حكايات النازحين من غزة عبر ممرات الموت.. “وين بدنا نروح! الموت أهون”

 أشرف الهور
حجم الخط
0

غزة- “القدس العربي”: تزداد في هذه الأوقات أوضاع سكان مدينة غزة صعوبة، بسبب الهجوم البري الكبير الذي يشنه جيش الاحتلال على غالبية أحياء المدينة، والذي لم يسبق له مثيل منذ بداية الحرب.

“القدس العربي” تواصلت مع العديد من السكان الذين نزحوا إلى مناطق شمال المدينة، وآخرين إلى مناطق وسط القطاع، وقد رووا حكايات صعبة عما شاهدوه في رحلة النزوح.

وطالت أوامر النزوح الجديدة كافة مناطق مدينة غزة، بخلاف حي الشيخ رضوان وحي النصر الملاصق، فيما يخشى السكان من وصول الآليات العسكرية لحي النصر، بسبب قربه من حي الرمال، الذي هدد سكانه بالنزوح القسري.

وقال مواطنون من مدينة غزة إن هذا الهجوم هو الأعنف الذي تتعرض له المدينة منذ بداية الحرب، وإن حجم القصف الجوي، ونوع الصواريخ لم يسبق أن شاهدوه من قبل، وكذلك كم المناطق التي تتعرض لهجوم بري في المدينة في آن واحد.

النزوح من ممرات الموت

وفي هذه الأوقات، يتكدّس المواطنون في حي الشيخ رضوان، ومن بينهم عوائل نزحت ثلاث مرات في أقل من 24 ساعة. وبسبب ضيق أماكن النزوح هناك، يفترش الكثير منهم الشوارع بلا مأوى، وبدون حصولهم على أي خدمات غذائية أو صحية.

وقال فايق (18 عاماً) لـ “القدس العربي” إنه ومن تبقى من أفراد أسرته نزحوا، صبيحة الإثنين، من أطراف حي تل الهوا، إلى حي الرمال، قبل أن يفاجأوا، في ساعات المساء، بغارات جوية عنيفة على الحي، مع عمليات قصف مدفعي عنيف، ما اضطرهم للخروج إلى إحدى المناطق القريبة من حي الدرج.

وأشار إلى أنهم اضطروا لوضع النساء وكبار السن من العائلة في عربة صغيرة أقلّتهم إلى ذلك المكان، فيما وصلَ الرجال إلى ذلك المكان، وهو منزل أحد أقارب العائلة، مشياً على الأقدام.

وتحدث عن أهوال كبيرة واجهتهم خلال رحلة النزوح هذه، التي كانت في ساعات الليل، لافتاً إلى أن طائرات مسيرة من نوع “كواد كابتر” حامت فوق رؤوسهم هو والعديد من النازحين، وأطلقت النار بكثافة صوبهم.

وأكد فايق أنهم شاهدوا جثث شهداء في الشوارع، فيما لم يستطع أحد منهم، بسبب الخوف، وعدم توفر أيّ وسيلة نقل، من حملهم من تلك الأماكن، التي بدأ جيش الاحتلال عملية برية فيها.

وسار هذا الشاب وعدد من أفراد أسرته لمسافة تزيد عن الأربعة كيلو مترات، حتى وصلوا إلى مكان النزوح الثاني، لافتاً إلى أنهم لم يلبثوا سوى وقت قصير حتى تعرضت المنطقة التي وصلوا إليها إلى قصف جوي عنيف، أجبرهم على الخروج ليلاً في رحلة نزوح ثالثة إلى إحدى المناطق الواقعة شمال المدينة.

وأشار إلى أن مواطنين كثراً كانوا يصرخون في الشوارع خلال رحلة النزوح مع سماع كل غارة، وأن الكثيرين دخلوا في حالة عصبية سيئة وصرخوا بأعلى أصواتهم: “وين نروح”، لافتاً إلى أن أحد الرجال وقف في منتصف الشارع، وصاح بأعلى صوته والطيران المسيّرة فوق رؤوسهم: “خلص، مش قادر، الموت أهون”.

وهذا الشاب كان قد فقد والديه وعدداً من أخوته، في قصف جوي استهدف منطقة سكنهم، في الشهر الأول من الحرب، وتحدث عن خشيته من غارة جوية تفقده وشقيقته المتبقية الحياة، بسبب العملية العسكرية العنيفة لجيش الاحتلال، لافتاً إلى أنه بسبب هذا الخوف من الغارات أمضى يومين كاملين بدون أن يخلد، ولو لدقائق معدودة للنوم.

الأعنف منذ بدء الحرب

أما سعيد أبو محمد، الذي كان يقطن في حي الدرج منذ أكثر من ثلاثة أشهر، بعد أن دمر الاحتلال منزله ضمن مربع سكني غرب مدينة غزة، فقال لـ “القدس العربي” إن شدة القصف والغارات الجوية على حي الدرج، والتي لم يسبق لها مثيل، والتهديد بعملية برية جديدة، أجبرهم على النزوح القسري من جديد إلى حي الشيخ رضوان.

وأشار إلى أن قوات الاحتلال استخدمت غارات “الأحزمة النارية”، وهي غارات تستهدف مربعاً سكنياً بأكثر من صاروخ في آن واحد.

وتحدث عن تفاصيل القصف الجوي الجديد، وقال إنه في كثير من المرات، كانت الطائرات الإسرائيلية تطلق 30 صاروخاً بشكل متتال على المربعات السكنية، فتحدث أصوات انفجارات كبيرة لم يسبق أن سمعت خلال فترة الحرب السابقة.

ويخشى هذا الرجل الخمسيني من توسع نطاق الهجوم البري الإسرائيلي ليطال مناطق نزوحهم الجديدة، خاصة بعد توسيع رقعة الهجوم من حي الشجاعية ليصل لغالبية أحياء مدينة غزة.

وتحدث عن مأساة حقيقية لعشرات آلاف المواطنين في هذا الوقت، بسبب النقص الحاد في المواد الغذائية، لافتاً إلى أنه منذ يومين لم يدخل جوفه إلا القليل من كسرات الخبز، وأنه بحث كثيراً عن سلع غذائية دون أن يجد منها شيئاً، وفي “مراكز الإيواء” لا يتوفر في هذا الوقت أي أطعمة، وأن القليل من الأسر خرجت ببعض المعلبات عند النزوح، بما يكفيها في أفضل الحالات ليومين فقط.

ونقل ما شاهده بعينيه من مأساة النازحين، ببيات الكثير من الأسر التي تضم نساء وأطفالاً في الشوارع، وقال إن من بينهم من استند إلى جدران منازل وغفا لبعض الوقت، وأمضى آخرون يومهم تحت أسقف منازل مدمرة بسبب غارت سابقة ومعرضة للانهيار.

الأطفال بكوا جوعاً

وقالت أم محمد الحلو إن هناك أطفالاً بكوا بسبب الجوع، خلال رحلة النزوح الحالية، وقد أكدت هذه السيدة، كما غيرها من سكان مدينة غزة، أن أكثر العائلات حظاً، خرجت بالقليل من الطعام، وأن حالة الخوف الشديد بسبب القصف والتوغل المفاجئ، دفعتهم للخروج دون أخذ أي من الاحتياطات والاحتياجات التي تساعدهم قليلاً على التعايش مع الوضع الجديد.

وحسب روايات الشهود، فقد قضى بعض أرباب الأسر في رحلة النزوح، وهم يحملون أكياساً فيها القليل من الأطعمة، ولم يتمكنوا من إيصالها لأسرهم.

أما يوسف الشيخ (25 عاماً)، الذي ينزح مع أسرته منذ خمسة أشهر في أحد المنازل الواقعة على أطراف حي الدرج، فقال إن الجميع في تلك المنطقة يتوقع الموت في أي لحظة، وقد تحدث عن غارات جوية تهز منطقة سكنهم على مدار الساعة.

وقال إن الكثير من سكان الحي اضطروا للنزوح شمال المدينة، وآخرين أبلغوا أنهم سيمضون في رحلة نزوح إلى وسط قطاع غزة، مؤكداً أن أسرته، كأسر أخرى، فضّلت البقاء في المكان، لعلمها بعدم وجود مكان لها في منطقة النزوح الجديدة شمال المدينة.

وأوضح هذا الشاب أنهم حاولوا الاتصال بجيرانهم الذين قرروا النزوح إلى وسط القطاع، دون أن يتمكنوا من ذلك، بسبب سوء شبكة الاتصالات الخلوية.

وقال بحرقة: “وين بدنا نروح، ما ظل مكان آمن في غزة، كل المناطق حتى اللي بيطالبونا نروح عليها بتتعرض لقصف ومجازر”.

وكان المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، فيليب لازاريني، أكد من جديد أنه “لا يوجد مكان آمن في غزة”.

الكلاب تنهش النازحين

وفي السياق، أكد نازحون، وصلوا بصعوبة إلى مناطق وسط غزة، المكتظة بالأساس بالنازحين، منذ بدء العملية البرية ضد مدينة رفح، أن كلاباً بوليسية لجيش الاحتلال لاحقتهم خلال رحلة النزوح على طول شارع الرشيد، ونهشت أجسادهم.

وأشار أحدهم إلى أن هول الموقف في مدينة غزة، هو ما أجبرهم على النزوح إلى مناطق وسط القطاع، بعد أن كانوا يرفضون فكرة النزوح طوال الأشهر الماضية، موضحاً أنهم تفاجأوا بحصارهم من قبل جنود الاحتلال عند وصولهم إلى منطقة تقع على بعد مئات الأمتار من ميناء الصيادين، حيث قام الجنود بالاعتداء عليهم بالضرب.

وقد روى ما شاهده في رحلة النزوح المريرة، مؤكداً أنهم شاهدوا ضحايا سقطوا بنيران الاحتلال في الشوارع، بسبب تعرض هؤلاء النازحين إلى إطلاق نار من قبل جنود الاحتلال، لافتين إلى أن جنود الاحتلال أخضعوهم لتحقيق قاسٍ عند حاجز “نتساريم”، الذي يفصل شمال القطاع عن جنوبه.

وكان جنود الاحتلال الذين توغلوا بشكل مفاجئ في مناطق جنوب مدينة غزة، قاموا باعتقال الكثير من المواطنين من تلك الأحياء، وأجبروهم على النزوح القسري لوسط القطاع.

وطالب المكتب الإعلامي الحكومي المواطنين بعدم الانصياع لدعوات الاحتلال الإسرائيلي بالنزوح من مدينة غزة للجنوب، وقال المكتب الإعلامي إن ما نشره الاحتلال من دعوات للنزوح وخرائط تضليلية، يدّعي فيها أن الجنوب مناطق “آمنة”، كاذب، ويحمل خطورة بالغة على حياة المواطنين.

وأكد أن الاحتلال يهدف من وراء الدعوات الزائفة إلى استدراج المواطنين إلى “أفخاخ الموت والقتل والإعدامات الميدانية، على غرار ما جرى بشكل مُتكرر بعشرات عمليات الإعدام الميداني للمواطنين الذين حاولوا النزوح على شارعي الرشيد غرب مدينة غزة، وعلى شارع صلاح الدين شرقي المدينة”.

وأوضح أن الاحتلال دعا المواطنين للنزوح نحو الوسطى والجنوب، ثم أعدمهم بدم بارد فور وصولهم إلى الحواجز العسكرية، وأطلق عليهم النار، وأوقع بين صفوفهم عشرات الشهداء ومئات الجرحى.

وأضاف: “إن تكرار الأخطاء الفادحة والمأساة يجعل المواطنين يدفعون ثمن ذلك دماءهم وأرواحهم وحياتهم، وأن مخططات الاحتلال مكشوفة ومفضوحة وظاهرة لكل أبناء الشعب الفلسطيني”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية