حكاية مائية عن الحب

حجم الخط
0

جارتي من هواء، ويدي التي نسيتها على شباكها تلوح للطيور مثل صياد أعمى خرج قبل الفجر حاملا سلة زهور، كما لو أن الفتاة التي نامت في مزحته هي نفسها التي ستقوده إلى الحقل. لا تزال هناك بقية من مطر تختفي وراءها الأشجار وتصمت الحشرات، ويتلفت ديك الجارة باحثا عن ساعته التي سالت دقائقها. لا يزال هناك رمل ناعم، يذكر بالسيقان التي تسلقتها العصافير لتصل إلى أعشاشها. وقبل أن يصل يكون قد تلاشى بسبب نضارته. ذلك معناه الحب.
فلا شيء يمكنه أن يكون قاسيا ومخادعا ومؤلما وصادما مثل الحب.
***
ليست من حجر ولا من حرير. تلك ساقية غمرتها الزهور بألوانها. سيُقال لمَن رسمها «ارفع فرشاتك. فلا يليق أن يكون الأصفر بمثل تلك الكثافة، فيما الأبيض يجرجر خطواته مهزوما».. الرسام الأصم ينظر إلى الغيم. هناك كلفة عالية في أن يكون المرء رسام زهور. حين يجلس متأملا الفتيات السابحات يتعلم من أجسادهن أن يرى الزهور بطريقة مختلفة. فهناك الزهرة التي تُرى. وهناك الزهرة التي تُلمس. وهناك الزهرة التي تُشم. وهناك الزهرة التي تُلتهم. وهناك الزهرة التي حين يراها المرء يشعر بأنها رسالة الله إليه. ذلك أيضا معناه الحب. فلا شيء يمكنه أن يكون خفيفا ومفاجئا وضبابيا وخفيا وناعما مثل الحب.
***
ليست هناك وسيلة للفتك بالإنسان أكثر وحشية من الحب.
***
لا يسأل الخطأ عن إصاباته. هناك قتلى على الطريق. هذا ما يفعله الحب تماما.
الخطأ في أن تكون متفائلا وانت تُمحى. لن تقتسم العشبة مع أحد. أما القطرة الوحيدة التي بللت شفتيك مثل كلمة فإنها لا تزال في مكانها. أنت صورة حية للخطأ التي يقفز مثل أرنب بين الحفر. وعليك أن تصدق أن ما نجا منك هو عدوك. ذلك السم برماده الذي امتزج بالهواء. أنت تتنفس هواء عدوك مسترخيا في انتظار إصبع تترك في عينك نظرة ما. هي آخر ما ستفعله قبل أن تنام.
***
احمليني أيتها الغيمة على بياضك، فأنا خفيف مثل خط وهمي بين قطرتي مطر
احملني أيها الفجر على قرني غزالك فلا أحد يمكن أن يراني حين يحل النهار
احملني ايها البحر مثل مركب سلمه قبطانه للتيه بعد أن قضى ليله وهو يبكي
***
قوة الحب هي ترجمة لما لم يقع منه.
***
ذلك عالم ينبعث من صيحة،
جناحاها ينبوعان مظلمان
ورذاذها فراشة تقول
«اتبعني»
***
تلك صيحتها. الفتاة التي رُسمت على الماء. النائمة في ضحكتها. «نفتح باباً»
تقول البرية «لنلج إلى الصمت» تلك فكرة يائسة عن السفر. في العشبة دمعة شاعر وعلى التل ظله يلوح للأشباح. المنديل المشبع بعطرها يضع يد المسافرعلى رتاج بيت تملأه صيحتها النائمة. الخرافة تتألم وهي تطوي صفحاتها التي لا يزال حبرها يتثاءب.
***
تحب لتموت بعد أن يسقط رأسك على صحن فاكهتها
«تصلح الفاكهة للنظر أيضا» ذلك ما يقوله الفقراء والرسامون
***
في البدء كنتُ غيمة. حين طردتني السماء صرت دراجة هوائية لطفل.
تراب القرية ليس ذهبا ولكن أصابعك ترش الزعفران بين أهدابي
«أنا أمك» تضحكين فإنت أصغر مني
الطفل الذي يمضي إلى البيت بدراجته الهوائية هو أنا
تضحكين لأن ذلك الطفل هو ابنك.
***
جارتي هواؤها أخضر. تُجلس الأشجار على مقاعد مطبخها لتروي لها الحكايات. من وراء الباب أعرف أن الأشجار قد تركت جارتي نائمة في فراشها ومضت إلى الغابة. ولأن النافذة مفتوحة كان همس الأشجار يعذبني حتى الصباح. حين تستيقظ جارتي تقول لي «إنها حلمت بالأشجار» فأقول لها «حلمتُ أن الأشجار همست باسمك» فتقول «إنك مجنون. لذلك أحبك».
***
أنا في الفاكهة، رائحتي لن تصل إلى أحد. أنا أشمها. وإذا كانت النافذة مفتوحة فإن الآنسات سيقفن تحت الأشجار في انتظار أن تمس رائحتي بشرتهن. أتجول معهن بين الحقول مثل ديك منسي. لن أسمح لواحدة منهن بأن تمسني. أنا أمشي كما لو أن شجرتي لا تزال تضللني.
أمشي لأكون الإبرة في الإصبع. هناك سجادة لعاشقين في انتظاري. لست الزخرف ولا أملك أن أكون العقدة في تشابك الخيوط. أنا الخطأ. سيكون تلفتي مكلفا. فمثلما لم يكن أحد في انتظاري فإني غادرت المحطة وهي خالية.
***
في لحظة الموت لا نرى أحدا.

 كاتب عراقي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية