خيبة أي رواية هي خيبة في الشكل ولا أحبذ كثيرا أن يكون الروائي ناقدا أيضا
الروائي الجزائري ابراهيم سعدي:خيبة أي رواية هي خيبة في الشكل ولا أحبذ كثيرا أن يكون الروائي ناقدا أيضالا يتوقف الكاتب الجزائري إبراهيم سعدي عند تخوم البدايات، ولا عند الوجه الظاهر للسؤال. كل عناوينه هي إشارة لعلامات تأخذ حيزا أبعد من السطح الظاهري للأشياء. بهدوئه الدائم يزاول مهنته الأكاديمية في جامعة مدينة تيزي وزو، عاصمة القبائل. وفيها أيضا يواصل، بدأب، فتح هامش أوسع للكتابة والبوح. بعيدا عن فوضي الكثير من الكتاب وضجيجهم ها هو يعد القارئ برواية جديدة صمت الفراغ ، متوقعا في الوقت ذاته كل القراءات السيئة التي تعقب النشر.في معظم الروايات التي كتبتها كنت تأخذ من عشرية العنف في الجزائر خلفية تمرر عبرها أحداثا وأفكارا تؤمن بها… فتاوي زمن الموت ، بوح الرجل القادم من الظلام ، بحثا عن أمال الغبريني .. هل صفيّت حساباتك كاملة مع هذه الفترة، أم أنّ لك اشتغالا آخر من خلالها؟ أنا لم أكتب بقصد التأريخ روائيا لحقبة أو مرحلة. ولا أعتقد أن أعمالي التي تفضلت بالإشارة إليها تدور بدرجة مركزية حول العنف، وإن كنت أتفق معك أنّ هذه واحدة من القراءات الممكنة. ففي فتاوي زمن الموت لا يظهر العنف إلا في الفصلين الأخيرين. بينما تروي بقية الفصول حياة الناس في الحي وهو من الأحياء الشعبية في العاصمة. ولذلك رأي صديقي وزميلي القاص السعيد بوطاجين أن الحيّ هو الشخصية المحورية في فتاوي… أما في بوح الرجل القادم من الظلام فقد أوضح الأستاذ التوهامي، من تونس، في محاضرة حول هذه الرواية بأن موضوعها يدور حول مخطوط. وقد اطلع ناقد فرنسي علي نفس الرواية، فكتب بأنها تتناول الحاجة إلي الاعتراف والبوح بالحقيقة والإخفاق في ذلك في آن واحد. وقد أمكن هذا الناقد قراءة الرواية من بدايتها إلي نهايتها علي هذا الأساس. وهناك من قرأها كسيرة ذاتية مثل محمد ساري.. بينما رأي آخرون، مثل فضيلة الفاروق، بأنها تؤرخ لمرحلة من تاريخ الجزائر. أما بحثا عن أمال الغبريني فقد قصدت بالأساس كتابة قصة حب. وقصة الحب هذه هي التي تهيكل الرواية من الصفحة الأولي إلي الصفحة الأخيرة. وقد جرت كل أحداثها في الجنوب الذي لم تطله أحداث العنف كما تعرفين. ومع ذلك فإنّ بعض القراءات النقدية التي ظهرت في الصحف أدرجت هذه الرواية في خانة أدب العنف. علي كل، للقارئ حرية التعامل مع النص كما يشاء. قلت ذات لقاء إنك من أوائل من التفتوا نحو الكتابة الذاتية في الجزائر. أين يمكن أن تصنف كتابات من سبقوك؟ وهل يمضي الجيل الجديد في هذا المسار أم أن ما يكتبونه هو مجرد تنويعات علي إرث سابق؟ لا أتذكر أنني قلت ذلك، لأنه ليس من طبعي أن أعلق النياشين علي صدري. ولعلك تقصدين إشارتي ذات مرة إلي كوني أهتم برسم العوالم الداخلية للشخصيات في أعمالي، أي بالجانب النفسي فيها. فإذا كان هذا هو المقصود، فأنا بالفعل أهتم بهذا الجانب، لأنني أعتبر أن الجانب الدرامي يجري بالأساس في العالم الداخلي، غير المرئي، للإنسان. لذلك أركز كثيرا علي الشخصية في أعمالي الروائية. ويبدو لي، والله أعلم، أن الرواية الجزائرية عموما تميل أكثر إلي التصوير الخارجي. وهذا بالطبع ليس بالضرورة عيبا. وإنما لكل روائي هواجسه وهمومه وذوقه ووعيه الخاص بالحياة. وبما أنك تفضلت في سؤالك بالإشارة إلي الجيل الجديد، وهو مفهوم لا أري له شخصيا أهمية نقدية كبيرة، فأنا أعتقد أنه جيل سيتقاطع بقدر ما سيختلف عن جيل الكتاب الأكبر سنا، مثلما أنهم سيتقاطعون ويختلفون فيما بينهم. سيكون لكل واحد في نهاية المطاف من الاختلاف عن غيره نفس القدر من التشابه، لأننا نشترك فيما بيننا في الظروف المحيطة بنا بقدر ما نختلف عن بعضنا البعض بوصفنا أفرادا. يري كونديرا أن الرواية لا تولد إلا علي أنقاض من العالم الذاتي الحميم للروائي . إلي أي درجة يمكننا أن نعثر علي شخصية إبراهيم سعدي في نصوصه الروائية؟ أعتقد أن عالم الرواية هو عالم معقد جدا، تعقد الحياة نفسها. وكل محاولة تسعي الي حصر الرواية في كذا وكذا تبقي ناقصة ومؤقتة. وعندما يحاول الروائي تعريف الرواية فهو عادة لا يفعل أكثر من التعبير عنها كما يتصورها انطلاقا من ممارسته لفعل الكتابة الإبداعية. ولذلك لا أحبذ كثيرا أن يكون الروائي ناقدا أيضا. والواقع أن كل مجتمع يحول دون الكشف المطلق عن العالم الحميمي للأفراد، خصوصا عندما يكون هذا العالم ذا طابع مرفوض أخلاقيا أو دينيا. وعلي أية حال، يمكن أن نتساءل عن وجود حميمية خالصة، خالية من شوائب وتأثيرات الواقع الخارجي. مهما كانت خصوصية الفرد، فله دائما عدد غير محدود من النظائر في الواقع الخارجي المحيط به. ولذلك فإنّ الحميمية ظاهرة اجتماعية أيضا، تعبر بدورها عن واقع عام. مهما كانت الرواية مغرقة في الحميمية، سيكون هناك دائما قراء يجدون فيها تعبيرا عن معاناتهم الخاصة. وعلي كل، يبدو لي أنه لا توجد أصلا رواية خالية من البعد الذاتي. لا أظن أن الروائي يستطيع أن يتخلص من تأثير العامل الذاتي، لكن الحميمية عندي هي قضية الشكل بالدرجة الأولي. قضية خصوصية فنية قبل كل شيء. ولا ننسي أن النص أثناء إنجازه يملك استقلالية وديناميكية تفرض أحيانا علي الروائي مسارا لم يتوقعه، مسارا يبعده عن نواياه الأولي، ذاتية كانت أو غير ذاتية. وإبراهيم سعدي حاضر بدون شك في أعماله، لكن مع آخرين. الرواية في بعد من أبعادها وعي ذاتي وشخصي بالأنا وبالآخرين، وبالحياة والوجود ككل. هل يهمك الشكل، التقنية، وطرائق التعبير (تقنيات السرد، اللغة، المنظور السردي، المونولوج…) في الكتابة الروائية. أم أنك مسكون فقط بهاجس المواضيع المتطرق إليها؟ أنا أهتم بالشكل كثيرا، لاسيما بالجانب التقني منه. إن الشكل هو الذي يجعل من عمل ما أدبا أم شيئا آخر. وإن خيبة أي رواية هي خيبة في الشكل وليست أبدا خيبة في الموضوع. أنا لا أؤمن بأن هناك موضوعات صالحة روائيا وأخري غير صالحة، أو موضوعات كبيرة وأخري صغيرة، بل هناك شكل جيد وآخر لا. لو كنت مسكونا بهاجس الموضوع، فإن أمامي طرقا أخري لتناولها، و ربما بصورة أكثر نجاعة وفائدة من الكتابة الروائية ذاتها. إن الموضوع في الحقيقة هو الجانب الذي يشترك فيه الخطاب الروائي مع الخطابات الأخري، السياسية، الاجتماعية، الفلسفية. أما ما يميزه عنها فهو الشكل. وللأسف لا يركز النقد عندنا إلا علي الموضوع. فكل ما يقال، مثلا، عن الرواية التي ظهرت في العقد الأخير هي أنها رواية العنف، لكن لا شيء عما جاءت به علي صعيد الشكل، أي علي صعيد المستويات التي تفضلت بالإشارة إليها. وكل ما قيل تقريبا علي الصعيد النقدي بشأن رواية الحقبة الاشتراكية هو هيمنة الايدولوجيا فيها.إن الشكل هو الذي يضفي الطابع الجمالي النوعي علي الخطاب الروائي. و أكاد أقول إن الموضوع هو أداة الشكل في الرواية و الفن عموما. لكن لنتفق علي الأقل بأنه في الرواية تكون كيفية القول في نفس أهمية القول نفسه. ماذا يمكن أن نقرأ لك بعد بحثك عن أمال الغبريني؟ سيصدر لي عن دار الغرب ترجمة لرواية محمد ديب صيف إفريقي ورواية بعنوان صمت الفراغ . وبما أنك سألتني في بداية هذه المقابلة عن تصفية حساباتي مع المرحلة الحالية، فإني في الرواية القادمة، أصفي الحساب مع المرحلة التي سبقت هذه.إنها تدور حول معني التاريخ والتضحية والخيبة. لكن مرحبا بأي إساءة قراءة مقبلة لهذه الرواية. لدي أيضا مخطوط جاهز، سوف أعرضه للنشر. كما أنني شرعت منذ بضعة أشهر في كتابة رواية جديدة، أرجو أن أنتهي منها في غضون هذه السنة. التقته: نورالهدي غولي0