دفتر المساخر

أخشى أن مصر اليوم صارت بلدا منتجا للمساخر، وأن الثورة المضادة ترتدي أقنعة الثورة بطريقة مزاجية، وعلى طريقة ارتداء سيدات الذوات لجلاليب الفلاحات في الحفلات التنكرية، وتتظاهر بالعداء لمبارك المخلوع، بينما تنفذ سياسته وتتبع اختياراته نفسها بالحرف والفاصلة.
من ذلك الضجة، بل و’المليونيات’ التي تثيرها قيادة الإخوان وأخواتها، بعد صدور قرار قضائي بإخلاء سبيل مبارك على ذمة قضية قتل المتظاهرين، والضجة من نوع الحق الذي يراد به باطل، فلم يكن الإخوان، في أي وقت، مع محاكمة جدية وثورية للرئيس المخلوع، بل ولم يكونوا، قبل الثورة، مع مبدأ خلعه، وراجعوا سنوات القلق السياسي والاجتماعي التي سبقت الثورة، واقرأوا كافة بيانات جماعة الإخوان، فلم تأت على ذكر مبارك بالقدح، ولا لمرة واحدة. ومع ظهور حركة ‘كفاية’ أواخر عام 2004، وقبلها بسنوات في صحف محدودة، كان أبرزها صحيفة ‘العربي’ ذات الاتجاه الناصري، كانت شعارات رفض التمديد فالتوريث قد بدأت تقتحم المجال العام، وكانت مظاهرات كفاية وأخواتها تهتف بسقوط مبارك، وكانت الأفواج وراء الأفواج من ‘الكفائيين’ يجري اعتقالها والتنكيل بها، وتمارس ضدها حروب التجويع والترويع، وكانت قيادة ‘كفاية’ تتواصل مع قيادة الإخوان، كما مع غيرها، وكنت طرفا مباشرا في اللقاءات، بحكم كوني أول متحدث رسمي باسم حركة ‘كفاية’، وإلى أن صرت المنسق العام المنتخب للحركة إلى وقت قيام الثورة في 25 يناير 2011، وفي اللقاءات المغلقة مع قيادة الإخوان، كنا نسمع العجب على طريقة الصيام في رجب، كنا نحثهم على المشاركة في مظاهرات خلع وإسقاط مبارك، وكانوا يردون غالبا بالرفض، وبدعوى أن الدبابات ستسحق المتظاهرين، وكان خبر اللقاءات يتسرب من عندهم إلى أجهزة الأمن، بعدها كانت تصريحات مرشد الإخوان وقتها، مهدي عاكف، تحرص على إدانة حركة كفاية، كان عاكف يتهم كفاية بـ’قلة الأدب’ في تصريحات علنية منشورة، وبسبب أنها، حسب قوله، تشتم سيادة الرئيس مبارك، ثم زاد عاكف الطين طينا، وتوسل إلى الرئيس مبارك، في حوار لمجلة حكومية، أن يسمح له بفرصة اللقاء، كان ذلك في العام 2005، الذي ضغطت فيه واشنطن على مبارك لتخفيف قبضة التزوير، والسماح بتمثيل الإخوان برلمانيا، ودخل ثمانية وثمانون نائبا من الإخوان إلى البرلمان، وفي السنوات اللاحقة، التي تدفقت فيها موجات غضب سياسي واجتماعي استهدفت خلع مبارك ومنع توريث نجله، بدت مواقف قيادة الإخوان أكثر رداءة.
فقد رفضت قيادة الإخوان المشاركة في أي مظاهرات مع حركة ‘كفاية’، وفي أحوال نادرة، كانت ترسل العشرات من أعضائها ذرا للرماد في العيون، وعندما يبدأ الكفائيون في الهتاف ‘يسقط يسقط حسني مبارك’، كان الإخوان المشاركون ينفذون التعليمات الصادرة من القيادة المتواطئة، ويرددون شعار ‘الله أكبر ولله الحمد’ بأصوات عالية جدا، ليس للتذكير بالمعنى الإيماني، بل للتشويش على هتافات إسقاط مبارك، وكأنهم كانوا يبرئون أنفسهم أمام جهات الأمن، واستمر الميل نفسه حتى آخر لحظة قبل يوم 25 يناير 2011، فقد رفضوا المشاركة في انتفاضة 6 أبريل 2008، ثم رفضوا مبدأ مقاطعة انتـــخابات أواخر 2010، وأعلنوا المشاركة في انتخابات كان معروفا سلفا أنه سيتم تزويرها بالكامل، وكان محمد مرسي وقتها، رئيس اللجنة السياسية لجماعة الإخوان، وقال في حوارات منشورة بالصحف كثيرا مما يخجل ويشين ويدين، فقد قال لصحيفة ‘المصري اليوم’:
ان الإخوان لن ينافسوا في دوائر ما سماه بالقامات الوطنية الكبرى، وحين سئل عن مثال، قال، دائرة الزيتون، مثلا، التي يتركها الإخوان للقامة الوطنية الكبيرة زكريا عزمي، ولاحظ أن عزمي كان رئيسا لديوان مبارك، وكان الأقرب على الإطلاق لشخص الرئيس ‘المخلوع’.
ثم تكررت الفضيحة على لسان مرسي نفسه في فيديو متاح للكافة الآن، قال فيه مرسي: ان الإخوان لا يدعون لثورة، وانهم ضد أي ثورة على مبارك، وأذكر أن السنة الأخيرة قبل الثورة، شهدت لقاءات في مقر الإخوان تحت عنوان ‘من أجل مصر’، ودعتني قيادة الإخوان وقتهــــا للمشاركة بصفــــتي منسقا عاما لحركة كفاية، وكانت الصدامات تحدث عند صــــياغة البيانات، فقد كان الإخوان يرفضـــون ويرتعبــــون من مجــــرد ذكـــر اسم مبارك بالقدح، وبعد التزوير الواضح لانتخابات 2010 التعـــسة، بدا لنا، في ‘كفاية’، أن الإخوان قد يتشجعون قليلا لعمل شعبي مباشر ضد مبارك وحكمه، وطرحنا عليهم فكرة إنشاء ‘البرلمان الموازي’، التي اقترحتها ‘كفاية’، واســــتجاب بعض نواب الإخوان السابقين، وتشكلت اللجنة التأسيسية للبرلمان، الذي حمل وقتها اسم ‘البرلمان الشعبي’، وكان من بين أعضائها حمدين صباحي وعلاء عــــبد المنعم وأيمـــن نور ومحمد البلتاجي القيادي الإخواني، وكنت عضوا فيها بصفتي صاحب الاقتراح ومنسق حركة ‘كفاية’، وكتبت بخط يدي نص البيان التأسيسي للبرلمان الشعبي، وتوالـــت اجتـــماعات اللجـــنة، وبينـــها اجتماع عقد بتاريخ 23 يناير 2011، أي قبل 48 ساعة من اشتعال الثورة، عقد الاجتماع في مكتب النائـــب السابق علاء عبد المنعم في عمارات العبور المواجهة لمقر وزارة التخطيط بشارع صلاح سالم.
وتداول المجتمعون اقتراحا بإصدار بيان باسم البرلمان الشعبي يعبر عن رأي القوى الوطنية في حدث الثورة المنتظرة، وكلفوني بصياغة البيان، وقد كان، ثم كانت الصدمة عند تلاوة البيان على المجتمعين لإقراره، كان المطلب الأول في بيان الثورة على النحو التالي، ‘الإنهاء السلمي للحكم الاستبدادي القائم ومنع مبارك ونجله من الترشح لفترة رئاسية جديدة’، كانت الصياغة مخففة قياسا لبيان ‘كفاية’ الذي شرفت بصياغته أيضا، والذي حمل عنوان ‘خلع مبارك هو الحل’، ورغم تعمدي تخفيف الصياغة في البيان المشترك، فقد فزع محمد البلتاجي عند قراءة البيان، وقال بالنص:
لا يمكن لقادة الإخوان أن يوافقوا على ذكر مبارك بالإسم، ثم كان ما كان، وبدا مع وقائع يوم 25 يناير 2011، أن التحرك الشعبي تحول إلى ثورة حقيقية التحق بها الإخوان متأخرين، وحاولوا حتى آخر لحظة خفض سقف أهدافها، ففي اجتماع التحضير لجمعة الغضب الشهيرة التي جرت وقائعها في 28 يناير 2011، حضر البلتاجي وعصام العريان وسعد الحسيني ممثلين لجماعة الإخوان، كان الاجتماع منعقدا ظهر يوم 26 يناير في مقر حزب الجبهة الديمقراطية في حي المهندسين بالجيزة، وكان إجماع أغلب الحاضرين ظاهرا على الهدف، وهو خلع مبارك ومحاكمته، ثم تحدث سعد الحسيني ـ محافظ كفر الشيخ الآن ـ عن الإخوان، ورفض الهدف المحدد، وقال: دعونا نتفاوض مع النظام.
كان هذا طرفا مما جرى، وقارنه، من فضلك، بمساخر ارتداء الإخوان لأقنعة الثورة اليوم.

‘ كاتب مصري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد فال:

    أستاذي العزيز أود الإجابة على بعض الأسئلة مع احترامي الكبير لكم والأسئلة كالآتي :

    1 ــ ألم تتأسس كفاية في بيت أبو العيلا ماضي ؟

    2 ــ ألم تضم كفاية أعضاء من الإخوان المسلمون ؟

    3 ــ من الأكثر تعرضا للظلم ــ في عهد مبارك ــ الإخوان ، أم الناصريون ؟

    ملاحظة

    وظلم ذوي القربى أشد مضاضدة على المرء من وقع الحسام المهندي

  2. يقول سالم عواد:

    ولنضف الى دفتر المساخر هذا اضافة جديده اعتمادا على أقوال الاستاذ عبدالحميد : خلع مرسي ومحاكمة جماعة الأخوان المسلمين” !! أليس هذا ما تحاولون( جبهة المعارضه) تحقيقه منذ ظهور نتائج الانتخابات الأولى؟! حتى التفوض والحوار مع السلطة الشرعية ترفضونها بحجة عدم الثقة في القيادة الحاليه.
    لقد بات الشعب يعرف اهدافكم عن ظهر قلب ” اسقاط المشروع الاسلامي واحلال المشاريع العلمانية الليبرالية محله ” ، وكأن الامر يتلخص في استبدال راية براية أخرى!!.على كافة انصار واتباع الجبهات المعارضه امساك راية الوطن وبقوة مع من يرفعها عالية في هذه المرحلة من مراحل الثورة الشامله . فامامنا الكثير من التحديات الصعبة التي تتطلب جهودا مخلصة من كافة ابناء وطننا المهدد بالدمار ان استمرت حالة التشظّي والخلاف.

  3. يقول نبيل عيسي:

    المعارضة المصرية العلمانية الغير وطنية هي الد اعداء الاغلبية الساحقة من الشعب المصري وكل ما يهمهم هو الوصول الي السلطة بأي ثمن-وهم لا يكرهون الرئيس مرسي والاخوان المسلمين بل كل الحقد والكراهية هي للاسلام حقيقة-والشعب المصري يعرفهم تماما-اما الرئيس والاخوان وان كان لهم اخطاء ولكنهم وطنيون ومحبون لمصر اكثر من اي فصيل اخر ولن يتركوا السلطة ابدا الا بالصندوق الذي تخشاه المعارضة لانها تعلم قيمتها الوضيعة التعسة

  4. يقول نبيل العلي:

    أضف إلى دفتر المساخر أن الإخوان كانوا يرددون بأنهم (للقدس رايحين بالملايين) وتبين بأنهم رايحين يجيبوا كل اليهود إلى مصر …!!

  5. يقول نزار حسين راشد:

    هل تعرف قصة الحشاش الّذي لقي صخرة في طريقه فوقف قبالتها،منتظراً أن تنزاح من طريقه،شتمها وتوسل إليها..وبقيت الصخرة مكانها…أعتقد أن موقفكم من الإخوان مثل موقف الحشاش من الصخرة!التفكير السياسي تفكير إيجابي يبحث عن القواسم المشتركة مع كل مكونات المجتمع!الإخوان عبر تاريخهم السياسي تحالفوا مع الوفد أكثر من مرة!مما يدل على عقلانيتهم!أين العقل في البلاك بلوك والإنقاذ ومجانين الفوضويين!الناصرية شخص وليست فكرا ولهذا فقدتم البوصلة وأصبحتم تتخبطون!

  6. يقول sameer:

    i agrre with mr qandeel who i respect him very mutch i think he knew better then us brother moslim who dont belive in arab nation they could not leading egypte they have no programe nothing just using islam

إشترك في قائمتنا البريدية