ديختر: هنية لا يتمتع بالحصانة وقد نستهدفه في اي وقت وسيعتقل اذا وقع في يد الجيش الاسرائيلي علي الحواجز
اسماعيل هنية أصبح رئيسا للوزراء بفضل قربه من احمد ياسين.. وخصومه كثيرون: الاسرائيليون والفتحاويون والمتطرفون في حماسديختر: هنية لا يتمتع بالحصانة وقد نستهدفه في اي وقت وسيعتقل اذا وقع في يد الجيش الاسرائيلي علي الحواجز الساحة الأكثر اشتعالا في الشرق الاوسط ليست موجودة في قاعات الاجتماعات المفتخرة ولا في الدواوين التي تغص بالمستشارين الملازمين للشاشات الرقمية من كل أرجاء العالم. قلب الحدث ينبض في صالون منزل عائلة هنية في مخيم الشاطيء للاجئين. أحد الاماكن الأكثر فقرا في العالم. لا مصبات مائية ولا طرقات ومتنزهات ولا اراضي مكسوة بالخضرة، وانما قطعة ارض هي الأكثر رخصا تقع علي شاطيء البحر المتوسط، حيث ينتصب الحي الأكثر اكتظاظا في العالم، 80 ألف نسمة يعيشون علي 800 دونم. في هذا المنزل، في قلب المخيم، الذي ترتسم شعارات القدس الحبيبة واحمد ياسين المتوفي علي جدرانه، يستقبل رئيس الحكومة القادم قوافل المهنئين والمنتفعين والحالمين. الصحافيون جاؤوا في هذا الاسبوع الي هناك، ومثلهم الاقتصاديون ورجال الدين والنشطاء السياسيون وكذلك الحال مع الناس البسطاء الذين جاؤوا لملامسة رئيس فلسطين الجديد.بعض رفاقه المقربين لم يستوعبوا بعد هذه الصورة. قبل مدة وجيزة لم يسمح اسماعيل هنية (43 عاما)، لنفسه بامتياز معرفة العالم كله أين يتواجد بالضبط. في تلك الفترة التي أصبح فيها هدفا للاغتيال علي قائمة الاجهزة الأمنية الاسرائيلية، وعنوانا للصاروخ القادم، لم يكن يظهر إلا بصعوبة. كان يتحرك من مكان الي آخر بسرية، متنكرا ومحاولا الفرار من المروحيات الهجومية التي تلاحقه. هنية كان مطلوبا طول خمس سنوات، وعاش طريدا في مواجهة من يُلقبه الغزاويون بـ الصياد . أي آفي ديختر، الذي كان حتي مدة وجيزة رئيسا للشاباك . علي هنية أن يشكر ربه مرتين في اليوم ، يقول ديختر، لأنه ما زال حيا يرزق .بالرغم من توفر فرص لتصفيته، إلا أن اسرائيل قد تنازلت في أكثر من مرة خشية اصابة أبرياء في عملية الاغتيال ، يقول ديختر. حسب التخطيط الاسرائيلي كان من المفترض أن يكون السادس من ايلول (سبتمبر) 2003 آخر يوم في حياة هنية. هذا الشخص ، يقول ديختر، كان جزءا من آلة القتل الحمساوية . قنبلة تزن ربع طن سقطت علي المنزل الذي انعقدت فيه كل قيادة حماس، منتخب الأحلام ، كما يسميها ديختر. القنبلة أصابت سطح المنزل في الوقت الذي كان فيه كل قادة حماس في الطابق الارضي ـ إلا أنهم خرجوا من دون أذي. هنية نجح في الفرار. كل المنتخب نجا بمن فيهم الشيخ احمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي. في نهاية المطاف أصابت الصواريخ الاسرائيلية الاثنين الأخيرين.هنية كان محظوظا. حسب ديختر. ياسين والرنتيسي كانا حينئذ قيادة التنظيم ورموزا بارزة وأهدافا مفضلة للاغتيال. وعندما جاء دور هنية جاءت الهدنة التي منحته حصانة معينة. بصورة مؤقتة فقط ، يكشف ديختر. أنا لا أري وضعا يُصبح فيه هنية ذا حصانة بسبب كونه رئيسا للوزراء. لقد كان في نظري وما زال شخصية ارهابية مهما كان منصبه. تماما مثل البرغوثي. اذا حدثت عملية، وردت عليها اسرائيل بعملية اغتيال ـ فان هنية سيكون هدفا مشروعا لان حماس لا تستطيع أن تنفذ عملية من دون موافقة القيادة. اذا وصل هنية الي حاجز عسكري فانني أعتقد أنه سيُعتقل ويتعرض للتحقيق والمحاكمة بسبب دوره في العمليات .اقوال ديختر هذه ستتسبب في اختلافات في وجهات النظر علي ما يبدو: هل يحق لاسرائيل أن تمس برئيس وزراء فلسطيني. ولكن آخر شخص سيفاجأ من ذلك هو اسماعيل هنية. هو يعرف ، يقول أحد مقربيه، أنه لا يملك أي حصانة ويعرف أنه سيُعتقل، ولذلك لا يتزحزح من غزة. هو علي قناعة أن اسرائيل ستحاول قتله. هنية ينتظر ذلك ولا يخشاه ولا يختفي ـ ولكنه لن يقدم رأسه علي طبق ايضا: اربعة حراس يرافقونه الي كل مكان يتوجه اليه.أمير الفقر والتردياول مرة يشاهد فيها اسماعيل هنية وهو يبكي كانت بعد دقائق من اغتيال الشيخ ياسين. احمد ياسين كان كل شيء بالنسبة له ، قال لنا رفيقه. الشيخ احمد ياسين كان مرتبطا كثيرا بهنية من بين كل المجموعة الشبابية التي تحيط به. أنت مثل ابني ، قال له. كلاهما جاءا من مخيم الشاطيء للاجئين. في ظل احمد ياسين لم تبرز شخصية هنية، ولم يحاول إبراز نفسه مُظهرا الولاء التام للشيخ. ياسين وثق به تماما ، قال الدكتور فتحي الشقاقي، الباحث الفلسطيني. الشيخ احمد ياسين كان مؤمنا بأن هنية لن يبحث لنفسه عن ملذات الحكم والسيرة السياسية المستقلة. الجانب الرمادي من اسماعيل هنية الذي لا يهدد القيادة هو الذي أوصله الي رأس قائمة حماس. رجل تسويات وتحالفات ومتجنب للانقسامات. الختيار أحب بساطة هنية، الشخص الذي يُملي عليه تواضعه اسلوب حياته. لن تروه مع ربطة عنق في أي وقت من الاوقات ، يقول أحد أتباعه موجها بذلك لسعة للاسلوب الدحلاني الصارخ. هو لا يرتدي ماركة ديور، ولا يحمل ساعة رولكس . ما زال حتي اليوم يسافر في سيارة ميتسوبيشي قديمة. رفاقه يقولون انه يعيش براتب 500 دولار في الشهر. اعتزازه الكبير يتمحور حول عدم مغادرته لمخيم اللاجئين بالمرة. في الايام الأخيرة، عندما دخل في خطوات محسوبة الي منصب رئيس الوزراء، أوضح بأنه لا ينوي اتباع أي شكل من أشكال النمط الذي يترافق مع المنصب. لن أغادر مخيم الشاطيء أبدا ، قال. الربط الأصيل بين الفقر واللجوء هو رايته، وهذه ليست دعاية انتخابية: والداه هربا في عام 1948 من قرية الجورة في محيط عسقلان. هنية يحرص علي اسلوب نقي وزاهد كثوري راهب ذي عينين متقدتين في الساحة الفلسطينية التي سئم فيها الناس من الفاسدين في الحكم الذين يقطنون في الفيلات والأطيان الضخمة.قُرب اسماعيل هنية من احمد ياسين هو أحد الامور الأكثر مغزي في سجله. هذا مصدر صلاحياته ، قال يوني فيغل، باحث بارز في معهد دراسات الارهاب في مركز هرتسليا متعدد المجالات. السنوات التي كان فيها هنية ملازما لمؤسس حماس ومتواجدا في كل المواقف التي تتخذ فيها القرارات واللقاءات السرية وادارة التنظيم وبلورة السياسة ـ هي التي بنته . اسماعيل هنية تعلم من احمد ياسين كيفية ادارة تنظيم ارهابي، سياسي واقتصادي. هذه كانت مدرسة العُمر بالنسبة له، كما يقول فيغل.علي امتداد السنين، يقول آريه لفنه، رئيس منطقة الجنوب في الشاباك سابقا كان هنية أقل تدخلا في الذراع العسكرية، وركز علي توسيع الصفوف: الصدقات والرفاه والتربية والتعليم. هنية كان رجل شارع، شخصا من الجهاز الذي يدر الاموال الهائلة علي مشاريع حماس .ولكن ديختر لا يشك بأن هنية هو منتوج ياسيني صارخ، وأن عيونه تتوجه نحو الكفاح المسلح. هنية تبلور في ظل احمد ياسين ، كما يقول ديختر، وبذلك يجرده من صورته المعتدلة. هو كان قريبا من ياسين وتعلم منه كل الامور السيئة والفظيعة لانه لم يكن يملك امورا جيدة. هذا الشيخ لم يقتل الاسرائيليين فقط وانما الفلسطينيين ايضا. وعندما قام بالتسبب في القتل من الممكن أن نكون متأكدين أن رئيس مكتبه كان ضالعا في ذلك بالتأكيد .أتباع حماس يرون في اقوال ديختر إعداما من دون محاكمة. كتجسيد للتعالي الصارخ الذي يؤيد سياسة الاغتيالات. أحد كبار قادة حماس في غزة قال: هنية لم يكن أبدا جزءا من الذراع العسكرية، وهو لم يقم بالتأكيد باصدار الأوامر للعمليات، ولكن من المريح للاسرائيليين القول انه لا يوجد فصل بين الجهاز السياسي والعسكري في الحركة .في اليوم الذي كلفه فيه أبو مازن بتشكيل الحكومة، قام هنية بعقد مؤتمر صحافي. هذا حدث في معقله الخاص في منزله في مخيم الشاطيء. الي جانبه كان أبناؤه الكبار همام وعبد. ومن حولهم تزاحمت الصحافة والأضواء من كل أرجاء العالم حتي يسمعوا مستر فلسطين . هنية خرج الي جيش الصحافيين مرتديا عباءته ورداءه الديني. بهذه الطريقة اختار هنية إظهار صورته الاولي في السلطة للعالم.حتي اليوم لم يكونوا ينظرون اليه كقائد. هناك اشخاص أكثر بروزا منه في حماس. صحيح أنه جاء لاظهار من الذي أصبح رب البيت، ولكنه يعرف أنه ليس هذا الشخص بعد. إحداث الانقلابات يستوجب منه مواجهة اشخاص أكثر قوة منه. القيادة في دمشق، خالد مشعل وأبو مرزوق، تعتبر صاحبة القرار السياسي العام مثل مجلس حكماء الاسلام . من يعرفه يقول ان الانقلابات ليست اسلوبه، ولذلك لا توجد احتمالية بأن يعترف باسرائيل خصوصا ليس في الفترة القريبة. حتي الاسرائيليون الأكثر اعتدالا لا يخدعون انفسهم بأن ذلك سيحدث. يوسي بيلين مثلا، غير مستعد لاعطائه وصفا براغماتيا. هو قائد شاب يقطن في فقاعة متطرفة. أنا لا أري بوابة للمفاوضات .اعتدال اسماعيل هنية لا يؤثر في الحمائم الاسرائيليين. ولكنه جذاب في نظر الفلسطينيين. بأسلوبه يعتبر نقيضا للرنتيسي المحرض والحربجي. رجل لطيف المُحيا، ذو كلمات متزنة ويعرف كيف يصغي للآخر. كما أن سجله حافل بالمفترقات المدنية وليس بالأوسمة الحربية. هو تعلم الأدب العربي في جامعة غزة، وكان عميدا وهو قاريء متحمس وفي بيته كتب كثيرة غير دينية ايضا. رغم مقاساته الكبيرة، طوله 190 سم، إلا انه كان لاعب كرة قدم في مخيم الشاطيء وكان ضمن المنتخب المحلي. في اوقات فراغه يقوم بمشاهدة برامج تلفزيونية ومباريات كرة قدم. ابنه يشرف علي برنامج رياضي في الاذاعة.كما توجد في سجله ثلاث سنوات في سجن كتسيعوت بتهم هامشية وسخيفة تقريبا مثل توزيع المنشورات في الانتفاضة الاولي. هو لا يدخن ويفتقر الي روح الدعابة. من المحظور التحدث عن زوجته، ولا يمكن ايجاد صورة لها في أية صحيفة. لديه 11 ابناً. هو يحرص علي الصلاة وفي بعض الاحيان يلقي خطبة الجمعة في المسجد. هنية يعتبر متحدثا فصيحا وجذابا ومؤثرا. خلال المقابلات يحذر من الانزلاق نحو عبارات تُظهره بصورة متطرفة، وخصوصا الآن حيث يحتاج الي الشرعية والي اموال العالم. هو ليس فظا وهجوميا كقادة حماس الآخرين. ولكن لديه تصريحات حادة واحيانا تهديدية. فلسطين كلها ستتحول الي جهنم ، وعد بعد تصفية احمد ياسين. فلسطين ستكون فوق كل مساحة اسرائيل وقوانينها ستكون منبثقة من القرآن ، قال مؤخرا. وخلال موجة اعتدال عابرة قال: نحن لا نريد إلقاء اليهود لاسماك القرش في البحر، وانما نريد فقط استعادة ما استُلب منا .حتي يوسي بيلين لا يستطيع التشبث به كعنوان جدير للأمل. وهناك ايضا أكثر منه فظاظة مثل يوفال شتاينيتس، الرمز اليميني في الليكود الذي يقول إن علي اسرائيل أن تمنع هنية من تشكيل حكومة من خلال فرض الحصار علي مراكز الحكم في الضفة وغزة. اقامة حكومة حماس ستؤدي الي نشوء دولة حمساوية ايرانية . قادة فتح، الذين تلقوا ضربة من هنية في الانتخابات، غير مستعدين لقبول هذا النفور الاسرائيلي والتهديدات الموجهة له. كنت خصمه، لكنه الآن رئيس وزرائي ، يقول جبريل الرجوب الذي نافس حماس في الانتخابات وهُزم. من الجنون التحدث بهذه الطريقة عن تصفيته. هناك اسرائيليون لا يريدون اتفاقا مع أي أحد، وعدا عن ذلك أنتم الذين قمتم بجرنا الي هذا الوضع .في سجن كتسيعوت في النقب (أنصار)، رفض هنية تعلم العبرية، ولم يكن مستعدا لامتصاص حتي جزيء صغير من ثقافة العدو. قتلتم الشخص الأكثر قربا له في العالم ، يقول لنا صديقه من غزة. ولكنه لم يقل في أي مرة من المرات انه يكره الاسرائيليين . في كل صباح يقوم بعقد اجتماع لأعوانه ويحصل علي تقرير حول آخر التطورات في اسرائيل: أتباعه يقدمون له تغطية لمجريات الانتخابات والتطورات في السياسة الاسرائيلية. خلافا لأتباع فتح الذين تصادقوا مع الاسرائيليين، ليس لهنية اصدقاء اسرائيليون. الوحيدون الذين يتحدثون معه هم الصحافيون الاسرائيليون القدامي الذين يقومون بتغطيته منذ مطلع التسعينيات عندما أُبعد الي لبنان مع الـ 412 شخصا الذين قام رئيس هيئة الاركان باراك بإبعادهم الي مرج الزهور.اسماعيل هنية ايضا لم يستعد لهذا النصر الجارف في انتخابات 2006. لم تكن هناك أي احتمالية للصول الي القمة لولا عمليات الاغتيال الاسرائيلية. الرنتيسي كان رقم اثنين، إلا أنه اغتيل. محمود الزهار هو شخصية مكروهة. هنية لم يحتل القمة بصورة عنيدة ولا من خلال صراعات قذرة ولا حيل علي مستوي القيادة. هو تُوج تماما كما في الحكايات الأكثر دراماتيكية فقط لانه كان هناك. الشخص الذي لا يوجد له خصوم الشخص الأقل كُرها ، قال ديختر، الذي لم يشكل تهديدا لأي أحد . ولكن هذا لا يعني أنه لن ينضج للزعامة مع الوقت. لديه الهالة والحكمة المطلوبة ، يقدر ديختر.ليس صدفة أن المشعليين والمرزوقيين قد وضعوه علي رأس القائمة: هم أرادوا منه أن يحرث القطاع من اجلهم من صالون بيته الصغير حتي يقوم بالعمل الاسود، بينما يتمكنون هم من التحرك في الأجنحة الفاخرة بين دمشق وطهران. الجميع سينتظرون سقوطه: الاسرائيليون، والفتحاويون، وحتي المتطرفون في حماس. كم هي قريبة اللحظة التي سيجد فيها الشخص رقم 1 نفسه طريدا وملاحقا اذا كبا خلال مسيرته.تصادوق يحزقيلي وعنات تال ـ شيركاتبان في الصحيفة(يديعوت احرونوت) 24/2/2006