خنازير الاحتلال وعجوله!
رشاد أبوشاورخنازير الاحتلال وعجوله!وأنا أتأمّل ردّ فعل ملايين المسلمين في العالم علي صفاقة الصحيفة الدانمركيّة التي نشرت رسوماً ساخرة حاقدة عنصريّة تهين نبي الإسلام، والإسلام، والمسلمين، واكتظاظ شوارع عواصم الدول الإسلاميّة بالغاضبين المحتجين، ورفع أصواتهم بالهتافات التي طالت السياسة الأمريكيّة في فلسطين والعراق، تفاءلت بيقظة الجماهير، وعودتها بعد طول تغييب وغياب إلي الشوارع، بشعارات تحدد الأصدقاء والأعداء، بحيث لم ينجّر الناس إلي مسلم ومسيحي، وهذا طبيعي، فالسيّد المسيح نبي مقدّس عند المسلمين، وهو علي أرض فلسطين بشّر بأخوّة البشر أجمعين.في التظاهرات الصاخبة وقعت تجاوزات شوّهت المسيرات، وحادت عن الهدف، ولذلك ارتفعت أصوات رجال دين لهم قدرهم وحضورهم منبّهة علي أهميّة ممارسة أساليب حضارية في الاحتجاجات، داعية إلي حوار بين المؤمنين، وحّض الهيئات الدولية علي وضع قوانين صارمة تحرّم المساس بالمقدسات الدينيّة السماويّة، أو غير السماويّة.فجأة يتّم إشعال عود ثقاب، ويلقي به علي معتقدات سريعة الاشتعال، أعاد الاحتلال تأجيجها بلعبته الطائفيّة، وتدميره لمؤسسات الدولة العراقيّة، وتحويل وطن إلي حصص طائفيّة.تفجير قبّة مقام (الهادي) الإمام العاشر، والذي كأسلافه عاني من التضييق عليه، إلي أن مات في السجن عام 254 هجري، وقيل إنه مات مسموماً، ثمّ ليخلفه ابنه (موسي العسكري)، عمل مدبّر مقصود به الفتنة، والفتنة أشّد من القتل.مقام الإمام الهادي يحافظ عليه أهل (سامرّاء)، وهو قائم منذ مئات الأعوام، في المدينة العراقية التي بنيت باسم (سرّ من رأي)، وانقلبت حالها إلي أن صارت في زمن القحط والانحطاط (ساء من رأي)، والتي تجددت بهمّة العراقيين البناة، وعادت مدينة حيّةً، أنجبت أبطالاً، وشعراء، ومفكرين، وساسة، وقادة بارزين.لم يحدث أن نسفت المقامات، والمساجد، رغم التباينات، والاختلافات، بين المذاهب، والطوائف في العراق، ولقد باهت (سامراء) بمقاماتها ومساجدها السنيّة والشيعيّة، وصانتها.ردّة الفعل اللاعقلانية علي جريمة تدمير المقام، ومهاجمة المساجد واحتلال بعضها، وقتل مواطنين وأئمة، شكّل صدمة لكّل متابع لما يجري في العراق، عراق العشائر والقبائل المتداخلة، المتواشجة، عراق الحضارة، والقوانين، والبناء، والفنون!…المفجع أن (الدهماء) لم تتساءل عن المستفيد من الجريمة، ومن له مصلحة، وما الهدف، ولماذا الآن ؟هيئة علماء المسلمين تنبّهت لنار الفتنة فحذّرت، واتهمت الاحتلال وأدواته، ووقفت بالمرصاد للأصوات الطائفيّة، حّاضةً علي الوحدة الوطنية والتآخي.صوت السيّد حسن نصر الله ارتفع بعد ساعات في مهرجان حاشد، موجهاً أصابع الاتهام إلي (الاحتلال) الأمريكي عدو العراقيين جميعاً، والعرب، والمسلمين، وإلي (إسرائيل) وعملائها، فهم مستفيدون من إشعال نار الفتنة، وإشغال العراقيين، وتدمير بلدهم، ومّد النار الهوجاء إلي أقطار عربيّة وإسلاميّة…ثقافة الحقد، والكراهية، والتكفير، تنحرف بالعراقيين، تعمي بصيرتهم، تبطل قدرة عقولهم علي التمييز بين الصديق والعدو، بين الأخ والمحتل، بين المسحوق الفقير الفاقد لأدني الحقوق ومن يستغّل ويستثمر برعاية الاحتلال الأمريكي والتغلغل الصهيوني!الطائفي يتعيّش من المتاجرة بكّل ما يباعد بين أبناء الوطن والدين والمصلحة في العيش بعدل وكرامة.كيف اندفع مئات الألوف إلي شوارع المدن نادبين لاطمين دون التوقف للتساؤل؟!وكيف يسمح لنفسه شخص ما، أو عدّة أشخاص بتكفير أخوتهم في الدين، وإباحة دمائهم، وخدمة الاحتلال بتعميق شرخ الطائفيّة؟أيّاً من كان مقترف الجريمة ففعلته تصّب في خدمة الاحتلال الأمريكي، والتغلغّل (الإسرائيلي)، وتفسيخ الصفوف، وإلهاء ملايين المسلمين، في وطننا العربي، والعالم الإسلامي. الأعمال بالنيّات، والنوايا هنا لا لبس فيها : تفجير صراع طائفي سنّي شيعي، بحيث يحترق العراق تماماً، وتمتّد النار إلي الأقطار العربيّة المجاورة، ويغطّي دخانها علي مقاومة شعب فلسطين، وما يدبّر للبنان وسوريّة…أهذا هو الرّد علي التطاول علي نبينا العربي الكريم؟ هذا السؤال يأخذنا مباشرة إلي الفعلة وصنيعهم القبيح الشرير، فهدفهم عرقلة حركة الجماهير التي لجأت بعد طول غياب إلي سلاح المقاطعة للبضائع الدنمركية، متوّعدةً بالانتقال إلي مقاطعة البضائع الأمريكيّة، وهو ما أخاف برلسكوني المتعجرف وجعله يبادر للاعتذار عن صفاقة وزيره الذي ارتدي قميصاً عليه تلك الرسوم المسيئة…ما حدث في (سامراء) ضرب تحرّك الجماهير المسلمة في العالم، وغطّي علي الأصوات النزيهة لرجال دين مسيحيين يدعون للحوار، ومواجهة الثقافة العدميّة التي تروّج لكّل أنواع الشذوذ، وتحطيم الأسرة، وتماسك المجتمعات…عمليات التدمير، وجرائم القتل علي الانتماء الطائفي، ألحقت بنا كعرب ومسلمين خسائر فادحة، وأصابتنا في مقتل بسهم الطائفيّة المسموم…القتلة أيّاً كانوا فجعونا باغتيال الإعلاميّة العراقية أطوار بهجت، فبأي ذنب قتلت؟! شقيقتها الوحيدة، ناحت عليها بلوعة، اختنقت بأسئلتها التي لا من مجيب عليها…يا لصرخة الدم علي وجه أطوار وهي ممدّة في التابوت، يا لضياع الفرح بالزواج الموعود، لفجيعة العريس الذي حلم معها ببيت، وأولاد وبنات يعوّضونها عن يتمها، ويعوضونهما معاً عن أيّام الخوف الذي ابتلاهم به الاحتلال…من للفلسطيني الذي سمعت صوته من بغداد عبر الـ( BBC) مستغيثاً، محذّراً من اقتراف صبرا وشاتيلا جديدة !الفتنة الطائفيّة تفضح من يقفون وراءها، وفلسطين هي الضحيّة المباشرة دائماً…لا يذهب ظنّي إلي الأدوات الغشيمة، فالنتائج هي التي تفضح.في الهند، لجأ المستعمر الإنكليزي إلي سياسة تديم احتلاله، وتفتت وحدة المجتمع، فكان يرسل بعملائه ليذبحوا عجلاً ويلقون به في حارة من حارات الهندوس، ويلقي بجثّة خنزير في مسجد، فتندفع (الدهماء) الجاهلة بمصالحها، والمعطلة العقول، وتهاجم أحياء الآخرين، وهنا يأتي دور الإنكليز لضبط الأمن بين الطوائف، فيكونون الحكم (العادل) والمطلوب بقاؤه في الهند! التصريحات الأمريكية بالشروع في تخفيف القوّات في العراق، تبددت بعد تدمير المقام في سامرّاء، بحجّة أن الجيش العراقي عاجز عن بسط الأمن، وهكذا يكون الاحتلال ضرورة، بل ومهمّة إنسانيّة! وليس سرقة نفط، وتدمير بلد عربي خدمة لإسرائيل…أترون! نفس الأساليب، وإن بدّلوا الخنازير والعجول، فلكّل احتلال خنازيره وعجوله…دور الشرفاء، والمخلصين، وأصحاب الضمائر والعقول، أن ينبّهوا شعب العراق حتي لا يقاد إلي المسلخ كالعجول، بحيث لا يفوز سوي الاحتلال الأمريكي و.. خنازيره!0