حول معرض الفوتوغرافيين الشباب بمعهد العالم العربي في باريس: الصورة ليست فقط مجرد ألبوم عائلة!

حجم الخط
0

حول معرض الفوتوغرافيين الشباب بمعهد العالم العربي في باريس: الصورة ليست فقط مجرد ألبوم عائلة!

حول معرض الفوتوغرافيين الشباب بمعهد العالم العربي في باريس: الصورة ليست فقط مجرد ألبوم عائلة! باريس ـ القدس العربي ـ من عبد الله كرمون: في باريس، ثمة دائما معارض كثيرة واشتداد تام لعنصر الفن عبر الفصول. غير أنه في بداية كانون الثاني (يناير) من هذا العام نفسه، يحدث انتهاك خاص لفضاء العين، وأصل في صباح شبه داكن إلي معرض لشباب من أقطار مختلفة داخل مبني العالم العربي بباريس. ثمة مناطق اختلال في مجال استلال آلة فوتوغرافية، إذ لربما لا بد من أذي أو لوثة ما كي نصل إلي رغبات عارمة لنقل أو منح أو سداد لطخات للعالم. فالصورة هي رغبتنا، بعد حبنا أو كرهنا أو جهلنا، في التقاط حادث فيزيائي أو تأثري، ونكون بذلك علي وفاق تام بأحاسيس فنية عالية عن رؤي جمالية أو فلسفية وسياسية معينة.نلتقط صورة وفق مفاهيمنا عن الفن والجمال، بغض النظر عن هيغل، ونرغب في استكمال إحساس بجمال أو بغرابة ما، ونشهد ثمة آنذاك بأنه لا بد من مقاسمة عليا مع آخرين بشأن ما قد تقدمه النسخة الورقية لأحاسيس فجة عن ميكانيزم فيزيولوجي وفكري لحظة رصد الطلقة وإبراز تعال تام عن شأن الطبيعة الميتة التي نسهم في كبحها داخل لون أو سواد.لست أدري ماذا خطر في أذهان كل فناني المعرض، كل علي حدة، لحظات ولاداتهم الفنية، وإن كانت الصور تفشي، في الواقع، كثيرا عن أسرار ولادتها وتعلن علانيتها، أكثر من كل اعتراف أو كل إدلاء بشهادة، وذلك بمداها ودقة فنيتها وبعض كميات أحاسيس وتقنيات من أخذوها في اللحظة التي أخذت فيها.نحس فجأة أن في المعرض أروقة محددة، وليست لربما مجزأة لدواعي فنية، ما عدا صور الألوان وصور الأبيض والأسود، أو تأريخية ما إلي فرق خمس. وقد استشف، خلاف ذلك، أن ذلك عائد إلي أمر إجرائي أو اعتباطي، إذ يختلف كل أولئك الفنانين، واحدا عن الآخر، علي العموم، وإن كانوا يلتقون في الوقت نفسه في أمور مشابهة.كانت الصورة في البدء تأسيسا لتاريخ ما أو لذاكرة، إن لم تكن فقط نوعا من استئناس جذاب بخصوص أمور أكثر استعصاء علي المضغ في الكتب أو الصحافة أو لدي القضاء. لذلك كان التأصيل الجينيالوجي بعد الصورة، أكثر استدعاء لها كي تتأكد أكثر أمور الشجرة السامقة والسابحة جهة شرفاء أو أنبياء.بهذا المعني كانت الصورة في بعدها الحميمي الأليف تسجيلا عاديا لأحداث أو طقوس عبور ما، مثل الولادة، الزفاف، السفر أو أعياد الحياة والموت. ثم تدخل الصورة بذلك إلي ألبوم العائلة دون ضجيج يذكر سوي استعادة نوستالجيا تلك الأزمنة فيما بعد. غير أني أعتقد أن الصورة كفنّ ليست مجرد شحن هلامي لأبعاد ووجوه داخل جيوب ألبوم العائلة ! ما لم ينتبه له للأسف أغلب فناني المعرض، ربما لأنهم قد سعوا فقط إلي توفيق مقارب في أخذ الصورة في إطار هندسي يحيل لتركيز ثقالة الإطار والوجوه. ولقد خيل لي أمام بعض الصور أنها قد خرجت للتو من ألبوم العائلة لتصل هكذا، دون أن نفهم، لأية اعتبارات، إلي معارض تحمل اسم الفن الفوتوغرافي وأشير تحديدا إلي صور جلال القسطلي من تونس.ثمة سمة بارزة في صور المعرض لا نكاد نستثني منها سوي صور رندا شعث من فلسطين/مصر وصور ريم الفيصل من السعودية، وهي أن الصور لم تخطف جراء حس فني أو فلسفي مباغت يصل إلي القلب فجأة في منازعة شعرية عليا بين حدة الإحساس بالجمال والرغبة القارصة والمضنية في الإمساك بأثلام مروره الخفيف علي الأرض ومقاسمته أو إفشاء رغبتنا الدائمة في سيادته. الصور المستثناة، كانت صور أماكن، لذلك لم يكن الأمر لربما في حقيقته عائدا سوي إلي كون المكان مهيأ في أبديته إلي مباغة وسطو. غير أن رندا شعث، علي ما يبدو من صورها، تملك رؤية ذات قيمة للفن الفوتوغرافي وذلك علي مستويات الثيمة وليس فقط علي مستوي زوايا التقاطها لسكينة أو صخب المكان. إن صورها عن القاهرة، مأخوذة دائما من العلو ومن مسافة خاصة تتراوح بين اقتراب مثل صورة المرأة التي تقرأ جرائد الصباح أمام بيتها وبين البعد الذي تبدو فيه أحياء المدينة تهوّم في شفيف من الحلكة الكاتمة لكل بوح أو عري أو فضيحة، ما يجعلها تقترب مما نشهد لدي كبار فوتوغرافيي المدن الغربية مثل باريس مثلا، وتمنح للمشاهد بذلك فسحة تخيل وحلم ولربما سلسلة استيهامات خاصة عن حميمية العمران وسوسيولوجية المسكن وارتباطه بأبعاد سياسية وفكرية عن تنظيم حياة الإنسان في المدينة ونوعية اقتسام شَغل حيزها بما يعني انشطارها إلي الحي الراقي والهوامش، ما لا يخفي الوجه الآخر للانشطار الاجتماعي.أما صور الحج لدي ريم الفيصل فهي توحي بطقس عقائدي من الدرجة الثانية بخصوص أركان الإسلام بسبب عدم إلزاميته لاستيفاء تطبيق فروض التدين. مع شيوع هذا الطقس، وتكراره كل سنة في التقويم نفسه والمكان عينه فإنه لم تعد له غرابة وفرادة طقوس الهنود الحمر ولا الأستراليين أو غيرها، غير أن تلك الصور قد توحي بنوع من أنثروبولوجيا الطقوس الدينية ويمكن أن تمنح بعض تفاصيل بخصوص الطواف أو الازدحام السنوي العارم علي باب الله (هو عنوان إحدي قصائد بدر شاكر السياب).صور المغربي هشام بنوهود سريالية بامتياز ! فذلك الترميز المتأتي من تمثيل حاد ببورتريه قد يكون ذاتيا، ومحاولة هشام أن يقدم لنا ليس فقط بعض تفاصيل بالأبيض والأسود ولكن أكثر من ذلك انشغالا فكريا، ودحوا خاصا لرقاقة الوجه والرأس الإنسانيين، كأنه يقول إن الإنسان هو رأس الحربة وعين خيرها و شرها ، منه تأتي الوحشية وقد ترشح منه الإنسانية ما أعطي لها من خلاله اسما. إن قلت سريالية فليس في استعمال قدحي ولكن أولا: لأن التقنيات التي استعمل فيها قد سبق أن تداولها السرياليون وظهرت حتي في أفلامهم وما أكثرها في ربرتوارهم الشعري. ثانيا : لأن السريالية كانت رؤية فكرية وفنية إلي العالم وثورة كبري علي كثير من القيود الأخلاقية والدينية والسياسية. لذلك كانت صور هشام بنوهود، بتركيبها له في استناد لآلية التقدم الرقمي محاولته لأن يعبر عن ألم العصر وسقوط قدسية العنصر الحي تحت تعمد أقدام عابرين!صحيح أن أغلب الفوتوغرافيين استعملوا الأبيض والأسود في صورهم، ما يعطي للصورة رونقها الحق، غير أن ثمة من استعملوا الألوان، بمن فيهم ذوو الألبومات العائلية، وإن كان اللون ليس ما يفسد الصورة، إن هي لم تكن ذات فساد في أصلها، والفساد في الرؤية لا يعني رؤية الفساد في العالم.ثمة تعبيرية في صور كريمة الشوهلي من الإمارات في silent words ولدي أنس الشيخ من البحرين في ذاكرة الذكريات، كما أن بيت لحم، في صور الجزائرية فريدة حماك، كمكان خاص في الحرج التاريخي والديني قد بدا تسلطا لعين قلقة ولسواد راهبات عاجزات لا يحملن سوي أشلاء صلوات أمام جدار ليس خلفه باب الله ولكن أشياء أكثر قسوة من خوف الإنسان الذي خلق آلهته!ولأنني مررت سريعا بالمعرض ولم أسجل ارتساماتي في آنيتها، فلن أتوقف عند كل صورة أو فنان، بيد أني لن أفوت أن أركز علي الصور التي كانت صورا حقيقية لهواجس فنية وليس لسلالة عائلية تستحق ألبوما جلديا مذهبا! صورتان من الحجم الكبير في المعرض، الأولي ملونة وتنطلي علي كل جدار لا بأس بأبعاده الثلاثة، وهي للبنانية لارا بلدي. اللوحة، لأنها تعطي ذلك الانطباع في البدء، مشكلة من عدة صور متداخلة ومتراكبة عرضيا وصانعة لعالم كامل تضع لها عناوين مثل: الجنة والعطور إلخ. في الصورة ما لا يشبه البراءة وفيها ما قد يذكر بما يسمي في الفن الغربي les fresques.غير أن الصورة الثانية من حجم أقل من الأولي، غير أنها أكثر اهتماما عندي من خلال اختصارها لنا جمال سوادها في إطار شديد الكثافة، هذه الصورة شاركت بها الفوتوغرافية جنان العاني العراق/إيرلندا، صورة واحدة وحيدة، غير أنها من نسختين تشغلان ممرا ضيقا في الرواق وتتقابلان، وتجعلان المشاهد يحار في أول الأمر وهو يرغب في أن يتأكد هل هي نفس الصورة أو أنهما مختلفتان، فيسقط في محاولة لفك متاهة فخ رَسمي الأخطاء العشرة، يلفه جمال اللوحة لأنها تشبه اللوحة أيضا ما يعني جماليتها، ويظل المشاهد يبحث عن الميزات المفارقة فلا يجدها وإن كانت ميزاتها ليست بينها وبين توأم نفسها ولكن بينها وبين صور الألبوم، فينسي الرائي لربما أن الفكرة تثير انعكاسا في المرآة وإن كانت ليست ثمة مرآة بل ما يفوق فعل المرآة ما دامت المرآة لا تؤسس إلا لخديعة، غير أن عرض صورة جنان العاني أتاح لها أن تخلق الشيء نفسه ويري المرء نفسه بنفسه أي عينه بعينه، وليس فقط كما تم لما بال الشيطان في الجنة أمام حواء وأمرها أن تنظر في البول ورأت صورتها منعكسة في المرآة ثمة وشوش لها بأن لآدم عشيقة أخري وهوي بهما في مزالق علاقة الرجل بالمرأة. ليس ثمة سوي تفسير أسطوري لأصل وجود المرآة وبأنها من متاع/بول إبليس. وإن كانت فكرة الصورة أكثر اهتماما، لدي جنان وقد صورت ترائيا للذات في انعكاسات وحالات نفسية واتكاءات خاصة ونزوع نحو ملبس أو آخر حسب حالات الذات واستدعاء الضرورات النفسية أو الموضوعية لنوع من السلوك أو لآخر. الصورة يلزمها تأمل آخر وربما لم يكن توزع جنان بين العراق وإيرلندا دون دخل كبير في أمرها ما تريد أن تصرخ به في وجه المشاهد وما جعل منها صورة جميلة وبلا عنوان!أما المغربيتان ياسمينة بوزيان وسعاد كنون، فإن الأولي قد قدمت بدورها بعض بورتريات جميلة وسعت الثانية التي تعتبر من جيل سابق إذ كانت من مواليد أواسط الخمسينيات، علي خلاف كل الفوتوغرافيين الآخرين الذين تتراوح تواريخ ميلادهم بين أواخر الستينيات وبداية السبعينيات. سعاد كنون هذه جاءت إلي الصورة بعد دراستها للهندسة، وقد قدمت بعض صور مدينة الدار البيضاء الأخطبوطية، التي وصفها أحد البدو من الجنوب في أواخر العشرينيات لدي سفرته الأولي، لما سئل كيف وجدت الغرب ؟ قال: بنيان عال وعجيزات لدنة وعدمتَ من يسقيك شربة ماء . (مصدر شفاهي). صورها إذن توثق لمرحلة من تطور المدينة وليست فيها ثمة صورة تسرقها ضدا علي انتباه الآخر.في المعرض أيضا فيديو الصورة وخاصة لدي برنو بوجلال، ثمة مشاهد تتعاقب بالأبيض والأسود لعودة خاصة إلي الجزائر تؤرخ وتؤطر بمصاحبتها بأغان شعبية دالة لحميمية مّا، ما بين 1993 و2003.لن نغفل داليا خميسي فلسطين/لبنان، في التقاطها من وقع النسيان والغفلة والسكوت لنوع من لطخات العار في مخيمات الرويشيد في الحدود مع العراق وصورة ذلك اللاجئ الذي دخل في إضراب عن الطعام بعد أن قام بخياطة شفتيه بخيط أبيض غير رفيع. أمام الصورة تثار أحاسيس كثيرة مثل الألم والجوع والقهر، قد يشبه وقعها ما تخلفه مشاهدة لقطة قطع بؤبؤ العين بموسي حلاقة في فيلم كلب أندلسي ، غير أن تلك سينمائية وهذه واقعية، الأخري دعوة إلي القسوة والعنف والقتل وإن في بعده الفلسفي وهذه دعوة إلي وقف البشاعة وإقرار كرامة وعدالة ما للإنسان، وإن كانت القسوة في كلتا الصورتين، بدرجات دمويتها المتفاوتة، دعوة غير قابلة لتأجيل إلي الحرية كل الحرية! ليس لتسلسل حديثي عن فناني المعرض أية علاقة بمستوي صورهم وتوفيقها في الاقتراب من الفن والابتعاد عن الألبوم وإن كان الألبوم نفسه يتضمن أحيــانا أجمل الصور المعبرة. لذلك سوف أثير تجربة المصري يوسف نبيل الذي استطاع أن يقدم لنا من خلال الصور المعروضة فكرة عن فكرته عن الصورة وعن نقلها لأفكارنا مثل غيرها من الفنون. في صوره عن البورتريه الذاتي ذهب يوسف نبيل إلي سبر مناطق ملعونة في اليومي وانتهك قدسية الجسد وأبان بعض عريه القليل ولم يستر المستور وانكتب البورتريه في صوره مثل شذرات من رواية لم يمسك بعد بكل عناصرها الحياتية فيحياها ثم يكتبها بعد ذلك، إذ ظل يأخذ مقاساتها الفلسفية كي يستمر في البحث عنها ثمة حيث توجد إذ لم يخطئ الطريق إليها بل سلك كل قنوات التعبير كي يخلخل شيئا ساكنا في قرارة اللحم والدم. يوسف نبيل يحتاج دائما بعض ماء في الليل، صورته التي عنونها بالإنكليزية واستيقاظه كي يشرب في الليل ليست فقط صورة بل استدعاء فلسفيا كي نفكر جميعا بكل ما نحتاج إليه في الليل أو في كسوف وخسوف الشمس والقمر ! ماذا سوف يحدث ونبحث جميعا عندما نفيق عن كل ما حرمنا منه قسرا، ونمضي في الرفض. ألن ننتصر؟! أجمل الصور أيضا كانت صورة الجزائري برينوا حاجي، سماء فضفاضة وسديم داكن حينا وفاتح آونة أخري، ثمة ربما أفق بحري مفتوح علي احتمالات لا نراها لأنه مقطوع في خط أفقي، نري علي يمين الصورة شابين واقفين وقد وليا لنا ظهريهما وعلي يسار الصورة نري عكس ذلك فتاتين في نفس الوضعية مثل الشابين. جهة الشابين نري بعض درجات قد تكون تلك التي تصل الرصيف بالكورنيش في المدن الإفريقية المتوسطية. ما يجعل الصورة أجمل أكثر هو عنوانها، إذ تستل في حنق، المرارة التي لا بد من احتسائها، حقيقة فلسفية أولي، قد سبق أن عبر عنها ذات مرة مولود معمري وأستحضره في ذاكرتي بعد ترجمته فوريا لما قال بأن الرجل والمرأة هما مثل الشمس والقمر يري أحدهما الآخر كل يوم ولا يلتقيان أبدا. ذلك أيضا القدر الذي تقدمه لنا الصورة وكأنها تكرم ذلك الرجل وهي تحمل العنوان التالي : لقاء غير محتمل !0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية