دهشةومن أول السطر

حجم الخط
0

دهشةومن أول السطر

عزت القمحاويدهشةومن أول السطرالنتيجة التي أحرزتها حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية منطقية تماما، فالشعب الواحد قد يستطيع أن يحتمل ناراً واحدة: الفساد أو الاحتلال، بينما عاش الفلسطينيون تحت نارين حولتا حلم الدولة إلي كابوس. ومع ذلك فإن الدهشة التي ألقاها نجاح حماس الكبير كانت أكبر من دهشة الثورة الخومينية في إيران. والدهشة هي الكلمة الأنسب للتعبير عما حدث بما تمتلك الكلمة من حياد يسمح بتلوينها فيما بعد بأوصاف أخري، كل حسب موقعه.الشارع العربي المحافظ بطبعه سعيد بلا تحفظ، النخب المثقفة كانت تتمني ألا يحدث ذلك لكن الشماتة في الفساد، وخصوصية الوضع الفلسطيني تلون دهشتهم بنوع من الفرح الحذر.دهشة الإسرائيليين والأمريكيين اتخذت لون الصدمة الصريح، رغم أنهم أعرف منا بقوة حماس، لكن صدمة بوش الشخصية فيما يبدو كانت في خذلان محمود عباس له، وربما كان الرئيس الأمريكي يتوقع منه أن يفهم ضرورة التزوير من أجل نجاح العملية الديمقراطية! ويكاد يصرخ: كيف صدق هذا الفلسطيني لعبة الديمقراطية، إننا كنا نصور فيلماً. بينما كان الرد الأوروبي اكثر حياء ومواربة كالعادة: علي حماس أن تختار السلام مع إسرائيل .والسؤال أي سلام؟هذا هو السؤال الكبير الذي ينبغي أن تشتغل عليه حماس. وإذا كان جزء من نجاح الحركة جاء للخلاص من الفساد المالي، فإن الإصلاح المصيري الذي ينتظره العرب جميعاً من حماس هو الإصلاح اللغوي. حيث سيكون عليها إعادة تعريف الأشياء من جديد، وسيتمثل نجاحها في قدرتها علي رد العالم إلي مرحلة الطفولة لإعادة تعريف معني الانتفاضة والاحتلال والإرهاب والمقاومة. وهذا جهد تحتاج فيه حماس إلي جهود النخب العربية من كل الفصائل الفكرية.الفساد اللغوي هو أخطر فساد قادته إسرائيل وأمريكا والإعلام المنحاز للدولة العبرية ومررته السلطة تعباً أو خوفاً فأصبحت شريكة فيه، بمبادرات إدانة عمليات المقاومة.الطريق ليس سهلاً بالتأكيد وبدايته ظهرت فور إعلان النتيجة في تهديد رايس بقطع المنح. وهذا لا يعني إلا الاعتراض علي إرادة الشعب الفلسطيني الذي اختار أن يجرب شيئاً غير الفساد والتنازلات المجانية التي أجبرت السلطة عليها. وربما كان علي حماس أن تدرس قضية المساعدات جيداً وستكتشف ـ كما اكتشف الاقتصاديون في غير بلد عربي ـ أن هذه المنح لم تجلب سوي الوبال للشعوب، ولم تكن سوي بيت زجاجي واسع لاستزراع شتلات الفساد الفاجر، ويكفي أن نعرف أن المنحة الأمريكية لمصر في العام تساوي ما نهبه رجل أعمال واحد من البنوك وهرب به إلي الخارج. وأن ما أعلن عن تهريبه في عام واحد يساوي منحة عشر سنوات.الإحسان الغربي يأتي غالبا مشروطاً بأولويات إنفاق ليست أولويات المجتمعات وتستخدم دائما لتعويم الحكومات الغارقة وإدامة عمرها، إذن هذا ليس مأزق حماس الأول. بل إن اكتفاء الغرب في ضغوطه بوقف المساعدات قد يساعد حماس علي إعطاء درسها الثاني للأنظمة العربية في إمكانية العيش دون انتظار الإحسان الغربي.المأزق الحقيقي والخطير هو تحول الحركة إلي حكومة وهذا يعني أن سلاح المقاومة سيصبح سلاح الحكومة، والسؤال يتعلق بحدود حركة هذا السلاح في وضعه الجديد. هل يتحرك سلاح المقاومة بالحرية السابقة فتعيد إسرائيل الاجتياح وتعيد الأمور إلي المربع الأول، أم يتم ترويضه فتتحول حماس إلي منظمة تحرير أخري تلقي السلاح وتتفاوض ثم لا تأخذ شيئا، وتتآكل مثلما تآكلت المنظمة التي أعطت كل شيء ولم تأخذ شيئاً؟ولن تضع حماس وحدها إجابات هذه الأسئلة الصعبة، فلسطينيا، وليس الاعتذار عن المشاركة كلمة فتح الأخيرة. كما أن الطرف الأهم في المعادلة كلها لايزال إسرائيل وتابعتها أمريكا. وعلي هؤلاء ألا يتصرفوا بالجشع الذي تصرفوا به حتي اليوم. لا أحد يطالبهم بوضع مصالح الفلسطينيين في اعتبارهم، فقط، ليعملوا بإخلاص وواقعية لصالح شعبهم.وبقليل من التأمل لمسيرة أوسلو وكذبة خارطة الطريق سيدركون أن النصر الكامل أسطورة لن يكتب لها الحياة. وإذا ما تعلم الإسرائيليون التقليل من غرور السلاح واحترام حقائق الجغرافيا والتاريخ فسوف تمضي الأمور إلي الأفضل.ودون أن نعرف ما يمكن أن تسفر عنه التجربة سواء بأداء الحمساويين أنفسهم أو بالعقبات التي سيضعها الحلف الإسرائيلي الأمريكي ضدهم فإننا نتبع قلوبنا في الفرح بالنتيجة لمجرد أنها لونت دهشة الأعداء بلون الذعر. 0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية