خلاص سورية ما زال ممكنا

حجم الخط
0

خلاص سورية ما زال ممكنا

انس العبدةخلاص سورية ما زال ممكنامع تزايد الهزات السياسية الارتدادية التي بدأت تفعل ما تفعل في جدران وأسس النظام السوري التي تفتقد كل صمامات أمان مقاومة الزلازل، يحق للمواطن السوري الذي أصبح يعي تماما خطورة المأزق الذي يعيشه أن يشعر بالقلق البالغ لكونه في نهاية المطاف سيدفع الشطر الأكبر من الثمن إن لم يكن كله للتدافع المحموم لتلك القوي المتنوعة الساعية لحماية مكتسباتها المتضخّمة منذ أكثر من ثلاثة عقود علي حساب الوطن والمواطن. ولكي نفهم حقا وجهة نظر المواطن السوري لا بد من معرفة المراحل التي مر بها خلال العقود الأربعة الماضية التي شكلت معالم العقلية الجمعية لهذا الشعب الصابر: الماضي والحاضر والمستقبل.في المرحلة الماضية (منذ وصول البعث للسلطة) سلّم المواطن السوري زمام القيادة لنخبة ثورية وقومية غير منتخبة تحت شعارات تحرير الأرض السليبة واللحاق بركب الثورة الصناعية وتحرير الإنسان من إرث الماضي. لكن تلك النخبة فشلت فشلا ذريعاً في تحقيق أي من هذه الأهداف، وصاحب هذا الفشل إفلات غير معقول من كل مستلزمات الشفافية والمساءلة والمحاسبة، ساعدت بلا شك علي تعبئة وشحن المواطنين لدرجة الثورة المسلحة، ولذا لا بد من اعتبار الثورة علي النظام في السبعينات وبداية الثمانينات انعطافة طبيعية للفشل وغياب مبدأي المحاسبة والشفافية. لم تتمكن هذه الثورة من تحقيق أهدافها، لكنها غرست في تاريخ الشعب السوري جرحاً غائرا لم يندمل وأثراً نفسياً لم ينمح رغم مرور ربع قرن من الزمن. والغريب أن القيادة السورية آنذاك وبدلا من أن تنظر لتلك الثورة علي أنها مؤشر واضح علي ضرورة التغيير وتحسين الأداء العام وإفساح المجال أمام الإصلاح الحقيقي أو حتي النسبي، أمعنت في استبدادها. وبهذا دخل الشعب السوري نفقاً مظلماً من الاستبداد الأسطوري الذي كتب عنه ووصّفه بدقة أرسطو وسقراط علي أنه يولد خنوعا عند المحكومين يجعلهم يقبلون بواقعهم، ويولد عند الحكام نهما للاستمرار بما هم عليه وبذلك تموت مع الزمن الرغبة البشرية بالانعتاق.في المرحلة الحاضرة شهد المواطن عدة انعطافات خطيرة وهامة: شيوع الحرية والديمقراطية والاحتلال الأمريكي والانسحاب السوري من لبنان. شهد المواطن حاضرا انعطافة الحرية وانتشار الديموقراطيات وتأصيل حقوق الإنسان وسقوط الكتلة الشرقية وما صاحبها من ثورة في المعلومات أطلعت المواطن السوري علي ما يجري حوله، فأصبح يدرك مدي فشل نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وبدأ يتطلع ويُمنّي النفس بمستقبل واعد. كذلك شهد أيضا الاحتلال الأمريكي للعراق وما نتج عنه من انتشار أمريكي علي الحدود المتاخمة لسورية، فاستشعر بالخطر وأحس بالوجع الوجداني لرؤيته فشل شعارات القومية العربية التي ربّاه النظام عليها والتي عجزت عن حماية العراق من نفسه والغزاة. ففي العراق يحس المواطن بالألم ويتخوف علي بلاده من عدوي حريته، فيقع بين نارين. ثم جاء الانسحاب السوري من لبنان بعد حادثة اغتيال الحريري ورفاقه وما صاحبه من خسارة لبنان كرديف وحليف للنظام السوري، وخسارة المحيط العربي، ومواجهة المجتمع الدولي الذي شهد حالة فريدة من التنسيق والاتفاق بين أطرافه المتنافسة وخاصة فرنسا وامريكا ضد سورية. هذا الرصيد الهائل من الحوادث والمنعطفات أغني ذاكرة المواطن السوري وأبلغه مرحلة من النضج أملت عليه نوعا من الممانعة الطبيعية لكل ما جرب وتبين فشله في الماضي، فكان طبيعيا رفض المعارضة والشعب لخيار التغير بقوة السلاح أو الثورة المسلحة الداخلية. كما أكسبه هذا الرصيد حساسية مفرطة تجاه الطريق الثاني المتمثل بالتعامل مع الاحتلال الأجنبي ودعوته لغزو أرضه، خاصة وأن الجميع يعيشون شهوداً أحياء علي تاريخ سيكتب لأجيال قادمة عن احتلال قوة عظمي لأرض عربية، سماته الأساسية الاستقطاب الطائفي والحرب شبه الأهلية والتفكك المحتمل لوحدة التراب العراقي. إن تاريخ أربعة عقود مضت يضع المواطن العربي عامة والسوري خاصة أمام خيار شق طريق ثالث بعيداً عن العنف الداخلي والاحتلال الخارجي يقوم علي أساس أن نبادر بقلع شوكنا بأيدينا كما يقول المثل السوري المعروف. ولكن هل يا تري خيار الطريق الثالث المتمثل بالعمل والمبادرات الشعبية والعصيان المدني خيارأ واقعيا، خاصة مع الأنظمة الأمنية العربية التي تأسست علي منع تداول السلطة؟ ومن سيضمن عدم تجيير تلك المبادرات الشعبية لصالح استبداد متجدد بلباس خادع؟ وهل المجتمع السوري جاهز لمثل هذا الخيار؟لابد من الاعتراف بأن حالة الاستبداد التي عاشها المجتمع السوري في عقوده الأربعة الماضية أنتجت نوعاً من الاستسلام الروحي للحاكم وانعدام الثقة بين المحكومين وتبلد العقل لدي الطرفين إلي درجة اللامبالاة وعدم إدراك حجم الاستبداد مما أنتج رغبة بعدم الانعتاق من تلك السلسلة التي تربط الجميع، وأصبحت بالتالي مهمة الحاكم مقتصرة علي منع الآخرين من الوصول إلي السلطة، هنا يتجمد الحراك السياسي والاجتماعي بانتظار الانهيار. وتخشي قطاعات كبيرة من المجتمع السوري من حالة الفوضي المحتملة وما يمكن أن تؤدي إليه في ظل الاحتقان الاجتماعي المتزايد الذي يأخذ أشكالاً متعددة ومختلفة ولعل أخطرها: الاحتقان الطائفي نتيجة الممارسات الاستبدادية واللامسؤولة للنظام السوري. ورغم محاولات النخبة المثقفة داخل وخارج سورية التقليل من خطر الصدام الداخلي في حالة الفوضي التي يمكن أن تعقب انهياراً متوقعاً للنظام إلا أن الإشارات الملتقطة من داخل الشارع السوري تزيد من مسؤولية قادة المجتمع المدني في لعب دور في تحصين الشعب السوري من الوقوع في مصيدة الاقتتال الداخلي. قد يبدو خيار الطريق الثالث صعباً وإلي حد ما مثاليا بالنظر إلي الواقع السوري المعاصر، ولكنه الطريق الوحيد الذي سيضمن لجميع مكونات الشعب السوري الخروج من المأزق الحالي المتفاقم بأقل الخسائر الممكنة. كما أنه يتطلب درجة عالية من التضحية والوعي والإحساس بالمسؤولية. إنّ شق هذا الطريق يبدأ بالتحريض علي الانعتاق من حالة الاستبداد القائمة وبناء جسور الأمل والثقة لدي المواطنين والتأكيد علي أنّ مبدأي الحرية والعدالة هما ركنان أساسيان لأي تقدم وتنمية حقيقية. لقد أثبت التاريخ الانساني أن الشعوب قادرة علي إفراز قيادات تثق وتؤمن بها رغم سلطان الاستبداد لتسعي بها إلي الخلاص، ولعل النتائج التي توصل إليها معدو التقرير الوطني للتنمية البشرية في سورية للعام الفائت تؤكد علي هذا. إنّ بناء معارضة شعبية ذات برنامج واضح ومواقف سياسية وطنية مبدئية سيكون لها أثر كبير في تكريس إيمان المواطن بضرورة سلوك هذا الطريق الذي سيحمي سورية وأهلها من خطورة المرحلة الراهنة. ولذا لا بد من رفع سوية الوعي السياسي لدي المواطن السوري من خلال التواصل الإعلامي والشعبي لتأكيد مبدأ التعددية والانفتاح السياسي ومقاطعة طبقات السياسيين والمثقفين التي تروج للاستبداد الداخلي أو لمشروع الاحتلال الخارجي. إن المحاربة علي جبهتين في آن معا تبدو مهمة أشبه بالمستحيلة إذا ابتعد عنها العنصر الشعبي. وإذا كنّا علي قناعة كاملة بأنّ الأنظمة طارئة والشعوب دائمة، فمن يا تُري يشك في هذا الرهان؟9

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية