حضارة زالت

حجم الخط
0

أذهلني ما يحدث في سورية، إنها ليست حرباً، إنه تدمير لحضارة، ظهرت بوضوح من خلال قطع رأس أبو العلاء المعري وتدمير ضريح الصحابي عمار بن ياسر… قطع رأس المعري، أي قطع رأس الحضارة التي أثرت في أوروبا عصر النهضة، المعري الذي أثر بأوروبا نفسها، وكان من المساهمين في نهضتها عبر تأثر دانتي أبو النهضة الاوروبية به. المعري الذي كان احد أحجار نهضة العالم التي نراها اليوم، وإسقاط العصور المظلمة في الغرب، يقطع رأسه في سورية! والصحابي عمار بن ياسر يدمر ضريحه في الرقة في سورية، وتمثال يوناني من العهد الاغريقي يفجر وآخر من عهد الرومان يتلف، ومكتبة حلب العامة تسرق وتحرق، والمسجد الاموي في حلب يحرق بمخطوتاته، والجامعات والمدارس تقصف ويقتل الطلاب في مقاعدهم الدراسية!
والمصانع تدمر وتسرق، والاسواق التراثية تحرق وتنهب! إنه نهب للحضارة وتدميرها وإحراقها على مرأى ممن يسمون أنفسهم ببلاد الديمقراطية والحضارة، على مرأى ومسمع من عالم عربي جامعته العربية ماتت منذ زمن بعيد ولم يبق منها الا هيكل عظمي..
ويقولون حرب؟ هذه ليست حرباً، انها صراع بين عصر النهضة العربي الإسلامي العالمي وعصر الظلمة والظلام الامريكي الاسرائيلي ومن يتبعه …
انها حرب اما ان يكونوا، شياطين هذا العصر، او نكون بقايا حضارة مهشمة، شاركنا في بيعها عندما أترف كبارنا وناموا على أسرة الحرير …
منذ اليوم الاول الذي سلم فيه معاوية السلطة الى ولده القاصر يزيد، انتهت الدولة الاموية،
منذ اليوم الذي سقط فيه احمد عرابي في مصر ، سقط مصطفى كامل وسعد زغلول وجمال عبد الناصر …منذ اليوم الذي قتل فيه عبد الحميد الثاني جمال الدين الافغاني وعبد الرحمن الكواكبي سقطت الامبراطورية العثمانية بيد اليهود الدونمة …منذ اللحظة التي قبل بها الشريف حسين الاتفاق مع مكماهون، كانت ميسلون وسقطت دمشق وقسمت سورية …
إننا نكرر نفس الأخطاء عبر التاريخ، التاريخ لا يعيد نفسه، الا ان الفشل الفكري السياسي العربي لايزال هو هو على مر التاريخ …فشل في التاريخ والسياسة والمعرفة التي تدل على شعوب أصابها الخمول حتى أترفت وسكرت ولاتزال…
وها هو بلفور ومن ورائه مارك سايكس وجورج بيكو، ونابليون وقورش الفارسي الذي أعطى أول وعد لليهود في فلسطين، يقفون على جبل صهيون قرب القدس، يراقبون سقوط دمشق في حرب استنزاف، وسقوط باقي العرب، من سيوقف رقصات تيودور هرتزل في قبره التي لا تتوقف؟ من سيوقف يهوذا العصر قبل ان يخون السيد المسيح من جديد؟
من سيقول أو يتجرأ أن يبلغ أن صلاح الدين الايوبي كان كردياً ولم يكن عربياً؟ وأن بطل عين جالوت الذي أوقف المغول ودحرهم كان من المغول وليس عربياً؟ وأن عماد الدين زنكي الذي أسقط اول امارة صليبية لم يكن عربياً ؟ وأن العرب زالوا منذ زمان قبل سقوط بغداد بيد هولاكو عام 1258؟
من سيقول لأجيالنا، أن أجدادنا العرب هم من أسقط الدولة العربية وخلافتها منذ معاوية والمنصور؟ بل أن معاوية هو من أورثنا الفشل تلو الفشل تلو الفشل …إنه لا تاريخ والأفضل ألا تقرأوه ، فرأس أبو العلاء المعري الذي ادخل الحضارة الى الغرب قطعت في سورية.
طارق شمس لبنان النبطية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية