حماس انتصرت لأن الفلسطينيين مقتنعون أن طريقها دفع اسرائيل للانسحاب وسيؤدي الي انسحابات جديدة
بينما تغرق تل ابيب في نظريتها الجاهزة حول خضوع الفلسطينيينحماس انتصرت لأن الفلسطينيين مقتنعون أن طريقها دفع اسرائيل للانسحاب وسيؤدي الي انسحابات جديدة حماس حققت الفوز في معركتين تتمتعان بأهمية مفرطة ـ بالنسبة لاسرائيل ايضا: في مكافحة الارهاب وفي المعركة الانتخابية. ما من شك أن الانتصار في الانتخابات يرتبط بصورة صارخة بالانتصار في الحرب. إثر صرعة المخربين الانتحاريين التي كان لحماس دور مركزي فيها، تراجعت اسرائيل وانسحبت ـ بصورة مخالفة تماما لرؤية الصهيونية الأساسية وهي الاستيطان المزدهر.الفلسطينيون نظروا باستهزاء لادعاءات ارييل شارون وأتباعه بأن اسرائيل قد تراجعت بصورة طوعية وليس بسبب الارهاب. محمود الزهار سأل في الصيف الماضي اذا كانت اسرائيل انسحبت طواعية، فلماذا انسحبت الآن فقط بعد أن وجه الشهداء لها ضرباتهم الشديدة؟ الناخبون الفلسطينيون منحوا اذن وعن حق، الرصيد الأساسي عن الانسحاب لحركة حماس. ولهذا السبب، وليس بسبب الفساد في فتح ـ الذريعة الواهنة لأصحاب النظرية الجاهزة التي تقول ان فتح بالرغم من فسادها هي القوة المركزية في اوساط الفلسطينيين ـ منحوها الحكم.ومع تتويج حماس علي رأس الحكم يكون الجمهور الفلسطيني قد اختار عن وعي طريق الدم والعرق والدموع ـ ثمن استمرار الحرب الارهابية. وإن كان بعد كل ما عاشه خلال السنوات الأخيرة الصعبة قد اختار بالرغم من ذلك طريق الحرب والآلام ـ إلا أنها بالنسبة له ايضا طريق للأمل والأحلام ـ فلا مناص من الاستنتاج بأن تحقيق الأهداف القومية وكذلك الدينية في حالة حماس، يتطلب من الفلسطينيين، خلافا للاسرائيليين، تضحية كبيرة وهم مستعدون لذلك.أضف الي ذلك أنه بعد الفرار من غزة أصبح الفلسطينيون علي قناعة بأن اسرائيل حتي وإن راوحت في مكانها ستنسحب في نهاية المطاف الي خطوط حزيران (يونيو) 1967، كما تكتفي فتح علي الأقل لفظيا.ولهذا السبب، كان بامكانهم لو اكتفوا بهذه الحدود أن ينتخبوا أتباع محمود عباس. ولكن بما أنهم لا يكتفون بخطوط حزيران (يونيو) ومستعدون لمواصلة الحرب الدائمة التي لا هوادة فيها حتي تحقق لهم أحلامهم كاملة بإزالة الكيان الصهيوني واقامة دولة فلسطينية اسلامية كما يدعو ميثاق حماس فوق كل ارض اسرائيل، فضلوا حماس.انتخاب الفلسطينيين لحماس هو بمثابة تصريح من قبلهم بأنهم جزء من الحركة الاسلامية العالمية، التي يرفع بطلها المحبوب اسامة بن لادن هامته عاليا. هذه الحركة التي تتحدث في سياق ما تتحدث عنه عن تدمير الغرب واقامة حكم اسلامي عالمي فوق أنقاضه.مثلما حدث في سوابق كثيرة في التاريخ، عاد انتصار حماس ليبرهن أن وجود التصورات الايديولوجية والنظرية المتشددة ليس فقط حائلاً دون توقع المستقبل المنظور، وانما يقود نحو معالجة خاطئة وزائفة لجذور الازمة. جوهر النظرية الاسرائيلية الجاهزة يتحدث أنه حتي بعد صواريخ القسام التي تنزل بعد فك الارتباط، أن الفلسطينيين ايضا سيتوصلون مثل الاسرائيليين ـ الذين اقتنعوا أنهم لن يهزموا الفلسطينيين بالقوة ـ إن عاجلا أو آجلا الي الادراك بأنهم لن يُخضعوا اسرائيل بالقوة. ولأن الأذرع الاستخبارية الاسرائيلية هي ايضا أسيرة لفرضيتي هذه النظرية الجاهزة الخاطئتين، فلم يكن بامكانها أن تتنبأ بانتصار حماس مسبقا.بصورة متناقضة قد يؤدي صعود حماس الي توجيه دفعة جديدة للنظرية الاسرائيلية الجاهزة بدلا من أن تؤدي الحقائق التي توجه ضرباتها للقادة الي دفع القيادة السياسية والأمنية والجمهور معها الي الخروج من الأوهام والعودة الي التفكير المنطقي. استمرار التنازلات الاسرائيلية حتي في ايام حكومة حماس، كما تتعالي الاصوات منذ الآن، سيبرهن للفلسطينيين أن هناك ضوءا في نهاية النفق، هذا الأمر سيُضفي الاعتدال علي المتطرفين ويعزز من قوة المعتدلين وربما حتي يؤدي الي اعادتهم الي الحكم.ولن تُغير، علي ما يبدو، أي حقيقة من الحقائق الطافحة في وجوهنا، بما فيها حقيقة أن حماس قد وصلت الي الحكم بسبب تنازلات اسرائيل الجسيمة تحديدا، البني التحتية السيكولوجية ـ السياسية التي يتواجد فيها اغلبية مواطني اسرائيل والسياسيون الذين يطلبون أصواتهم في الانتخابات القادمة.يسرائيل هرئيلكاتب يميني ومُنظر المستوطنين(هآرتس) 2/2/2006