أو ألمانا أو مصريين، حتي لو أدي تحرير شعب إلي حرق قري شعب آخر، لا مكان هنا إلا لإبراز صفة اليهودي في بطاقة الهوية، هذا الإبراز الذي هو حجر الأساس في الصهيونية كما هو معلوم، التي تحدد الهويات وفقا لأيديولوجيتها، تقيم هويات جديدة وتبتر أناسا عن مواطنهم السابقة، بمن فيهم أناس رغبوا سابقا في الهتاف مع الأهالي كما يهتفون، للبلد الذي يضمهم سويا، تجعلهم يتبنون جنود الدولة الجديدة، الأبناء الوسيمين للدولة، في عملية متبادلة من البتر والاحتكار. 0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية