حدث ثقافي مهم لم يحظ باهتمام يليق به!

حجم الخط
0

حدث ثقافي مهم لم يحظ باهتمام يليق به!

معجم الفنانيين التشكيليين الأردنيين:إياد كنعانحدث ثقافي مهم لم يحظ باهتمام يليق به!ربما يكون المجلد الضخم الذي ضم بين دفتيه تعريفا بحوالي مائتين وثمانين فنانا تشكيليا أردنيا، والذي صدر مؤخرا عن وزارة الثقافة الأردنية، هو الأول من نوعه في الاردن، وربما من اوائل المعاجم التشكيلية في الوطن العربي، وخطوة كهذه تعتبر أساسية في توثيق الحركة الابداعية التشكيلية الاردنية عبر مسيرة امتدت لما يزيد عن نصف قرن، طالما طالب بها الفنانون، وطالما تلقوا وعودا بتحقيقها، ليندرج ذلك في سياق توثيق النتاج الابداعي والثقافي الاردني، وما يشكله ذلك من اهمية في سبيل حفظ الذاكرة الابداعية من الانقراض.لقد تحقق الانجاز اخيرا، ولسنا بحاجة للتذكير بالاهمية التي تنطلي علي عمل كهذا، كونه يعتبر مرشدا مصورا لاعمال عدد ليس يسير من الفنانين الاردنيين، عبر مسيرة تمتد لأكثر من نصف قرن، ابتداء من الفنانة فخر النساء زيد المولودة في تركيا، التي تعتبر من اولائل الطليعيين في الفن التشكيلي، ليس علي الصعيد المحلي والعربي فحسب، بل تعتبر اسما حاز شهرة عالمية في اواسط القرن المنصرم، مرورا بالفنان الاردني مهنا الدورة، والفنان توفيق السيد (1939 ـ 1996)، الفنان رفيق اللحام، الفنان كرام النمري، الفنانة وجدان العلي وغيرهم الكثيرون ممن حملوا الهم الابداعي، واخذوا بزمام المبادرة، متحملين أعباء تلك الحركة التي لم تزل تعاني من التهميش الي يومنا هذا.لقد استغرق هذا العمل الموسوعي من القائمين عليه لاعداده، فترة تجاوزت الثلاث سنوات، فتضمن المجلد الضخم والفاخر بصفحاته الستمئة واثنين وثلاثين، من القطع الكبيرالفاخر والملون، استعراضا للسيرة الذاتية، بالاضافة الي نماذج ملونة من اعمال حوالي مئة واربعين فنانا من مختلف الاجيال والاعمار والاساليب والتيارات، مرتبين ترتيبا هجائيا، في حين اقتصر ذكر اسماء البقية في آخر المعجم، رغم احتوائها علي أسماء فاعلة في الحركة التشكيلية الاردنية مثل الفنان والناقد غسان مفاضله، النحات أنيس معاني، الفنان رمزي السيد، الفنان علي ماهر وآخرين.لقد تضمنت افتتاحية المعجم التي كتبها الفنان والناقد الاردني عبد الرؤوف شمعون، وهو واحد من أعمدة الفن والنقد التشكيليين في الاردن، استنطاقا للحالة التشكيلية الاردنية، ووصف لها بحسناتها وسلبياتها، وكل اخفاقاتها واحلامها، ومما جاء فيها: … اعتمد هذا النتاج الهام علي قدر من التصور الشمولي في جمع ملامح وخصائص الفن التشكيلي في الاردن، الملامح والخصائص التي ظلت موزعة ومتناثرة لسنوات طويلة من زمن هذا الفن، واقع كهذا حجب الدلالة الاعلامية والفنية لمصطلح (حركة الفن التشكيلي المعاصر في الاردن)، لهذا يطل هذا المشروع بميزة فريدة في كونه وثيقة معلنة تشد الانتباه الي تقدير العمل التشكيلي، والي تعزيز مكانة الفنان، ثم باتجاه قراءة لغته البصرية بدرجة عالية من الوضوح والجدية، بما يسهم في تنمية الوعي الجمالي والارتقاء بالذائقة الفنية… ..اننا اذ نقوم بقراءة لهذا المعجم، لا نشك بحجم المجهود الذي بذل في جمع وتصنيف المادة الفنية التي تضمنها، ورغم الاهمية التي تنطلي، علي اصدار هذا المعجم، كما اسلفنا، الا أنه أغفل الكثير من اساسيات التوثيق السليم بالمعيار الحقيقي للكلمة، سواء لسير الفنانين، او اعمالهم بطريقة علمية، توفر مادة موسوعية تصلح للدراسة والبحث، علي شاكلة ما نراه في الاصدارات التشكيلية العالمية او حتي العربية، فخلو المعجم من أبسط أساسيات التوثيق السليم، مثل اغفال تحديد الفنانين المتوفين من غيرهم، وسنة وفاتهم، واغفال الكثير من تواريخ ميلاد الفنانين وخاصة الفنانات منهم، وتحديد نوع الاعمال المعروضه، المادة المستعملة، القياس، سنة الصنع، وغيرها من اساسيات التوثيق، يفقد المعجم الكثير من قيمته واهميته التي اعد من اجلها، ناهيك عن الاخطاء التي وردت فيه مثل استبدال سيرة فنان بسيرة فنان آخر، او وضع اللوحات مقلوبة بغير وضعها الصحيح، وغيرها من الاخطاء، مما دفع الوزارة الي ايقاف توزيعه، واعادته للمطبعة التي قامت بلصق صفحات جديدة فوق بعض الصفحات التي تضمنت اخطاء يمكن تداركها، ثم اعادة توزيعه، حيث اقتصر توزيعه علي الفنانين المشمولين في المعجم فحسب.ان خلو المعجم من الموضوعية في بعض جوانبه، والحيادية في جوانب اخري، خاصة في طريقة استعراض اعمال بعض الفنانين وسيرهم الذاتية، والمساحة التي افردت للبعض علي حساب البعض الاخر، بشكل يتناقض مع واقع الحركة التشكيلية اولا، يعكس جانبا قاتما لما جاء في ختام الافتتاحية التي نصت علي: (….. ان ما يتضمنه معجم الفنانين التشكيليين الاردنيين من اعمال فنية ما هي الا نماذج اختيرت لتتناسب مع خبرة كل فنان، ومع ما قدمته تجربته من اثر في التشكيل الاردني).فالمتفحص للمعجم يجد انه لم يحقق الغاية التفاضلية في استعراض الفنانين بداية، وكما نصت الافتتاحية، وبشكل يعكس حقيقة الفنان بما يتناسب مع موقعه في الحركة التشكيلية، مع ذلك فلا نعتقد ان المعجم هو المكان المناسب لمحاكمة الحركة التشكيلية، او محاكمة الفنان نفسه، انطلاقا من مبدأ الوصاية الابوية علي النشاط الابداعي والثقافي، فالابداع الانساني يتعارض في الاساس مع فكرة الوصاية الابوية التي يغدق بها الكثيرون دون مبرر فني وعلمي مقبول، هو بكل حيادية وموضوعية، يجب ان يتضمن استعراضا لذلك المنجز الابداعي والانساني، وفق المعايير الفنية المتعارف عليها، سواء علي الصعيد العربي او العالمي، وعلي المتلقي او الدارس ان يحكم بنفسه، ووفق اطلاعه علي اهمية هذه التجربة او تلك، مع كل احترامنا وتقديرنا للقائمين علي المعجم، ولسنا في طور التشكيك في النوايا لا سمح الله، لكن في تقديري ان النوايا الطيبة لا تكفي لاصدار معجم يكون بحجم الحدث وبحجم المسؤولية ايضا.ان اعداد معجم من هذا النوع يستلزم من القائمين عليه اعلي درجات الحيادية والتجرد في التعامل مع المواد المنوي نشرها بطريقة تضمن تحقيق الغاية منه،فهي ليست مناسبة للاحتفاء بفنان علي حساب فنان آخر، او مكان لتقول ان هذا الفنان مهم وهذا الفنان اقل اهمية، فمفردة معجم تعني استعراضا حياديا وحقيقيا للمواد المنوي عرضها، وكما اسلفنا فالمتفحص للمعجم يلحظ ان طريقة استعراض الاعمال، لم تراع المكانة الحقيقية للفنان، بشكل ملفت للانتباه، فهل نفترض مثلا ان ذلك يدخل في اطار الاخطاء الكثيرة التي مني بها مجهود كهذا، ام انه يدخل في ابواب اخري لن اتناولها بالبحث هنا، ايا تكن النتيجة،فكان من الاجدر بالقائمين علي اصدار هذا المعجم مراعاة الامانة والدقة العلمية والموضوعية، والحيادية والتجرد فحسب، ودون التبرع بأي مؤثرات اضافية.هذا وان كنا في النتيجة لا نقلل من اهمية صدور معجم تشكيلي طال انتظاره، او نحط من قيمته،او من حجم المجهود الذي بذل في اعداده، وجمع المعلومات وتبويبها، وترتيبها، واخراجها بالصورة الانيقة التي وصلتنا، لكننا نعتقد انه كان من الاجدي التأني قليلا قبل طرحه للعامة، والحرص علي اخراجه بالشكل الذي يحقق الغاية منه، بعيدا عن هدر المال والوقت، مع اجلالنا وتقديرنا للاسماء التي شاركت في تحريره،كونها مجموعة من كبار الفنانين والنقاد الاردنيين، ممن عكفوا علي دراسة الحركة التشكيلية وتوثيقها، وبمجهودات شخصية في كثير من الاحيان،ذلك ان اخطاء مثل تلك ،كان من الممكن تجاوزها بشيء من التمهل والمراجعة.و رغم ما قوبل به هذا المنجز الابداعي الهام،الذي يضاف الي انجازات اخري هدفت الي الارتقاء بالحالة الابداعية والثقافية الاردنية، من فتور اعلامي ونقدي كعادة كل ما يخص منجزاتنا الابداعية في الاردن،فلم ارصد اي تعليق او قراءة نقدية حقيقية تضع العمل علي المحك الحقيقي من حيث تحقيق الغاية التي وجد من اجلها، ونحن اذ نواجه في الاردن اشكالية تاريخية فيما يتعلق بالنقد وشرعنته، الا انه ومن باب الاشهار، كان لا بد لكتابنا ونقادنا ان يتوجهوا بالقراءة المتأنية والواعية لذلك المنجز، من باب الحرص علي ما نقدمه للجمهور من سوية ابداعية يجب ان ترتقي الي حجم طموحنا الذي ننشد.فنان تشكيلي من الأردن0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية