حماس بحاجة إلي مال العرب والمسلمين لا دولارات أمريكا وأوروبا

حجم الخط
0

حماس بحاجة إلي مال العرب والمسلمين لا دولارات أمريكا وأوروبا

د. عزام التميميحماس بحاجة إلي مال العرب والمسلمين لا دولارات أمريكا وأوروبااستبقت الولايات المتحدة نتائج الانتخابات الفلسطينية بالتهديد بأنها لن تتعامل مع حكومة تشارك فيها حماس ما لم تتخل الأخيرة عن مبادئها وتسلم بما سلم به الأولون، ثم عادت وأكدت علي ذلك وتبعها بعض حلفائها في أوروبا بعد أن فازت حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي في أول انتخابات برلمانية حرة ونزيهة تشهدها الساحة الفلسطينية. بل استخدم هذا التهديد قبيل الانتخابات وأثناء الحملة الانتخابية من قبل البعض في الداخل والخارج لإقناع الناخبين بأنه ليس من مصلحة الفلسطينيين التضحية بالمساعدات الـــدولية مقابل انتخاب حماس. المثير في الموضوع أن الموقف المبدئي الذي تريد الولايات المتحدة ومن دار في فلكها مساومة حماس عليه إنما هو الذي أكسبها ثقة الفلسطينيين واحترام القاصي والداني لها بعد أن قاومت أعتي الحملات الاستئصالية من القريب والبعيد وقدمت في سبيل ذلك المئات من الشهداء وآلاف الأسري. ولعله يأتي في المرتبتين الثانية والثالثة بعد ذلك نظافة اليد التي أثبتتها علي مر السنين وتفانيها في خدمة الجمهور دون تطلع إلي منافع مادية شخصية أو فئوية. لقد أثبت الأمريكان وحلفاؤهم حين يأملون بأن تقبل حماس بحق إسرائيل في الوجود بأنهم لم يفهموا أو لا يريدون أن يفهموا ما الذي تمثله حركة حماس. والأغرب من موقف هؤلاء ما فتئ يصدر من حين لآخر من تصريحات لمسؤولين فلسطينيين سابقين بأنه ينبغي علي حماس أن تعدل من موقفها وتقبل بقواعد اللعبة التي قبلت بها منظمة التحرير رغم أن بعض هؤلاء هم ممن علي أيديهم وبها خربت حركة فتح وآلت إلي ما هي فيه من وضع لا تحسد عليه. الذين يأملون في أن تتنازل حماس عن حق الفلسطينيين في كل حبة تراب من أرضهم سلبت ظلماً وعدواناً منهم فانما مثلهم كمثل كإبليس إذ يأمل بالجنة، فحركة حماس ما نشأت في الأساس إلا لتعوض النقص وتسد الخلل الذي وقعت فيه حركة فتح حينما تخلت عما من أجله أنشئت وبسببه تعلقت بها آمال الفلسطينيين وهفت إليها قلوبهم سنوات عديدة. ولذلك فمال أمريكا وأوروبا مجتمعاً لا يغري حماس بشيء، لأن الذي نذر نفسه وماله وعياله في سبيل الله لا يبخس ذلك بشيء من متاع الدنيا، ولعل استيعاب هذه القيمة تستعصي علي من لم يجد الإيمان طريقاً إلي قلوبهم.إن الذين يريدون لحماس أن تخضع للأمر الواقع وتستسلم لسطوة النظام الدولي الجائر يريدون أن يزوروا التاريخ، والتاريخ أبداً لا يزور. فإسرائيل كيان عنصري اســـتعماري زرعه الغربيون ليكون أداة لهم في قلب عالمنا الإسلامي، وهذا الكيان لا محالة زائل تماماً كما زالت من قبل ممالك الفرنجة التي استمر بعضها ما يقرب من قرنين. انطلاقاً من عقيدتها واستيعابها لتجارب البشر عبر العصور واستلهامها لنضالات الشعوب التي تحررت من نير الاستعمار فإن حركة حماس تعتقد كما أن الله واحد لا شريك له بأن فلسطين ستتحرر حتماً طال الزمان أم قصر.ومع ذلك، تدرك حركة حماس بأن مشروع التحرير الكامل لن يتم إلا علي مراحل بسبب ضعف الأمة وعجزها، فمشروع التحرير لا يقوم به الفلسطينيون وحدهم وإن كانوا رأس حربته ومقدمة جيشه. وهي بذلك مستعدة ـ كما أعلن ذلك مؤسسها من قبل الشيخ الشهيد أحمد ياسين وأعلنه من بعد عدد من مسؤوليها والناطقين باسمها ـ لأن تتوصل إلي وقف لإطلاق النار مع العدو الصهيوني، وهو ما أطلقت عليه حماس مصطلح الهدنة انســــجاماً مع التجرية الإسلامية ومع ما هو متعارف عليه في الفقه السياسي الإسلامي. نعم، يمكن أن يجــــري تفاوض علي وقف إطلاق النار إلي أجل، و هذا هو أقصي ما يمكن أن يأمله الإسرائيليون ومن يساندهم ويتعاون معهم أن تفعله حماس. فلئن انسحب الإسرائيليون من كافة الضفة كما انسحبوا من القطاع وأخلوا جميع المستوطنات بلا استثناء وأفرجوا عن كافة الأسري وتوقفوا عن الاعتداء علي الفلسطينيين فهذا يكفي لتوقيع هدنة طويلة الأمد معهم. ومن هنا، فإن انتخاب حماس وتشكيلها للحكومة الفلسطينية الجديدة سواء منفردة أو ضمن تحالف مع القوي الفلسطينية الأخري ـ وهو الأفضل علي وجه التأكيد ـ ينبغي أن ينظر إليه علي أنه باب خير كبير علي الجميع لأن فيما سوي الهدنة التي تعرضها حماس فلن تنجح تسوية ولن يحصل وقف للاقتتال بين الطرفين. ومن هنا فإن نتيجة الانتخاب تستدعي الاحتفاء والاحتفال لا الفزع والاستنكار، لأن كل مشاريع السلام السابقة آلت إلي الفشل ولم تحقق إلا مزيداً من الألم والمعاناة للفلسطينيين والإسرائيليين علي حد سواء.لو كان في الأمريكان والأوروبيين عقلاء لأدركوا بأنهم أمام فرصة تاريخية ليرتاح الجميع من الصداع إلي مدة لن تكون قصيرة، ولمارسوا الضغوط علي الإسرائيليين ليقبلوا بالتفاوض مع من اختارهم الشعب الفلسطيني ممثلين له علي أساس من مشروع الهدنة، وبذلك يؤجل الصراع إلي جيل قادم، يخلق الله حينها ما لا نعلم وما لا يعلمون. وليس الفلسطينيون بحاجة إلي أموال الأمريكان والأوروبيين لو أن إخوانهم العرب والمسلمين وقفوا معهم كما ينبغي عليهم، فمن يملك من الثروة ما يملكه العرب والمسلمون في هذا الزمان؟ لو أن المملــــكة العربيــــة السعودية وقطر والكويت وتركيا وإيران وإندونيسيا علي الأقل أعلنت بأنها تلتزم فيما بينها، وواحدة لوحدها منهم تكفي لو أرادت، بتغطــــية نفقات الكيان الفلسطيني ـ الذي ما من شـــك سيظل ضعيفاً ومعــــتمداً علي الخـــارج ـ لما لجأ الأمريكان والأوروبيـــون إلي الابتزاز الرخيص. إن بإمكان الدول النفطية علي الأقـــل أن تخصص مليارات الدولارات ســنوياً دون أن يؤثر ذلك فــــي أوضاعها الاقتصادية أو ينتقص من ميزانياتها. لقد دفع العرب ملايين الملايين عبر السنوات السابقة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكثير مما دفعوه آل إلي غير ما دفع من أجله مما ألجأ بعضهم إلي تقليص الدعم أو وضع شروط وضوابط. لا حجة لأحد اليوم في الامتناع عن الدفع، والدفع بسخاء للحكومة الفلسطينية التي قد تشكلها حماس لأن الأيدي النظيفة التي جربها الفلسطينيون والعرب والمسلمون سنوات طويلة لن تســـمح بهـــــدر الأموال ولن تتساهل مع فاسد. علي الحكومات العربية التي انصاعت في الماضي للضغوط الأمريكية وضيقت علي المتبرعين وأرهبتهم وهددتهم أن ترفع يدها عن دافعي الزكاة والصدقات حتي تصل إلي أفضل مصارفها علي الإطلاق، إلي الذين هم في رباط إلي يوم الدين. لو أن الحكومات العربيــــة فتحت باب التبرع الطوعي علي مصراعيه لفلسطين لاجتمع للفلسطينيين كل عام أضعاف ما تمن به عليهم أمريكا وحلفاؤها. إن من مصلحة الحكومات العربية بشكل خاص أن تستقيم أوضاع الفلسطينيين في داخل فلسطين. وها هي الفرصة تسنح بزعـــامة حماس القادرة علي ضمان استقامة الأمور دون تنازل عن أي من حقوق العرب والمسلمين في فلسطين ودون أن تمتد يد عربية مسلمة في فلسطين للأمريكيين والأوروبيين الذين لا يدفعون دولاراً واحداً إلا وصاحبه ابتزاز وتبعه من وأذي. ہ مدير معهد الفكر السياسي الاسلامي في لندن8

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية