حمار الفروع!

حجم الخط
0

خلق الله تعالى الإنسان وميزه عن سائر خلقه بالعقل والتشريف وعلمه من العلوم المختلفة ما لم يكن يعلمها أحد من قبل، وتنافس الناس في ذلك أشد التنافس فاوجدوا المبدعات وصنعوا المدهشات وتفاوتوا في ذلك كلا حسب ذكائه وقدرته وإمكانياته وخبرته فمنهم من صنع الطائرات ومنهم من صنع الغواصات التي تجول في أعماق المحيطات ومنهم من صنع السفن الفضائية وحط بها على بعض الكواكب السماوية، وأكثرهم بقى عاجزا ومتخلفا ولم يستطع أن يصنع حتى قطعة قماش تكسو عورته، وبين هذا وذاك ظهر صنف آخر لا ينتمي إلى هذين، لديه قابلية الحفظ عجيبة غريبة ودقة متناهية عالية.
فهو يحفظ المجلدات حجم الواحد منها ما يقارب الخمسمائة صفحة أو يزيد، ومثال ذلك رجل يحفظ ثلاثة مجلدات كبيرة يقرأها عن ظهر قلب كما يقرأها احدنا وهي أمامه، يسميه العلماء بـ(حمار الفروع ) وهو حافظ متقن ولنقل العلم صائن ومع كل ذلك يسميه العلماء النقاد الواعون الفاهمون بـ(حمار الفروع)، والسبب في ذلك مدهش ولكل لب مقنع لأنه يحفظ الكثير والكثير ولكنه لا يفقه أي شيء مما يحفظه فهو كالحمار يحمل الذهب واللؤلؤ ولا يعرف قيمة ما يحمله، وهذا يحفظ الحق والعلم والدين ولكنه لم ينتفع بشيء مما يحفظه فلا غرابة ولا عجب أن يسميه العلماء بـ(حمار الفروع ) وقد أدهشني هذا كثيرا عندما قرأته قبل سنوات واليوم رأيته حقيقة واقعية تنطبق على الكثيرين ممن انتسبوا إلى العلم والدين زورا وبهتانا وهم يحملون أعلى الشهادات ويتكلمون بأحلى الكلمات ولكنهم لم ينتفعوا بشيء مما يحملونه ويحفظونه فهم يهذون بما لا يعرفون ويقولون ما لا يعلمون، بل خالف بعضهم الحقيقة وأفتى بخلاف ما يعتقده في قلبه من الحقيقة وخاصة في السنتين الماضيتين فأفتى الكثيرون خلافا للدين والحقيقة محاباة للحكام أو لمصالحهم الشخصية المالية والوظيفية أو الحزبية، واحتجوا علينا بقول الصحابي الجليل عمار بن ياسر رضي الله عنه وأرضاه وهو مكره وصاحبنا الحافظ الجاهل ظن نفسه مكره مثل عمار، فعمار قتل المشركون أمه وأباه أمام عينيه وهددوه بالقتل ان لم يقل ما أرادوا، فقال ما أرادوا وهو مكره والسيف على رقبته مسلط، أما صاحبنا الحافظ الجاهل فهو يعيش بين أهله منعما آمنا ووسط حرسه آمرا ناهيا وباستطاعته أن يهرب مما يخاف، فهل يستوي هذا وذاك؟ لا كلا وربي فعمار مكره حقيقة وواقع، وهذا الماكر الجاهل يحفظ ويعلم ولكنه لا يفهم ولا يفقه ما يحفظ، فهو كالبغبغاء يردد ما يسمع، فإذا قال السلف قديما عن واحد وسموه (حمار الفروع) ليخبروا الناس أنه جاهل فاليوم عندنا ألف ألف واحد فمن يا ترى سوف يخبر؟
عقيل حامد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية