حزب البعث محكوم لا حاكم و تيتانك السلطة الي غرق!!

حجم الخط
0

حزب البعث محكوم لا حاكم و تيتانك السلطة الي غرق!!

أ.د. محمد أحمد الزعبيحزب البعث محكوم لا حاكم و تيتانك السلطة الي غرق!! تعرض ويتعرض كاتب هذه المقالة، وفي هذه المرحلة القلقة من حياة النظام السوري الراهن، تلك الحياة التي قاربت الجيل الكامل (والذي هو بموجب عبد الرحمن بن خلدون أربعون عاما)، إلي عدد من التساؤلات عن رأيه فيما يجري في دمشق وحولها، وإلي م (بالفتح) سينتهي بنا / ببلدنا المطاف ؟ ورغم أن بعض هذه التساؤلات لم يكن بريئا، فإن الكاتب كان لا يتوقف عند هذا الأمر، ويقول كل ماعنده بصراحة ووضوح، وهو ماسيحاول القيام به في هذه المقالة، التي سيغلب عليها الطابع المنهجي، ولكن وفق المفهوم الخاص بالكاتب.1تقوم وسائل الإعلام العربية، ولا سيما الفضائية منها ــ وان علي درجات متفاوتة ــ بتضليل القارئ والسامع والمشاهد العربي وليس تنويره، أو بتعبير آخر إخفاء الحقائق عنه، وليس كشفها له، وتبدو هذه النقيصة الإعلامية بارزة للعيان عندما يتعلق الأمر بالجانب السياسي المحلي منه أو العربي أو الدولي.إن السبب الكامن وراء هذه الخصيصة للإعلام العربي الراهن، هو القاعدة الشعبية المنطقية التي تقول إن من يأكل من خبز السلطان لابد وأن يضرب بسيفه ، ولا أراني بحاجة إلي توضيح أن الغالبية الساحقة من الجماهير العربية، ومن القوي السياسية النظيفة والنزيهة الممـــثلة لهذه الغالبية والمنبثقة عنها ،إنما تعيش عمــــليا علي خط الفقر زيادة أو نقصانا، وبالتالي فإنه قد لايمكنها شراء الجريدة اليومية، فما بالك بشراء الآلات التي تطبعها، وبقية مستلزمات إخراجها، وما بالك بوسائل الإعلام المليونية الأخري التي لا يستطيع امتلاكها وتشغيلها سوي الدول الغنية، وفي بعض الحالات الأشخاص الأثرياء؟إن مايرغب الكاتب قوله هنا، أنه إضافة إلي التعقيد والجمود السياسي والإجتماعي والإقتصادي والثقافي في الوضع العربي عامة والسوري خاصة، فإن الإعلام العربي والسوري، إنما يزيد طين هذه الإشكالية بلّة، وبالتالي فهو لايساعد علي أن يكون المسؤول في كثير من الأحيان بأعلم من السائل.2تتداخل في الأحداث الجارية علي الساحة العربية عامة وفي القطر العربي السوري خاصة ــ الذي هو موضوع هذه المقالة ــ الأسباب مع النتائج بصورة يصعب معها معرفة سواء ماجري ويجري أو ماسيجري في دمشق. فالظواهر الإجتماعية لاتأتي من العدم، وإنما هي نتيجة لسبب ما أو لجملة أسباب، منها ماهو رئيسي وجوهري ومنها ماهو ثانوي، والتي (أي النتيجة) سرعان ما تتحول بدورها إلي سبب جديد لنتيجة جديدة (جدلية السبب والنتيجة). ويتمثل الدور الأساسي للباحث الإجتماعي ولعالم الإجتماع هنا في سبر غور الظاهرة الإجتماعية المعنية (ماذا جري ويجري وسيجري في دمشق مثلا) للوقوف علي السلسلة السببية، والتمييز بين ماهو رئيسي وما هو ثانوي في هذه السلسلة.إن اختلاط الحابل بالنابل في دمشق، والذي يتجسد اليوم، بالتداخل بين العوامل الداخلية والخارجية، وبين الاستراتيجية والتكتيك، وبين النظرية والممارسة، وبين القول والفعل (أسمع كلامك يعجبني أشوف افعالك أستعجب)، وبين الصدق والكذب، وبين الأب والإبن، وبين الحزب والطائفة، وبين الياقات البيضاء والزرقاء والكاكي، وبين النحر والانتحار، وبين المقاومة والإرهاب، وبين الديمقراطية والديكتاتورية، …الخ، نقول إن هذا التداخل والتشابك إنما يجعل طريق الباحث السوسيولوجي النزيه والجاد محفوفا بالمخاطر والأشواك، وإشارات الإستفهام بل وربما المسائلة (القانونية!) التي قد تقوده إلي السجن، كما هي الحال مع الدكتور عارف دليلة ومن معه من مناضلي ربيع دمشق (العشرة الأفاضل)، وكما قد تكون عليه الحال مع نشطاء إعلان دمشق في مقبل الأيام. وإذا ماتوقفنا قليلا عند الوضع الحالي في سورية (والتي أطلق عليها سماحة الشيخ حسن نصر الله سورية الأسد )، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا بوضوح ودونما التباس : هل إن مانحن فيه الآن في سورية، من ذلّ وهوان وانكسار وانكشاف، والتحول المؤسف من دولة عربية المحتد، وحدوية الهوي، ديمقراطية التوجه، فعالة ومؤثرة، إلي دولة وراثية، دولة للصمت الذي لا يقطعه سوي التصفيق الحاد، والردح المعيب، ونعيق بالروح بالدم، وهدير الطائرات بين دمشق وفيينا، وهي تنقل من سمموا العلاقات القومية والأخوية بين سورية ولبنان للمثول أما لجنة التحقيق الدولية، ونداء الآباء والأمهات الذين تتعانق أصواتهم ودموعهم عبر الأسلاك الشائكة في مدينة القنيطرة عاصمة هضبة الجولان السليب !!، نقول : هل ان كل هذا (وغيره الكثير) هو نتيجة لهيمنة فئة عسكرية معروفة علي السلطة في دمشق، أم أن هذا الذي وصلنا إليه بات يمثل الزاد (السبب) الذي تتغذي عليه ومنه هذه الفئة، وهو مايفسر ولوغها في غيها والذي بدأ بتغييب الشعب، وانتهي بالتنازل عن لواء الإسكندرون، وبالسكوت علي احتلال الجولان، مرورا بنقيصة الإشتراك في الحرب علي العراق إلي جانب أعداء العروبة والإسلام في حفر الباطن. ناهيك عن النقائص والخطايا الأخري، التي لاتمثل مذابح حماه وحلب وجسر الشغور، وكذلك القانون 49 لعام 1980 السيئ الذكر، سوي مجرد حلقات في سلسلة الإرتكابات التي يختلط فيها السبب مع النتيجة، والتي تسمح للمعارضة وللموالاة بأن يغني كل علي ليلاه .إن الإختلاط بين السبب والنتيجة هنا يتمثل أساسا، في التداخل بين الظاهر والباطن في سياسة النظام، تلك السياسة التي سمحت للأب وهي تسمح الآن للإبن، وبالتالي للنظام الحالي في دمشق، بأن يرفع بإحدي يديه، ومن فوق الطاولة السيف والعصا ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، في الوقت الذي يعتقد الكثيرون أنه يقدم لهما بيده الأخري ومن تحت الطاولة باقات السلام والإستسلام !!. تري ما ومن هو السبب، وما ومن هي / هو النتيجة في هذه اللعبة القذرة العابرة الحدود والقارات، تلك اللعبة التي سبق لبوش الأب والأسد الأب أن لعباها، ويقوم ابناهما الآن بمتابعة هذه اللعبة، وفق الشروط التي حددها لهما الأبوان؟3إن الحديث عن لعبة عابرة للقارات، يحيلنا عمليا إلي مايعرف منهجيا بالعلاقة الجدلية بين الداخل والخارج، من حيث أن العالم بات كما يقال عبارة عن قرية واحدة، وذلك في ظل شبكات الإتصال والإعلام، وفي ظل عالم الكومبيوتر والإنترنت، وبات بالتالي التأثير المتبادل بين الأمم والدول والشعوب أمرا واقعا لا مفر ولا مهرب منه. ان ماينبغي الإشارة إليه هنا، هو أن الطرفين الداخلين في علاقة تبادلية بينهما (كما هي الحال بين الأنظمة العربية الراهنة والولايات المتحدة الأمريكية) لا يشترط أن يكونا متساويين في وزنهما السياسي و/ أو العسكري و/ أو الاقتصادي و/ أو الثقافي و/ او الديمغرافي و/ أو الجغرافي ،الأمر الذي لابد وأن ينعكس علي العلاقة الجدلية بينهما، بما يحولها من علاقة ذات اتجاهين (أخذ وعطاء) إلي علاقة ذات اتجاه واحد يكون فيها المرسل هو القوي والمتلقي هو الضعيف. وعادة مايتم إخفاء هذه العلاقة غير المتوازنة من قبل الطرفين باللجوء إلي الحيل اللفظية، وإلي عرض العضلات الشكلي والخالي من أي مضمون عملي وواقعي بالنسبة للجانب الضعيف (العنتريات التي ماقتلت ذبابة : نزار)، إضافة إلي القيام ببعض الإجراءات التنموية المظهرية التي تصب في طاحونة الفئات الاجتماعية المرتبطة بالخارج، ومن هذه الطاحونة (الوطنية)! تنساب إلي طاحونة الطرف الخارجي القوي (أمريكا).4وفي تطبيقنا لما أوردناه أعلاه حول العلاقة الجدلية بين الداخل والخارج، علي مايجري في سورية هذه الأيام، وبالذات منذ الإحتلال الإنكلو ـ أمريكي للعراق الشقيق، فإن الإجابة العلمية الصحيحة هنا، تبقي ـ من وجهة نظرنا ـ رهنا بمعرفة كافة الأبعاد الحقيقية للعلاقة من جهة بين النظامين السوري والإيراني، ومن جهة أخري بين كل من هذين النظامين والولايات المتحدة الأمريكية، وبدون هذه المعرفة لا يمكن للباحث أو المهتم أن يقدم رأيا سليما بعيدا عن المزايدة وعن أن يهرف بما لا يعرف.لقد سمع الكاتب بام عينيه وأذنيه رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية السابق محمد خاتمي يقول مامعناه إن أمريكا تعرف أنها بدون المساعدة الإيرانية لها ماكانت لتقدر علي احتلال أفغانستان والعراق !، وسمع الكاتب من جهة أخري، و أيضا بأم عينيه وأذنيه الرئيس الحالي السيد محمود أحمدي نجاد يؤكد علي ضرورة مسح إسرائيل من علي الخارطة، وعلي عدم صحة أسطورة الهولوكوست اليهودي.إننا هنا أمام موقفين متناقضين لنفس الجهة، فأيهما نصدق، وأيهما نكذب ؟، أم أن الأمر يدخل في باب التكتيك المشروع، من أجل كسب الوقت للوصول إلي القنبلة النووية الإسلامية الضرورية لتحقيق التوازن الإستراتيجي بين إسرائيل وإيران، وبالتالي العرب والمسلمين.إن الكاتب لايملك هنا إلاّ أن يرجئ رأيه حول حقيقة العلاقة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية من اليوم إلي الغد، حيث (ستبدي لك الأيام ماكنت جاهلا / ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد).5أما بصدد النظام السوري، فليس هناك من لايعرف، أن القوات السورية قد دخلت لبنان عام 1976 بموافقة أمريكية وإسرائيلية، وأن هضبة الجولان المحتل تنعم بالهدوء غير الحذر منذ 1973 وحتي يومنا هذا !!، وأن أمريكا سكتت علي مذبحة حماه أسبوعين كاملين، وأن تعاون النظام السوري الأمني مع وكالة الإستخبارات الإمريكية CIA كان موضع إشادة مستمرة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وأن العدو الرئيسي لكل من البوشين والأسدين كان صدام حسين، وبما أن عدو عدوي صديقي ، فإن التعاون السياسي والأمني بين النظام السوري والولايات المتحدة الأمريكية لإسقاط نظام صدام حسين في العراق الشقيق كان من قبيل تحصيل الحاصل. ومن جهة أخري، فإنه ليس هناك من يجهل الآن أن النظام السوري في حالة اشتباك مقنن (خطوة إلي الأمام خطوتان إلي الوراء) مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأن سلاحه الفعال في هذا الإشتباك كان وما يزال تخويف الولايات المتحدة من البديل الذي قد يكون الإخوان المسلمين الذين هم أعداء الطرفين، وأيضا تذكيرها المستمر، بدوره الكبير في القضاء علي الإرهاب في سورية عبر القانون 49 لعام 1980، واستعداده الدائم للتعاون معها (أمريكا) في هذا المجال، سواء داخل سورية أو خارجها. ان الكاتب لايعرف ولا يعلم مدي أبعاد وجدية هذا الإشتباك السياسي بين نظامي واشنطن ودمشق، وخاصة أن واشنطن تقف وراء كل القرارات الدولية التي صدرت ضد النظام السوري مؤخرا، وبالذات القرارين 1559 و1336، وكذلك وراء دخول هذا النـــــظام في دائرة الإتهام في قضية الإغتيالات السياسية التي طالت عددا من الرموز الوطنية اللبنانية المعارضة للهيمنة السورية علي الشؤون اللبنانية، ولا سيما رئيــــس وزراء لبنان السابق المرحوم رفيق الحريري، والأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني الرفيق جورج حاوي، والتي ماتزال تنتظر تقرير اللجنة الدولية النهائي في هذا الموضوع.إن مجموعة هذه الوقائع المتناقضة، إنما تضع الباحث أمام إشكالية منهجية تتمثل في غياب المعالم البارزة والمؤكدة لحقيقة العلاقة بين النظامين السوري والأمريكي في هذه المرحلة، تلك الحقيقة التي لايري المرء منها سوي نصفها المعروض فوق الطاولة، بينما يغيب عنه نصفها الآخر الذي يخفيه الطرفان معا (وبالإتفاق ربما) تحت الطاولة، الأمر الذي معه لانملك ــ هنا أيضا ــ سوي أن نرجئ الإجابة والموقف حول هذا الموضوع من اليوم إلي الغد وإن غدا لناظره قريب ، أو بالتعبير الشعبي غدا تذوب الثلجة وتظهر المرجة .6يقتضي عنوان هذه المقالة (ويسألونك عن دمشق ؟) التوقف عند الإشكالية التي طرحتها تصريحات وتلميحات السيد عبد الحليم خدام الأخيرة التي بما أحدثته من ردود فعل سورية وإعلامية صارخة كادت تحل (بالضم) صاحبها محل المتنبي باعتباره مالئ الدنيا وشاغل الناس .ويري الكاتب هنا ضرورة أن يشير إلي معرفته الجيدة بالسيد خدام، ولكنها معرفة تعود إلي ماقبل مغادرته (اي الكاتب) سورية عام 1974 وكغيره من المواطنين السوريين، المقيمين في الخارج، كان الكاتب يسمع ويقرأ، عن حالة الفساد العامة التي عليها النظام السوري، ولاسيما في المجال الإقتصادي، والتي شملت هرم السلطة من هامة رأسه حتي أخمص قدمه، ومن الطبيعي ألا يكون عبد الحليم خدام استثناء في هذا المجال، أي أنه و بالإستنتاج المنطقي لابد وان يكون داخلا في خانة الفساد السياسي (التعاون مع نظام ديكتاتوري عسكري وطائفي أكثر من ثلث قرن من الزمان)، والفساد الإقتصادي الذي لا يختلف عليه لا القاصي ولا الداني.ناهيك عن الفساد القيمي والخلقي الذي سمح له بالوقوع في فخ الفساد السياسي والإقتصادي.هذا مع العلم أن الكاتب قد قرأ البيان الذي رد فيه نجلا السيد خدام علي ما أسمياه مسرحية مجلس الشعب والذي برآ فيه أباهما وبرآ نفسيهما من كل التهم الموجهة لهم بالفساد المالي، وأيضا من تهمة طمر النفايات السامة المعروفة في مكان ما من التراب الوطني. وللأمانة فإن دفاعهما بشأن النفايات السامة كان قويا ومقنعا إلي حد بعيد. إن ما أورده عبد الحليم خدام من تهم سياسية وإقتصادية للنظام السوري، الذي كان هو نفسه جزءا أساسيا منه وفيه إلي أمد قريب، إنما تمثل الشهادة التي ينطبق عليها قوله تعالي وشهد شاهد من أهلها ، وكان جديرا بمجلس الشعب، كي لا تنطبق عليه صفة مجلس الردح أن يتوقف عند التهم المحددة التي وجهها النائب السابق لرئيس الجمهورية، ويشكل لجانا للتحقيق في هذه التهم التي مسّت النظام من ألفه إلي يائه وبمن فيهم خدام نفسه.ويرغب الكاتب أن يشير حول هذه المسألة، إلي أن ترحيب البعض بانضمام عبد الحليم خدام إلي جهة المعارضة لنظام دمشق، إنما هو ترحيب مقبول، ولكن شرعيته تظل رهنا بمطالبة المعني بتقديم كشف حساب علني عن وضعه المالي، وبيان ماله وما عليه، وعندها فقط يصبح الترحيب به ليس مقبولا فقط وإنما مشروعا أيضا.إن خروج عبد الحليم خدام من عباءة النظام في دمشق اليوم، إنما هو خطوة إيجابية علي الطريق الصحيح، ولكن لابد من استكمالها غدا، بتطهير نفسه من الأدران التي لحقت به وبأسرته طوال تعاونه مع نظام نكتفي بما قاله هو عنه. وبانتظار هذا الغد الذي نرجو أن يكون قريبا، لانملك إلاّ أن نرحب بضيف المعارضة، أبو جمال، الذي نأمل من أصدقاء آخرين (يعرفون أنفسهم) أن يحذوا حذوه، بعد أن بدأت أسهمهم في البورصة السياسية تترنح، و بعد أن فقدت تيتانك دمشق توازنها، وبدأت تجتاحها أمواج التغيير الكاسحة، وبات مصيرها في مهب الريح.7لقد لفت نظــــر الكاتب أن عددا من المثقـــفين السوريين الذين ينتمون الي المعارضة ، يماهون في كتاباتهم بين النظام السوري وبين حزب البعث العربي الإشتراكي، قافزين بذلك فوق عدد من الحقائق التي أبرزها: أن قواعد الحزب ما فتئت تعيش منذ حل الحزب عام 1958، وإعادة إحيائه بين عامي 1961 و1963 صراعا داخليا مريرا، من جهة بين اليمين واليسار، ومن جهة ثانية بين المدنيين والعسكريين، ومن جهة ثالثة بين الروابط الأيديولوجية والعقائدية للعضو الحزبي، وبين روابطه القبلية والطائفية والجهوية، والتي تتناقض كليا مع مبادئ وقيم الحزب.علما أن الكاتب يري في هذا الصراع الحزبي، صراعا بين الذات (الانتماء العقائدي / الأفقي) والموضوع (الإنتماءات القبلية والطائفية والجهوية / الإنتماء العمودي)، وهو يحاكي في بعض صوره الصراع الذي شهده التاريخ المبكر للإسلام، حيث شهدت مرحلة الخلفاء الراشدين انتصار الذات علي الموضوع، بينما سجل استيلاء معاوية علي السلطة في دمشق انتصار الموضوع علي الذات، ولكن الإسلام بقي هو الإسلام في الحالتين. أن حافظ الأسد قد زج بأعضاء القيادتين القومية والقطرية (حركة 23 شباط 1966) في السجن عام 1970، وتناساهم المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان العربية والعالمية طيلة ربع قرن، حيث استشهد الرفيقان نور الدين الأتاسي (الأمين العام للحزب ورئيس الجمهورية) وصلاح جديد (الأمين العام المساعد لشؤون القطر السوري) في السجن، وحيث أن من أطلق سراحهم من أعضاء القيادتين مايزال محروما من جواز السفر وبالتالي من مغادرة البلاد، فكأنهم خرجوا من السجن الصغير إلي السجن الكبير. أن ارتداء عباءة حزب البعث من قبل النظام السوري (نظام سورية الأسد!)، إن هو إلا ورقة التوت التي أراد النظام أن يخفي تحتها عورته الطائفية والعسكرتارية.لقد كان عدد الأعضاء العاملين في الحزب عام 1966 بحدود الأربعة آلاف، وهم الآن بالملايين (ماشاء الله!)، إنه غثاء السيل الذي لا يسمن ولا يغني، وبالتالي فإنه من الظلم لهذا الحزب، أن نسبغ عليه صفة الحزب الحاكم (المادة الثامنة من الدستور)، علما أنه حزب محكوم، مثله في ذلك مثل مايسمي بالجبهة التقدمية، بل ومثل الشعب السوري كله المغلوب علي أمره. أن من قام بحل حزب البعث في العراق هو الحاكم العســــكري للعراق بريمر ، والذي أسس لجنة اجتثاث البعث وأوكل أمرها إلي أحد عملاء المخابرات المركزية الأمريكية (أحمد الجلبي) أيضا هو بريمر ، فهل يرضي بعض الإخوة من مثقفي المعارضة بتياراتها الرئيسية الثلاثة (الإسلامين والليبــــراليين والماركسيين) لأنفسهم هذا الدور البريمري.إن حزب البعث العربي الإشتراكي كما نعرفه وكما نفهمه وكما أراد له مؤسسوه أن يكون هــــو بريئا من هذا النظام الطائفي في دمشق، براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام. إن حزب البعث في القطر العراقي بجناحيه العسكري والمدني، يقف اليوم في طليعة المقاومة العراقية الباسلة للإحتلال الإنكلوـ أمريكي، تلك المقاومة التي حفظت وتحفظ للعرب جميعا ومنهم الإخوة الذين يماهون بين النظام السوري الراهن وحزب البعث كرامتهم في هذا الزمن العربي الرديء.إن حزب البعث في القطر السوري، لن يكون ـ علي مانظن ونأمل ـ بأقل من شقيقه العراقي دفاعا عن الوطن والأمة عندما تدق ساعة حي علي الكفاح .8بقي أن نقول أن المعارضة الوطنية اللبنانية، التي انبثقت عن اغتيال الشهيد رفيق الحريري، كثيرا ماتقع بدورها بنفس مطب الخلل المنهجي عندما تماهي هي أيضا بين سورية الشعب والدولة، وبين النظام المتهم باغتيال المرحوم الحريري. ان الشعب السوري أيها الرفاق اللبنانيون هو شعب مضطهد مثلكم من قبل نفس النظـــــام، ونفس الأشخاص، وهو يشارككم نفس الآمال والآلام، ومن الطبيعي أن ينعكس هذا التماهي بين الشعبين العربيين في خطابكم السياسي والإعلامي.إن خسارتكم في رفيق الحريري وسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وغيرهم من الرموز الوطنية اللبنانية، هي خسارة لنا أيضا، ولا بد أن تتكاتف جهودنا معا لدحر هــــذا الإرهاب المنظم أيا ً كان مصدره.ہ أستاذ جامعة ووزير سوري سابق8

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية