حول تحول فتح الي معارضة
محمد مشارقةحول تحول فتح الي معارضة هزمت حركة فتح، ام لا، ذلك هو سؤال الاسئلة بعد الاعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية، ولعل المبالغة في ردة الفعل العاطفية علي هذا الزلزال الفلسطيني، تحمل في طياتها شعورا بالخسارة لالاف الشبان والشابات الذين انخرطوا بكل صدق وعزيمة في الحملة الانتخابية لحركة الشهداء والاسري والوطنية الحقة، ردة الفعل هذه يمكن تفهمها، وتفهم اصرارها علي المحاسبة والمراجعة كي تعود فتح الي قيمها الوطنية والتصاقها بالناس وهمومهم، لكن الامر المستغرب هو ان الاكثر شراسة في الدعوة الي انعزال فتح والابتعاد بها عن المشاركة في الحكومة المقبلة، هم ذات الاشخاص وذات النهج الذي أوصل فتح الي هذه النتيجة المزرية انتحابيا، هم ثلة من المنتفعين والفاسدين الذين تكالبوا علي السلطة ومغانمها دونما حساب للمستقبل.ولهذا يري كل حريص ان بناء موقف تنظيمي موحد من تداعيات خسارة فتح في الانتخابات التشريعية، يبدأ بتشخيص الوضع بدقة متناهية، قوام هذه المراجعة ينطلق من أن الحركة لم تهزم، وتيار الاغلبية المناضلة التي تحملت وزر قلة من المفسدين في السلطة، لا زال حيا مرابطا مستعدا للتضحية كما كان دائما وطيلة العقود الاربعة الماضية. لقد انتصر الشعب الفلسطيني وانتصرت فتح حركة المناضلين والشرفاء، انتصرت بانتصار حماس، الشق الاخر من الحركة الوطنية الفلسطينية، هذا الشق الذي قاسم فتح ضريبة الشهادة والاعتقال والكفاح، ومنحه الشعب العظيم ثقته ليعيد توجيه البوصلة نحو بدهيات الصراع التي جري تمييعها بصورة كارثية، فقدنا معها روحنا الكفاحية، روح المقاومة والتواضع والزهد بالمناصب والمغانم، وسلمنا بقدر فرضه ارييل شارون علي العالم وعلي عقولنا، عنوانه الابرز، ان لا مهمة ولا خيار سوي ان نكون كلب حراسة ، هكذا دون ثمن، ليس هذا وحسب بل واجبر العالم علي قبول معادلة قوامها ان التقدم التدريجي في عملية السلام مرهون بمقياس واحد هو قدرتنا علي القيام بهذا الدور الامني، الامر الذي اوصل عملية السلام واطارها الهش والمتحرك خارطة الطريق الي حائط مسدود، ولم يبق لنا اليوم من هذه العملية الكاذبة ما يمكن الاسف عليه والتمسك به.لم يكن باستطاعة فتح بحكم التزاماتها الدولية قلب الطاولة في وجه التجاهل الدولي والامريكي علي وجه الخصوص لجوهر المشكلة وهو الاحتلال الاسرائيلي، بالنسبة للمواطن الفلسطيني العادي لم يبق من عملية السلام سوي تسليم العالم مقاليد التسوية لتقديرات شارون ورؤاه الخاصة لمستقبل الاحتلال، والنتيجة ماثلة للعيان، بالجدار والمعازل العنصرية والنهب المستمر للارض. لقد كان علي فتح ان تقلب الطاولة في اللحظة التي وافقت فيها واشنطن علي حصار رمز الوطنية الفلسطينية المنتخب ياسر عرفات، واذنت بعد ذلك بقتله، كان عليها أن توقف مهزلة عملية السلام منذ ان دمرها شارون باربعة عشر شرطا، وبات معها رئيس براغماتي من نوع محمود عباس غير ذي صلة . توحدت إثرها الاحزاب الاسرائيلية الرئيسية خلف شعار لا يوجد شريك والاندفاع خلف ما بات يعرف باجراءات من جانب واحد. فتح لم تتمكن من الاستدارة في الوقت المناسب لاسباب كثيرة اهمها ايضا الخراب الذي لحق بجزء كبير من نخبتها السياسية وتناحرها علي بقايا فتات مغانم السلطة، في هذه اللحظة التاريخية انتقم الشعب وبصورة ديمقراطية من حالة الترهل والتردد. من هنا تكون البداية، واذا كانت الاستدارة والمراجعة السياسية لاطار عملية السلام ضرورة موضوعية ومهمة وطنية تلمسها الشعب بحسه السياسي العالي قبل قيادته، هل ندير الظهر لهذا الشعب ولقراره الواعي رغم كل الارهاب الذي مورس من اوروبا واسرائيل والولايات المتحدة، لقد اختار الشعب طريقا شاقا برفض المراوحة في المكان، انتظارا للخسائر الكبيرة تحت عناوين السلام الكاذب، وفي ظني ان هذا الموقف لا يتعارض مع روح وجوهر الموقف الفتحاوي الاصيل. في ضوء ذلك هل نستمر في دورة اعادة انتاج الخراب بالتفسيرات القاصرة التي لا تري في الخسارة الانتخابية سوي مفردة واحدة تتصل بالانضباط التنظيمي واداء اللجنة المركزية او ادارة الحملة الانتخابية والاعلامية، المسالة اعمق من هذه الترهات اللفظية التي تعفي من المراجعة الجدية والمكلفة. ان اصرار تيار بعينه داخل فتح علي البقاء في المعارضة، البناءة او الايجابية كما يحلو للبعض تزيينه، لا تفسير له مهما اتخذ من لبوس اعادة البناء ونفض الغبار سوي اشاعة الاوهام، باننا عائدون للسلطة بعد ان تعجز حماس عن الصمود امام الضغوطات الاسرائيلية والغربية ، وكأن التاريخ سينتظر تلك العودة الظافرة، او ان السلطة ضلت طريقها وستعود الي بيت الطاعة الفتحاوي عاجلا ام اجلا، من يدافع عن فكرة ترك شقنا الاخر في الحركة الوطنية حتي يسقط في الشارع، يوجه الامور دون ان يدري نحو تحويل حركة فتح الي منظمة غير حكومية، بعد ان تخلع عنها كل علامات حركة التحرر الوطني، وتتجند في طابور الليبراليين الجدد، حتي ينظر في توجيه التمويل والدعم لها، من اجل مواجهة التشدد الاصولي، حسب لغة اصحاب الموجة الليبرالية الجديدة، دعم لا هدف له سوي تحويل النخب الفتحاوية الي مجموعة من المدراء الذين يخضعون للتدريب والتاهيل المستمر استعدادا لليوم المنشود، سقوط حركة حماس.ان اعادة المراجعة وبناء الحركة كما هو مطروح اليوم عبر التمترس في المعارضة، من شانه ادخال فتح في دوامة الصراعات الفارغة والانشقاقات التي تنهيها بالضربة القاضية، وهو هدف منشود لورشة الشياطين في واشنطن وتل ابيب.ان تجربة الحياة والتاريخ تشير الي ان اعادة المراجعة والبناء يمكن ان تتم في الميدان وليس في الغرف المغلقة وذلك باستمرار حالة الاشتباك مع الواقع وبمسؤولية وطنية عالية، لان فتح هي ام الولد ، والمرشد والبوصلة في عملية البناء هو ما يفرزه الواقع من اسئلة ومتطلبات فكرية وسياسية وتنظيمية، والمشاركة في السلطة التنفيذية والاستمرار في الانغراس في الواقع، هو نقيض السلوك الذي مارسته بعض الاطر المتنفذة في فتح والسلطة التي انفصلت عن المجتمع الحقيقي منذ زمن بعيد، في السلوك اليومي والمعيشي الباذخ والمستفز لجمهور مفقر ومدمر ومنكوب.ثم علي ماذا نختلف مع حركة حماس، هل نختلف علي اجتهادات احمد بن حنبل او ابو حنيفة علي مبطلات الوضوء، او علي اقتصاد السوق الحر حيث لا سوق اصلا، نحن نختلف مع حماس او نتفق معها علي اجندات وطنية وعلي اولويات اشكال النضال، وعندما نختلف سنلوذ بالناس مجددا، ولن يفيد فتح الجلوس علي الجدار والدعاء لحماس بالفشل، لان ذلك طريق الانعزال الذي لا يغتفر، خاصة وان حماس ليست نبتا شيطانيا وهي ليست كائنا فضائيا.المشاركة في الحكومة المقبلة، لا تعني وقف المراجعة واعادة بناء الحركة علي اسس جديدة ولا بوقف المحاسبة التنظيمية الصارمة لكل من ساهم في اضعافها، ولا باعادة تنصيب الفاشلين وعديمي الكفاءة في المناصب الحكومية، لا يعني وقف اعادة الحياة للمنظمات الشعبية واطر المجتمع المدني، كما لا يعني ايضا وقف استعادة الروح لتنظيمات حركة فتح في المنافي والشتات بعد ان اصابها الشلل والموت.تلك عملية متداخلة ومترابطة وطويلة النفس، وعلي نجاحها يعتمد مستقبل حركة فتح وموقعها في قيادة المشروع الوطني، ودورها في الحفاظ علي المنجزات التي تحققت، من اجل الوصول الي الاستقلال الناجز بالدولة وعاصمتها القدس، ليس بمفردها بل مع شقها الاخر قي الحركة الاسلامية.ہ كاتب من فلسطين8