ذكري سنة علي الغياب.. أحد يربت علي كتفك
عناية جابرذكري سنة علي الغياب.. أحد يربت علي كتفكرغم فائض استعدادي للقتال في جسدي المدرب جيدا، جاهدت ان اسير برضا واسترخاء. غمرت المناسبة وجودي الخارجي واشكال حركة روحي، وحتي استقامتي الأولد فاشن التي تملي علي اتزان الخطو. هكذا فكرت في المسيرة التي هدفت الي احياء ذكري الرئيس الحريري في 14 شباط (فبراير) اول امس.الي ساحة الشهداء، تدفقت مثل موجة بين شقيقاتها الموجات، وقلت هذه مناسبة خاصة بي وبالحريري، ففي الثالث عشر من شباط (فبراير) يصدف عيد ميلادي، ثم انني أنهك نفسي في العمل وحيدة، ولا بأس أن أعود الي الجماعة ليوم واحد. شعرت بسعادة أن أنهمر جارية في الاتجاه نفسه الذي ينهمرون فيه. في لحظة مثل هذه، لا تعود القصة قصة رجل غاب قتلاً واحتراقاً، بل ثمة ما هو أبعد، أكثر بُعداً من المناسبة، ومن الحياة التي أعيشها أنا، وتعيشني هي، ومن الموت والقتل وكل هذه الأمور. ثمة فقط الغضب الشخصي والعام الذي احتاج طويلاً فرصته اللائقة. ان أغضب هو تماماً شعوري بالانتقال من السجن الي حمام دافئ.كل خطوة كانت تمحضني شعوراً رائعاً بأكثر من ألف مرة عما هو حقيقة. كان واضحاً تماماً بالنسبة لي، ان في رغبتي الجياشة الي السير مع السائرين، ذلك الغضب المدمر الذي يأكلني والحس المعذب بالوصول الي شيء، اعرف مسبقاً عدم امكانيتي الوصول اليه. هناك ايضا، الافتراض المبرح بأن الصياغات غير الحقيقية (كأن امشي مع الجمهور، فيما أنا في الحقيقة أكره التجمهر) هو الشيء الطائش، والانساني الوحيد الذي يعرضه العالم علَّي. ان ما يجعل يقيني نهائياً هكذا، محسوساً وقاسياً، هو تقسيمات الحياة الظالمة واشكالها الجاهزة الرتيبة. ليست مشاعري وحدها التي انتعشت هنا، انما ايضاً جسدي المقدس والسخيف.ظللت امشي معهم. صامتة، تركت لرجلي ان تهذر هذرا شجاعاً. جذعي ايضا، صدري واكتافي. تريثت امام ضريح الرجل، ياللسماء الطيبة. قيمة هائلة الحجم ترقبني، كانت تجلس في السماء التي ذكرت، ببطن كبير وعينين مدوختين. دقائق وقفت امام ضريحه. ولكنها الدقائق التي نمت في اعماقي وراحت تضغط علي قلبي كاشحة مقاومتي البدائية التي امتلكتها طويلا ضد تسليم نفسي الي الذكريات. الذاكرة هي الفخ الأعظم. لا اسلم نفسي الي اشياء تستعصي علي اصابعي، علي لمسي. دقائق ضد اطنان الحجارة هذه التي جعلت لمنظر ضريح الرجل، شكلا باطونيا وجدت نفسي مقذوفة فيه بلا ارادة. تأملت بتفهم كامل الروعة الهندسية للمكان، المسجد وما يحيطه. افترسني بسهولة انسجام الخطوط والمساحات وهي تمسك بنظرتي وتقودها، مرأي الناس وهم يصيحون حياتهم، حزنهم، مسراتهم ايضاً، زوجاتهم، مهنهم، شعورهم بأنهم قد خدعوا.كان يمكنه ان يكون رئيسا حقيقيا او فكرة جديدة عن الرئاسة. انه افتراضي تمثيلي، لكنه مثل كل افتراض بالطبع، له معناه الخاص.تصور فقط، ان عالما ثقيلا يضغط فوق اللسان والعينين واليدين من دون احد يربت علي كتفك. هكذا الحريري الذي فحّمته اطنان المتفجرات كان قد مد يداً الي اللبنانيين وربت علي اكتفاهم. ليس كتفي تحديداً ما ربتته يده، بل كتف البلد المدمر والتشويه الذي لحق به. لا اريد ان أناقش هذه النقطة تحديدا، ولكنها كانت حاجتنا الملحة بعد حرب اهلية طويلة، الي شكل ما غير مهدم، سليم وان ظاهريا علي الأقل.انها متعة جديدة ان اجرؤ علي استنهاض تعبيري الخاص عن الرجل، ليس لأجله او لأجل موته، بل لأتمكن من التعرف علي نفسي. توازن الرعب بين الداخل والخارج، بين ان انسحق من الانكفاء والوحدة، او تكون لي فكرتي عن مدينتي. امتلك الآن ادماني علي تحديث لغتي في حركة مستمرة لا تخاف. امتلك بالطبع، عبير الافكار القديمة التي حملتها طويلا، ولكن علي كتفين متمردتين، واريد ان اصدق الاشياء الجديدة والبشر الجديدين.اعرف اني اشرد احيانا عن الموضوع. الموضوع هو انني شاركت مع المشاركين في يوم احياء ذكري مرور سنة علي غياب الرئيس الحريري، ولكن اذا لم اكتب الاشياء علي طريقتي، اي كما تحدث لي، لفقدت اثرها الي الابد. لم يعد دماغي دفاعيا، انه الآن هجومي، واكثر استفزازا، وصار يستهويني التتبع الشخصي لأبسط الاشياء. لدي في هذه المسيرة، قدماي وعاجزة نهائيا عن الهتاف، واعدو في الشوارع باندفاع لاهث متنقلة بين الدروب الفرعية، منعطفة بتوثب من شارع لآخر، كأن ضريح الحريري اللقية الخارقة التي سوف تعيد تشكيل حياتي علي نحو اقل ظلما.كنت اركض كصائدة قبور يتوجب عليها انقاذ الاجساد قبل ان تبلغ انحلالها النهائي. كنت اريد ان اجد جسده كاملا، هدية لي في عيد ميلادي، كنت اريده محتفظا ما زال بشكله الاصلي، حتي ولو كان قد مات. تغدو فكرة اغتيال الحريري اقرب الي فكرة شخصية عن الظلم. انها كالهتاف في فراغ، كالصراخ في كون مريع وشاسع. سوف تذهلني حادثة موته طويلا، فأنا اعرفها في حياتي، غير انها النار التي لم تأخذ بجسدي، ولم تسقطني علي الارض.0