حروب وليد جنبلاط الهوائية
ياسين معتوقحروب وليد جنبلاط الهوائيةالكتابة عن الأستاذ وليد جنبلاط مسألة ليست سهلة، وكانت حتي وقت قريب خطا أحمر تقريبا، عند الذين يحفظون الجميل لوالده الزعيم الراحل كمال جنبلاط، الزعيم الوطني الذي تجاوز الحدود اللبنانية وثبّت لنفسه موقعا بين الزعماء الوطنيين العرب بامتياز، كيف لا، وهو مؤسس الجبهة الشعبية العربية المساندة للثورة الفلسطينية، والمقاتل من أجل لبنان عربي ديمقراطي موحد. لكن الأستاذ وليد وريث الزعيم كمال جنبلاط، وحامل إرثه خرج علي المألوف وتجاوز كل الحدود في حروب دونكشوتية لا يعرف أحد بعد أهدافها الحقيقية. فهو يخوض معاركه علي أكثر من جبهة، مع سورية، وإيران، وحزب الله والقضية الفلسطينية، ولأن هذه الحروب تحمل في طياتها تراجعا أو تنازلا عن إرث وتراث كمال جنبلاط، لا بد من وقفة معها لعلّ الأستاذ وليد جنبلاط يستعيد ذاكرته التي ضعفت وراح ينزلق في طريق مدمرة لما أسس كمال جنبلاط، ولطائفة الموحدين الدروز في لبنان.أولي حروب الأستاذ وليد بدأت ضد سورية، مبررا ذلك بإخراج القوات السورية من لبنان، ومعرفة الحقيقة في عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وهو الذي سجّل سبق توجيه الاتهام في هذه العملية لسورية، قبل بدء التحقيق أو الأخذ بعين الاعتبار أن هناك جهات أخري لها مصلحة في غياب الحريري، ربما ارتكبت هذه الجريمة بهدف الفتنة وإشاعة الفوضي في لبنان علي أساس القرار 1559، فإذا كانت هذه مبرراته للحرب علي سورية، فسورية سحبت قواتها من لبنان، وأعلنت استعدادها للتعاون مع لجنة التحقيق الدولية في عملية اغتيال الحريري، فما هي مبرراته بعد الانسحاب السوري؟ حيث استمر بحربه وصولا إلي طرح شعار إسقاط النظام السوري، ودعوة الإدارة الأمريكية لتفعل مع سورية، ما فعلت في العراق! ويختم في مقابلة أجرتها معه قناة المستقبل اللبنانية بأن عدوه الآن ليس (إسرائيل) وإنما سورية!لقد بات واضحا أن الأستاذ وليد جنبلاط ذهب بعيدا بحربه علي سورية، وليس علي أساس مبرراته المذكورة، وهو الذي فقد مبرراته هذه بعد الانسحاب السوري من لبنان، وصارت حربه لأهداف أخطر وأبعد من هذه المبررات وإلاّ كيف يسمح لنفسه بالتدخل في الشؤون الداخلية السورية حين يطرح شعار إسقاط النظام ولمصلحة من؟ طالما كانت شكواه ورفضه للوجود السوري بمبرر تدخل سورية في الشأن اللبناني الداخلي عندما كانت قواتها علي الأرض اللبنانية بتغطية عربية ومتوجة باتفاق الطائف. وهل نصّب السيد جنبلاط نفسه بديلا للمعارضة السورية والشعب السوري الذي ينصحه بتأمين الدعم الخارجي لإسقاط النظام! ثم أن دعوته الإدارة الأمريكية بتكرار تجربتها في العراق مع سورية احتلالا وتفكيكا لا تندرج تحت أي هدف وطني، بل العكس فهي تندرج وتنسجم تماما مع أهداف المحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية بصياغة خارطة جديدة للمنطقة لتحويلها إلي كانتونات علي أسس اثنية، طائفية، وقومية لتأمين أمنٍ دائم للكيان الصهيوني، ومزيد من نهب ثروات المنطقة. أما ما يتعلق بتصنيفه معسكر أعدائه بسورية وليس (إسرائيل) فإنها تشكّل طعنا غادرا بظهر الشعب الفلسطيني أولا وأبناء الأمة العربية وقواها الوطنية المناضلة من أجل حق الفلسطيــني لتحرير أرضه وعودة اللاجئين إلي ديارهم قبل أن تكون موجهة إلي سورية. ثاني حروب السيد جنبلاط، تنصب علي حزب الله، وسلاح المقاومة الذي نعته بسلاح الغدر حين قال بالصوت والصورة أن قوي 14 آذار (مارس) أقوي من سلاح الغدر الذي يملكونه تحت اسم التحرير!، ودأبه علي تجريد حزب الله من وطنيته ولبنانيته واتهامه بالعمل لصالح إيران!!، وهنا لا بد من تذكير الأستاذ وليد بأنه قام في وقت سابق وليس بعيد بزيارة إلي إيران مراهنا علي وساطة إيرانية للتصالح مع سورية، فماذا جدّ ليفتح النار علي إيران؟ لا شكّ أن الكثيرين من أبناء الأمة وأنا منهم لا نتفق مع إيران علي دورها في العراق، ونرفض هذا الدور، ولكنا نتفق مع إيران في عدائها للكيان الصهيوني، ونسجّل إعجابنا بجرأة الرئيس الإيراني، ونقف إلي جانب إيران في مواجهتها مع الإدارة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية حول ملفها النووي وحقها في امتلاك التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية، مقابل الترسانة النووية الصهيونية المسكوت عنها من المجتمع الدولي والمدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، ثم أن لا أحد يتنكر للدعم الذي قدمته إيران لتحرير جنوب لبنان من الاحتلال الصهيوني، أما أن سلاح المقاومة سلاح غدر كما نعته السيد جنبلاط فهذا هــــراء، وافتراء لأن سلاح حزب الله والمقاومة لم يوجه يوما ولا استخدم في الداخل ولم يتورط بقطرة دم واحدة في صراعات داخلية، لم تتوقف في لبنان، وهذا شيء يعرفه الأســـتاذ وليد جيدا، وهو الذي دأب دائما علي امتداح المقاومة والشراكة معها، والإلتفاف حولها وحمايتها في إجماع لبناني وعربي غير مسبوق، فهو لا يملك أي مبرر لمثل هذا الافتراء الذي لا يخدم مصلحة لبنان الوطنية، بل يسهم في تعميق الانقسام وصولا إلي ما لا يحــمد عقباه.وثالثُ حروب الأستاذ وليد جنبلاط، كانت علي القضية الفلسطينية التي لم تعد جزءا من واجباته الوطنية باعتبار أن (إسرائيل)، ليست عدوه الآن، وهذا شأنه. أماّ أنه ينعت الصراع العربي ـ الصهيوني بالكذبة الكبري، ونعته السلاح الفلسطيني سلاح عصابات في المغاور فهذا أمر لا يسكت عنه، وهو خط أحمر غير مسموح الاقتراب منه.من جديد نعود لنذكر الأستاذ وليد، بأن سلاح المقاومة الفلسطينية، كان له الفضل الأكبر إلي جانب سلاح الحركة الوطنية اللبنانية، وبدعم من الجيش السوري، في لبنان لتحرير الجبل من الاحتلال الصهيوني ودحر هذا الاحتلال دفع ثمنه أبناء الشعب الفلسطيني، مع أبناء الشعب اللبناني مئات الشهداء والجرحي، كما كان لهذا السلاح ودحر الاحتلال الفضل الأول في إسقاط إتفاق 17 أيار (مايو) المشؤوم، لم نكن نرغب في تذكير الأستاذ وليد جنبلاط، يوم دخل عليه شمعون بيريز في مقرّه بالمختارة بأن الفلسطينيين واللبنانيين لم يتقفوا عند ذلك أو يتحدثوا عنه بالسوء إكراما للزعيم كمال جنبلاط، والثقة التي أوليت له كوريث لتراث كمال جنبلاط. ولكن اليوم للضرورة أحكام فرضها علينا الأســــتاذ وليد، ولذا وجب التفكير.أما اعتباره الصراع العربي – الصهيوني، كذبة كبري فهذا مردود عليه من أبناء شعوبنا العربية التي قدّمت التضحيات الجسيمة والسخية علي مذبح هذا الصراع، انطلاقا من أن قضية فلسطين هي القضية المركزية لهذه الأمة. ولعل الأستاذ وليد يري ويسمع عن عذابات شعبنا الفلســـطيني تحت الاحتلال، ومقاومته الباسلة التي تحوز علي احترام الرأي العام العربي والدولي، لذا لا يحق له أن ينعت هذا الصراع بالكذبة الكبري. ولنسأل الأستاذ وليد ماذا فعل لأبناء مخيمات اللاجئين في لبنان الذين يعيشون دون مستوي البشر بسبب القرارات الجائرة بمنعهم من العمل في أكثر من 72 مهنة ليعيشوا حياة كريمة إنسانية؟ بدلا من الإدلاء بدلوه لما يزيده من بؤسهم وعذاباتهم.اما المشكلة التي جرت في حارة الناعمة والتي استغلها الأستاذ وليد جنبلاط لتشويه السلاح الفلسطيني، والتنكر لقضيته وصراعه مع العدو الصهيوني فهي حادثة فردية أكدتها الجبهة الشعبية، القيادة العامة، واعتذرت عنها وقامت بتسليم الفاعل إلي أجهزة الأمن اللبنانية، فلماذا الرقص علي هكذا حادث فردي وتهييج مجموعات بشرية للتظاهر ورفع الشعارات وإحراق الدواليب إن كانت النوايا حسنة وصافية؟وسؤال آخر إن كانت حروب الأستاذ وليد جنبلاط تنطلق من المصلحة الوطنية للبنان عربيا ديموقراطيا موحدا، فلماذا يتصدّر محاولات إفشال المبادرة السعودية لنزع فتـــيل الأزمة والانفــــجار تحت ذريعة أنها مبادرة سعودية رغم أن الأمير طلال بن عبد العزيز أكّد أنها مبادرة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز شخصيا، وبمن يستقوي الأستاذ وليد في كل ذلك؟يبدو أن حروب الأستاذ وليد ليست لها حدود ولا تنتهي رغم كل عمليات التبرير والتوضيح والشرح والتزيين التي يقوم بها الوزير غازي العريضي، لتقليص الخسائر لكنها تصطدم بذكاء المشاهد والمتلقي العربي وقدرته علي الفهم والتحليل. أخيرا إن حروب الأستاذ وليد جنبلاط الهوائية هي فعلا حروب دنكيشوت، الذي يحارب طواحين الهواء بلا فائدة، إلاّ اللهم الفتنة والتخريب، وخلق عدم الاستقرار في لبنان، ولكن نقول له رغم ذلك، ان لنا مصلحة أن يتراجع عن حروبه ويعود إلي الصف الوطني الذي قاده الزعيم الراحل كمال جنبلاط، واستشهد من أجله والحفاظ علي تراثه ناصعا لمصلحة لبنان والأمة.ہ كاتب من فلسطين يقيم في تونس 8