حماس وضغوط أوروبا وأمريكا والدولة الصهيونية ومبارك: التنازلات المجانية أفسدت السلطة ولم تحم أبو عمار من الموت!
محمد عبدالحكم ديابحماس وضغوط أوروبا وأمريكا والدولة الصهيونية ومبارك: التنازلات المجانية أفسدت السلطة ولم تحم أبو عمار من الموت!قامت القيامة السياسية لمواجهة الارهابيين ، القادمين الي مقاعد السلطة الفلسطينية، خوفا من قلب معادلة القوة المستقرة علي أرض الواقع العربي المتردي. أما قاتل الأسري المصريين والوالغ في الدم الفلسطيني، وباني المستوطنات، ومقيم جدار الفصل العنصري (الأبارتايد)، يبدو ابنا شرعيا للديمقراطية، واذا ما جاءت حماس بنفس الطريقة فهذا هو الخطر والشر الذي لا يبقي ولا يذر.. يوصف كيان استيطاني عنصري بأنه ديموقراطي، وتنعت حماس التي جاءت عبر انتخابات نظيفة ونزيهة ومتحضرة بأنها مارق يستوجب العقاب.بني المصدومون، من نجاح حماس، حساباتهم علي تقارير رأي عام أشارت الي أنها لن تحصل علي أغلبية مقاعد المجلس التشريعي. ونسي هؤلاء أن هذه الاستطلاعات من صنع هيئات ومؤسسات ومنظمات ممولة من الاتحاد الأوروبي، ومن مؤسسات أمريكية، أغلب أصحابها والمسؤولين عنها يعملون بمنطق المستشرقين.. يسلمون بتصورات المؤسسات الغربية العنصرية، ونظرتها الي الشعوب غير البيضاء، الأقل مرتبة ، يستكثرون عليها ممارسة الديمقراطية، لأنهم يرونها تتحرك بعقلية القطيع وتساس بالعصا، ولن يكون الفلسطينيون استثناء. وأقل قدرة علي ممارسة ما مارسته السلطة المصرية من بلطجة وغش وتدليس وتزوير وشراء أصوات، وأن يخيب الفلسطينيون ظن الغرب والصهاينة، ويمارسوا الديمقراطية علي أحسن ما تكون الممارسة، وهذ شيء لا يجب أن يمر دون عقاب.لقد استقر في وجدان الغرب والدولة الصهيونية، ومن يدورون في فلكهم، في الوطن العربي والعالم الاسلامي، أن حماس محكوم عليها أن تبقي كيانا محظورا ملاحقا ومحاصرا، ومضيقا عليه، عربيا ودوليا، جفت أمامها منابع العون والتمويل التي كانت تحصل عليها في السابق.. وقال لنا الاعلام الغربي ومعه الاعلام العربي المصهين، أن المجتمع الدولي يقف علي قلب رجل واحد ضد حماس، اما أن تغير نفسها وجلدها فورا، والا انقطع عنها المدد والعون، وكان ذلك اعلانا صريحا وفاضحا بأن المعونات ليست بريئة، ولم تكن بريئة يوما، هدفها تكبيل الشعوب واضعافها، ويصبح من الضروري معاقبة الفلسطينيين الذين قبضوها جد ، علي حد قول الأشقاء اللبنانيين. لم تجبر حماس أحدا علي انتخابها، ولم تحصل علي الأغلبية عبر انقلاب، ولم تفرض نفسها بالترويع أو البلطجة أو شراء الأصوات، وهي وان لم تجد التزكية من غالبية النظم العربية، وكل الحكومات الغربية، يكفيها أن شعبها منحها ثقته لأنها، كانت الأنظف والأكثر تضحية وتمسكا بخيار المقاومة.نأت حماس بنفسها عن تسويات قامت علي التفريط والتنازلات المجانية التي قدمتها السلطة وشخوصها، ولهذا لاتدين بالفضل الا لشعبها، وما يعنينا في هذا المقام هو تناول ثلاث نقاط، تشغل بال قطاعات عريضة من الرأي العام العربي. هذه النقاط هي: 1ـ امكانية قبول حماس الاعتراف بالدولة الصهيونية وتسليم السلاح.. أي التنازل عن خيار المقاومة. 2ـ خيار الدولتين من جانب حكومة تشكلها حماس، أو ائتلاف منها ومن فتح، ومدي قدرة هذا الخيار علي الصمود. 3 ـ الموقف الرسمي المصري، بمعني أصح موقف حسني مبارك من هذا النجاح.لنبدأ بالنقطة الأولي.. علينا هنا أن نرصد الواقع السياسي الذي أحاط صعود حماس، وسوف نجد فيه أن المشروع الفلسطيني المقابل للمشروع الصهيوني، في مرحلته الشارونية، غائب تماما، بفعل التغير المستمر في السياسات الفلسطينية، وبفعل ضغوط الحكومات العربية والغربية، فانتهت مسخا، مشوه الوجه، سقيم البنيان، وهنا علينا أن نعود الي الوراء قليلا. الي مشروع اليمين الفلسطيني، في ستينات القرن الماضي، وعبرت عنه فتح عن جدارة، وتبنته بعض عناصر اليسار، وقام علي مباركة الاخوان المسلمين، ودعم المال الكويتي تحديدا، وملخص هذا المشروع هو اقامة دولة ديمقراطية يعيش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود، وكان قد سبقه مشروعان آخران.. واحد تبناه اليسار الفلسطيني، وأداته حرب التحرير الشعبية لاستعادة فلسطين، ومشروع قومي، يقوم علي حشد وتجنيد كامل طاقات وامكانيات الأمة العربية لتحرير فلسطين، واستمرت هذه المشروعات متنافسة متصارعة متصادمة، مع بعضها البعض، حتي توارت جميعا.ضاع مشروع الدولة الديمقراطية . بتأثير المعسكر العربي المحافظ. وضعف المشروع القومي بفعل هزيمة 1967، وتوظيفها لاقصاء هذا المشروع نهائيا، وساعد في ذلك ظروف كانت تمر بها مصر جعلت عبد الناصر يؤيد نقل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وجيش التحرير الفلسطيني من يد زعيم فلسطيني عروبي، هو أحمد الشقيري، الي قائد فلسطيني حصر رؤيته في فلسطين فقط، هو ياسر عرفات رئيس منظمة فتح، وكان ممكنا لهذ التأييد أن يستمر مضبوطا باستمرار الدور القومي لمصر، ولكن رحيل عبد الناصر، ودور السادات وتوقيعه لاتفاقية كامب ديفيد، وانحيازه الي الانعزالية المصرية هدم ما تبقي من المشروع. بجانب أن القيادة الرسمية لمنظمة التحرير أغلقت باب فلسطين، أمام المشروع القومي، باعلانها تبني القرار الفلسطيني المستقل ، وبذلك عزلت القضية، عمليا، عن عمقها العربي، وان بقيت لها، نظريا، مكانتها في قلب كل قومي عربي، والتحمت الانعزالية الفلسطينية مع نظيرتها الانعزالية المصرية ، وسارتا معا علي نفس الدرب، وتحولتا الي رديف مهمته تثبيت المشروع الصهيوني. أما تراجع شعار حرب التحرير الشعبية جاء نتيجة لتراجع اليسار العربي، وضعف اليسار العالمي، وبدأت ملامح ذلك في منتصف سبعينات القرن الماضي، ونتيجة ضعف الاتحاد السوفييتي ثم سقوطه واختفاء المنظومة الاشتراكية فيما بعد، وعلينا أن نأخذ في الحسبان أثر التحولات التي جرت في البنية الأيديولوجية للصين، التي كانت تدعم هذا التوجه. غياب هذه المشروعات أتاح الفرصة لظهور ما يمكن أن نسميه المشروع الاسلامي ، وكان لنجاح الثورة الايرانية فعل السحر في الالتفاف حوله، في هذا المناخ بدأ المشروع الاسلامي الفلسطيني في التشكل، وانتهي به الأمر مشدودا الي قطبي حماس.. الامتداد الفلسطيني لجماعة الاخوان المسلمين المصرية، والجهاد الاسلامي الفلسطيني المتأثر بأيديولوجية الجماعة الاسلامية وتنظيم الجهاد داخل مصر وخارجها كذلك.. ومثلها مثل الاخوان المسلمين، قبلت حماس باللعبة الديمقراطية ودخلت الانتخابات، وكان ما كان. وثوابت المشروع الاسلامي الفلسطيني تنطلق من قدسية كل فلسطين، باعتبارها وقفا يبقي ملكا للأمة، والأمة هنا بالمعني الديني، أي ملك لكل المسلمين.. لا يقبل فيها التنازل أو التفريط، وأي اعتراف أو نزع لسلاح أصحاب هذا المشروع يضرب ثوابته في مقتل، وقد يكون هذا هو سر ما سمعته وورد علي لسان أحد الاسلاميين المصريين.. كان يوما من قيادات الجماعة الاسلامية في أسيوط.. اعتبر نجاح حماس مأزقا كبيرا!!.وهذا المشروع الاسلامي له تأثيره البالغ علي النقطة الثانية، الخاصة بالدولتين الفلسطينية والصهيونية، فلن تكون دولة فلسطين الاسلامية علي غرار الدولة الديمقراطية ، الذي تبنته فتح في بداية ظهورها. قد يكون فيها شيء من المشروعين اليساري والقومي، فالدولة المنشودة ستكون في مواجهة الدولة الصهيونية ، وان اختلف معني القدسية لدي المشروعات الثلاثة. فقدسية الأرض أساس المشروع الأول، اليساري، ذي البعد الوطني الفلسطيني له بأفق أممي، أما القدسية في الثاني، القومي العربي، تحمل معني عربيا، أساسه سلام قائم علي العدل، أما قدسية فلسطين في المشروع الاسلامي دينية، بحكم أن بها المسجد الأقصي.. مسري الرسول الكريم، وفيها بيت لحم، مكان مولد السيد المسيح، عليه السلام، وهناك تداخل بين العناصر المكونة لهذه المشروعات، وان كان هناك تغليب لعنصر علي آخر في كل مشروع… مشروع الدولتين ما زال، وسيستمر، وهما، وقد دفعت منظمة التحرير الفلسطينية ثمنا باهظا في تبنيه، وانتهي باعلان الحكومة الصهيونية عدم وجود شريك تتفاوض معه حول هذا الوهم، وهذا في ذاته سحب الاعتراف بالسلطة وبالحقوق وأي وعود قدمتها الادارة الأمريكية والاتحاد الأوربي، كان من نتيجتها تصفية السلطة، ومحاصرة أبو عمار ثم قتله.. ومحمود عباس، رئيس السلطة، بكل ما يمثل، لم يكن نصيبه أفضل من نصيب سلفه.. لم تحصد السلطة غير الريح. وهذا يطرح عددا من الأسئلة المشروعة منها: ماذا لو لم تقبل حماس الاعتراف والتخلي عن السلاح؟ وهل الاعتراف ينهي الفصل العنصري (نظام الأبارتايد) المتحكم في كل ما هو فلسطيني، أرضا وشعبا ومستقبلا؟ هل بنزع السلاح يسترجع الفلسطينيون حقوقهم، ويستعيد اللاجئون ديارهم وأراضيهم؟ ياسر عرفات قدم تنازلات كبيرة ماذا ربح وما هي الفائدة التي عادت علي قضيته؟ ما هو ثمن الاستجابة لضغوط الدولة الصهيونية والادارة الأمريكية، وماذا وفر الدور الرسمي المصري؟، واذا كانت الردود علي كل هذه الأسئلة وغيرها بالسالب، اذن ما الجدوي من الاعتراف ومن التخلي والتفريط في الحقوق، واذا تساوي المتنازل مع المتمسك بحقوقه في الموت أو المسخ، اعمالا للقاعدة الصهيونية التي تقول ان الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت ، فان موتا يوقد شعلة التحرير، هو بالتأكيد، أفضل من موت مجاني فداء لوعد أو وهم لا يتحقق.. اذن قد لا يكون المأزق مأزق حماس، بقدر ما هو مأزق الذين باعوا الوهم، وانتظروا ثمنه انتحارا فلسطينيا، وتسليما عربيا واسلاميا كاملا.وهنا تأتي النقطة الثالثة حول موقف حسني مبارك من نجاح حماس.. نحن من الذين يرون أنه وجد ضالته في هذا النجاح.. فكل الأطراف الضاغطة في حاجة اليه لينوب عنها في ممارسة أقصي درجات الضغط لتسلم حماس بمطالب هذه الأطراف، نجاح حماس يعيد مبارك الي مسرح السياسة العربية والدولية، ليستأنف دوره في صهينة المنطقة، ودعم مشروع شارون لحل الصراع العربي الصهيوني. فاسرائيل أصبحت عنصرا أساسيا في صياغة الشكل الجديد للمنطقة، ومن يريد التقرب للغرب أو للادارة الأمريكية عليه أن يكون في خدمة تل أبيب.. وحسني مبارك أدمن دور العراب ، وتمرس علي نصرة الدولة الصهيونية، وهو في هذا لا ينتظر تكليفا أو رجاء.. يتخذ من المساعدات وسيلة للضغط علي الفلسطينيين، وهذا الضغط فرصته من أجل البقاء وطريقه لتمرير التوريث . وهذا يؤكده تصريحه الي صحيفة يديعوت أحرونوت في 2006/2/3 وفيه يقول المسألة لن تمر بدون الاعتراف باسرائيل ، وزاد تأكيدا في اجتماع منفرد بين حسني مبارك وتسيبي لفني، وزيرة الخارجية الصهيونية.. أحد أهم صقور الموساد السابقين.9