حماس تقترب من منطقة الخطر السياسي

حجم الخط
0

حماس تقترب من منطقة الخطر السياسي

د. بشير موسي نافعحماس تقترب من منطقة الخطر السياسي حماس هي أكبر القوي الفلسطينية الإسلامية، وهي قوة وطنية رئيسية. وقد باتت حماس المنافس الوحيد لحركة فتح، ولقيادتها الحركة الوطنية الفلسطينية، المستمرة بلا انقطاع منذ 1968. برزت هذه المنافسة في الانتخابات البلدية الفلسطينية التي جرت علي امتداد عام كامل، وتبرز اليوم في الاستعدادات الجارية للانتخابات التشريعية في الضفة والقطاع، وهي الانتخابات التشريعية الثانية في ظل السلطة الفلسطينية. وكانت حماس قد قاطعت الانتخابات التشريعية الأولي في 1996، علي أساس ان الانتخابات تجري في إطار اتفاقية أوسلو التي عارضها الإسلاميون الفلسطينيون، ورفضوا ما يترتب عليها من تقييد لحق المقاومة والتنازل عن حقوق فلسطينية تاريخية. ولكن حماس، التي ازدادت قوة ونفوذاً وشعبية خلال السنوات العشر التالية، أعلنت قبل شهور قليلة عزمها المشاركة في الانتخابات التشريعية القادمة. وليس ثمة من مشكلة في مشاركة حماس في الانتخابات، المشكلة هي في الإشارات المصاحبة لهذه المشاركة.الذين يعيبون علي حماس قرار المشاركة يرون أن لا شيء قد تغير في شرعية السلطة والنظام المنبثق عنها. إن كانت السلطة في التسعينات هي نتاج اتفاق أوسلو، فالسلطة في 2006 لم تزل تدين في وجودها الهش والمتضائل إلي الاتفاق ذاته. ودخول المجلس التشريعي هو قبول ضمني بأوسلو، تماماً كما قدرت حماس في رؤيتها للانتخابات التشريعية الأولي. وهذا بالطبع أقرب إلي المنطق التبسيطي، وإلي التعامل مع السياسة باعتبارها معادلة صفرية دائمة. أولاً، لأن السلطة الفلسطينية أصبحت أمراً واقعاً متقادماً، بل ان وجودها بات يتعارض في وجوه عدة مع المصالح الإسرائيلية. ثانياً، لأن السياسة هي في أساسها المصلحة وليست طقوساً ثابتة مقدسة. ربما كانت المصلحة في منتصف التسعينات هي في عدم المشاركة، ولكن الواضح بعد تجربة السلطة الفلسطينية، قبل وبعد اندلاع الانتفاضة الثانية، ان هناك مصالح للناس وللقضية الوطنية يمكن تحقيقها من خلال المشاركة في الانتخابات والعمل من خلال المجلس التشريعي الفلسطيني، ضمن وسائل أخري. وثالثاً، لأن قوة فلسطينية شعبية رئيسية، تمثل قطاعاً واسعاً من الشعب، لا يمكن ان تستنكف عن التعبير عن حاجات للناس يصعب تحقيقها بدون علاقة ما بأجهزة النظام الذي يحكمهم. ان قدراً كبيراً من تعامل السلطة الفلسطينية مع القضية الوطنية يتم بسرية، وبتغييب للموقف الشعبي، كما تعاني أجهزة السلطة من سيطرة الهم الأمني، الفساد، استباحة المال العام، والمحسوبية. وقد يساعد التمثيل البرلماني الفعال في مواجهة هذه التوجهات والسلوكيات، لاسيما ان المجلس التشريعي الفلسطيني أثبت في مناسبات عديدة انه ليس مؤسسة مدجنة، بالرغم من ضعف تمثيل قوي المعارضة في المجلس.المشاركة في الانتخابات، والتمثيل البرلماني، ليس مشكلة. المشكلة هي من نوع آخر. ثمة إشارات متزايدة من قادة في حماس تبدي استعداداً لدخول الحكومة الفلسطينية، بل لقيادة الحكومة إن نجحت حماس في حصد أكثرية مقاعد المجلس التشريعي. وهناك إشارات أخري علي الاستعداد لإجراء مراجعة للسياسات، لاسيما والوضع الفلسطيني يواجه حملة ضغط هائلة من الحكومة الإسرائيلية، الإدارة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، تستهدف الضغط علي حماس لتغيير أهدافها الاستراتيجية والتخلي عن السلاح، أو منعها من المشاركة في الانتخابات.ليس من الواضح حتي الآن إن كانت الانتخابات الفلسطينية ستعقد بالفعل في موعدها المقرر في الخامس والعشرين من هذا الشهر، أو ان الرئيس الفلسطيني سيخضع لضغوط الداعين إلي التأجيل. ثمة من يخشي من ان تؤدي الانتخابات إلي تقويض مستقبله السياسي. وهناك من يخاف تداعيات الصعود السياسي المتوقع لحماس علي مجمل الوضع الفلسطيني، وعلاقات السلطة بالأوروبيين والأمريكيين. وهناك خلاف متزايد في صفوف قيادات وكوادر فتح حول ما إن كان عقد الانتخابات الآن سيكون في صالح فتح أو حماس. وحتي إن عقدت الانتخابات، فليس من الواضح حتي الآن إن كانت السلطة ستلتزم بحيادية قاطعة أم لا، وما إن كانت فتح ستستطيع الحفاظ علي الاكثرية البرلمانية أم انها ستتعرض لهزيمة انتخابية علي يد حماس. ولكن دخول حماس الانتخابات باعتبارها الطريق إلي الحكم والسلطة، وليس فقط التمثيل القوي والضروري في المجلس التشريعي، سيترتب عليه متغيرات هامة في سياسة واستراتيجية، وخطاب حماس. وهذا ما سيترك تأثيره علي مجمل الساحة الوطنية الفلسطينية، وعلي الساحة العربية الإسلامية.إن من المستحيل احتلال موقع تنفيذي وممارسة دور فعال في المقاومة الفلسطينية في آن واحد. قد لا يؤدي هذا إلي تخلي حماس الكامل عن السلاح، ولكنه سيؤدي بالتأكيد إلي تغيير في دور ووجهة هذا السلاح. وستصبح حماس مسؤولة مسؤولية مباشرة عن العملية التفاوضية وما ينجم عنها، تماماً كحركة فتح، في وقت تزداد المؤشرات علي أن العملية التفاوضية تحولت إلي استقبال فلسطيني سلبي لقرارات إسرائيلية أحادية، وأن الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة سيتوقف طويلاً بعد الانسحاب الجزئي من قطاع غزة. بكلمة أخري، ستوفر حماس بشراكتها في السلطة للمرة الأولي منذ بدء التحول في سياسة منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح في منتصف السبعينات من القرن الماضي، غطاء فلسطينياً شبه إجماعي لحركة تسوية سياسية للقضية الفلسطينية لا تحقق الحد الأني من الحق الفلسطيني التاريخي.كانت المطالبة الفلسطينية الوطنية في منتصف السبعينات باعتبار منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني منعطفاً بارزاً في تاريخ القضية الفلسطينية. وقد أقرت القمة العربية حينها المطلب الفلسطيني، تمهيداً للتخلي العربي الرسمي الضمني عن المسؤولية تجاه الصراع علي فلسطين، وفتح الطريق أمام منظمة التحرير للمشاركة في عملية التسوية وتحمل أعباء التفاوض والتنازلات المتوقع فرضها للتوصل إلي حل تفوضي. لم يكن الخيار الذي ذهبت إليه منظمة التحرير في منتصف السبعينات هو الخيار الوحيد المتاح. صحيح ان عجلة التسوية دارت بعد حرب تشرين الأول (اكتوبر) 1973 كما لم تدر من قبل منذ انفجار الصراع العربي ـ الإسرائيلي. وكان لابد استكشاف ما إن كانت التسوية ستحقق للفلسطينيين ولو جزءاً من مطالبهم وحقوقهم الوطنية. ولكن أصواتاً هامة في الساحة السياسية الفلسطينية جادلت يومها بأن من المصلحة الفلسطينية والعربية ان يترك شأن التفاوض والتسوية للدول العربية التي كانت تتمتع بالسيادة علي، وتتحمل بالتالي المسؤولية القانونية عن، الضفة والقطاع قبل 1967. لتحاول الدول العربية إنجاز ما يمكن إنجازه عن طريق التفاوض، علي ان تتفرغ القوي الوطنية الفلسطينية لمقاومة الاحتلال والنهوض بتنظيم ودعم قوي الشعب الفلسطيني في المهجر وتحت الاحتلال. إن استطاعت المفاوضات استعادة الضفة والقطاع، فذلك خير، ولا يهم أن تكون تلك الاستعادة باسم الأردن ومصر أو باسم منظمة التحرير الفلسطينية. ولكن شيئاً من عواقب التفاوض والتسوية لن يلزم الفلسطينيين بأي حال من الأحوال. هذا، فوق ان الموقف العربي التفاوضي في حال تعهد الدول العربية بعملية التفاوض سيكون أقوي بكثير من ترك الفلسطينيين لتحمل أعباء العملية السياسية. لم تستمع القيادة الوطنية الفلسطينية لتلك الأصوات، التي أثبتت مجريات التاريخ انها كانت بالفعل علي حق. وقد أوصل طريق الممثل الشرعي والوحيد الفلسطينيين إلي الوضع الكارثي الذي وصلوا إليه، بعد ان تم الاستفراد بالجانب الفلسطيني، وتخلت أغلب الدول العربية عن لعب دور فعال في الشأن الفلسطيني، طالما ان الفلسطينيين يتحملون مسؤولية القرارات المتعلقة بمصيرهم. وما يحدث اليوم يبدو شبيهاً بما حدث منذ النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي.فمنذ اندرجت منظمة التحرير الفلسطينية في عملية التسوية، لم تنجح قرارات التفاوض والتسوية المتعددة في الحصول علي دعم إجماعي فلسطيني. وما ان تأكد صعود التيار الإسلامي الفلسطيني في مطلع التسعينات حتي أصبح واضحاً ان قيادة منظمة التحرير تفاوض باسم قطاع من الفلسطينيين وليس كلهم. بل ان البعض ذهب إلي ان اتفاقية أوسلو وقعت أصلاً في لحظة اتفاق مضمر بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي علي محاصرة الصعود الإسلامي الفلسطيني. ولكن، وبدلاً من ان تساعد اتفاقية أوسلو القيادة الوطنية علي حشد الفلسطينيين من خلفها، فقد فاقمت من حدة الانقسام الوطني الفلسطيني. رفض الإسلاميون اتفاقية أوسلو وما تمخض عنها، بينما تخلت قيادة السلطة موضوعياً عن تمثيل فلسطينيي المهجر، بل وهمشت منظمة التحرير الفلسطينية التي وقعت أوسلو باسمها والتي يفترض ان تمثل جميع الفلسطينيين، في الضفة والقطاع وفي المهجر. ولم يستعد قدر من التماسك الوطني القلق إلي الوضع الفلسطيني في الضفة والقطاع إلا بعد اندلاع الانتفاضة الثانية في أيلول (سبتمبر) 200، وانحياز عرفات وقطاع كبير من فتح إلي الحركة الشعبية.إن تكلفة دخول حماس السلطة وتحملها أعباء العملية السياسية هي أكبر بكثير من المكاسب المتوقعة من مثل هذه الخطوة الفادحة. إن كان هناك من شيء لا تزال عملية التفاوض تعد به، فلتترك القيادة الوطنية لتحقيقه، بدون ان تتحمل عواقبه المتوقعة القوي والتيارات وقطاعات الشعب الفلسطيني كافة. لماذا يوضع كل البيض الفلسطيني في سلة عملية غامضة الأفق، ما اتضح منها حتي الآن لا يبعث علي الاطمئنان؟ حتي في الجانب الإسرائيلي، حيث دولة كاملة السيادة، وجدت قوي معارضة رفضت وترفض القبول بالتسويات التي تم التوصل إليها مع الجانب العربي. ولماذا تقوم قوة إسلامية رئيسية بتوريط كل التيار الإسلامي العربي في سياق تسوية لا يمكن للضمير الإسلامي الموافقة عليها، حتي وإن فرضت بقوة اختلال توازن القوي؟مشكلة الإسلاميين المتكررة في الساحة العربية هي الحركة السياسية المتوازنة والاقتراب من الطبيعة المركبة للعمل السياسي. وقد أصبح الانتقال بين الراديكالية أو التطرف، من ناحية، والتفريط والتهاون، من ناحية أخري، ظاهرة عربية إسلامية بامتياز. ثمة موقع، أو حتي مواقع، بين الاستقطابات السياسية. حماس تقترب الآن من دائرة الخطر، وعليها ان تفكر ملياً قبل أن تخطو خطواتها المقبلة. فلسطينياً، ليس هذا زمن الحكم وتوزيع المكاسب بعد. ہ كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث9

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية