حجاج حسن أدول النوبي الذي تؤلمه نوبيته!

حجم الخط
0

حجاج حسن أدول النوبي الذي تؤلمه نوبيته!

محمود قرنيحجاج حسن أدول النوبي الذي تؤلمه نوبيته!أثارت الجائزة الممنوحة للكاتب النوبي حجاج حسن ادول من مؤسسة ساويرس الثقافية لغطا واسعا في الوسط الثقافي المصري، ولا نعلم حتي الآن أكان اللغط يتعلق بالاعتراض علي قيمته الإبداعية، أم هو اعتراض علي ما تقول به علي مصر في مؤتمر أقباط المهجر الذي انعقد في الولايات المتحدة قبل حوالي شهرين.فقد اختلط الحابل بالنابل في معركة تسقط فيها كل الإسطرلابات العربية فنجد أنفسنا ـ كالعادة ـ وقد ضللنا الطريق.وما يستوجب التفرقة ـ مبدئيا ـ كون أدول كاتبا وكونه مرشحا لأدوار سياسية، ومن ثم يجب التسليم بحتمية الفصل بين الصراعين، فقد نحتاج إلي كاتب في موضع أدّول ومكانته لكننا نختلف معه علي المستوي الفكري، وقد نتفق ونتطابق مع موقفه الفكري لكننا لا نستطيع ـ بحال ـ وضعه مع زمرة الكتاب.وكنت قد قرأت، قبل أكثر من عشر سنوات، المجموعة القصصية الأولي لحجاج أدول التي حملت عنوان ليالي المسك العتيق وهي المجموعة التي رشحته آنذاك للفوز بجائزة الدولة التشجيعية. ولفرط روعة هذا العمل لا زالت أجواؤه الحميمية تعبق حولي كلما تذكرته.فقد حقق الكاتب عددا من معادلات السرد الصعبة، حيث استطاع، علي مستوي اللغة، الكشف عن قاموس شديد الخصوصية والعمق ولا يستطيع قارئ المجموعة إلا أن يثني علي الاستفادة الواسعة لحجاج من النثر العربي سواء في ركنه الصوفي أو في ركنه البلاغي، الذي تبدي لدي ناثرين كبار مثل ابن حزم وأبي حيان التوحيدي ومرورا بمصطفي صادق الرافعي وعبد القادر المازني وميخائيل نعيمة وغيرهم كثيرون علي طول وعرض الثقافة العربية.إلي جانب هذه اللغة التوليدية المشبعة استطاع أدول أن يكسر طوق الصمت الذي تفرضه البلاغة، حيث مكنته تجربته الإنسانية العميقة من الكشف عن كثير من تاريخه الشخصي المؤلم كنوبي ومواطن مصري عربي، وهو ما جعله في منجاة مما تعرضت له هذه الأنواع من الكتابة خاصة لدي الراحل إبراهيم فهمي، وسعد الدين حسن، ومحمد إبراهيم مبروك في مجموعته الأولي والأخيرة عطشي لماء البحر ، حيث كانت البلاغة المفرطة لدي هؤلاء سببا في تعثر السرد بما في ذلك تعطل الزمن، حيث تعمد اللغة إلي استبطان مشاعر، بدلا من الإسهام في نقل الحدث زمنيا، ورغم أهمية مشروع هؤلاء مجتمعين وتميز منجزهم، القليل والنادر، إلا أنهم ظلوا عرضة لمهالك ومخاطر كانت في الحسبان، فقد توقف سعد الدين حسن ومحمد إبراهيم مبروك عن الكتابة ومات إبراهيم فهمي وكان ما ينجزه قبل رحيله في الكثير من اجترار عالمه القديم، أما حجاج أدول فقد استمر في الكتابة حسبما أعرف لكنني لم أستطع متابعته بعد ذلك ربما بسبب طبيعة الأماكن التي تنشر أعماله، فهي غالبا محدودة التوزيع وربما طبع معظم أعماله فيما بعد علي نفقته الخاصة، لكن ما تواتر عنه فيما بعد هو الكثير من التراجع عن مكانته الإبداعية التي حققتها مجموعته الأولي، حتي أن كثيرين يتعاملون مع الرواية والقصة المصريتين دون تصنيف أدول علي أي نحو بين التصنيفات غير المحصورة.ولا أظن أن في الموقف شيئا من الاضطهاد الذي يشيعه أدول، فأستطيع، مثلا أن أحصي له عشرات الكتاب الكبار الذين لا يأبه بهم أحد في مصر وبالطبع في العالم العربي، ومن ناحية أخري لا يمكننا إنكار الجائزة الكبري لمؤسسة ساويرس علي الرجل لكونه يتحسس نوبيته، لكن ذلك يمكن نقاشه في إطار مجاورة مشروع أدول لكبار كتاب الرواية في مصر: محمد البساطي، خيري شلبي، جمال الغيطاني، وصنع الله إبراهيم، وهذا فقط هو الذي يمكننا مدي تقييم الجائزة موضوعيا.وفي كل الحالات فإن الأمر لا يقلل من قيمة أدول ولا قيمة الجائزة التي شهد كثيرون أن لجان تحكيمها نالت اكبر درجة ممكنة من حرية الاختيار دون أدني تدخل من هيئة الجائزة، وهي شهادة كتبها أحد أعضاء اللجنة وهو الروائي جمال الغيطاني.أما ما يثيره حجاج أدول من زوابع علي المستوي السياسي فهو شأن آخر أتصور أن النقاش حوله لا يصح بمعزل عن التهميش الذي شهدته تجربته الإبداعية طوال عقد ونصف العقد، لكنني علي جانب آخر لا أتصور أن هذه الديماغوجية التي تغلف خطبه لن تقربه أبدا من بؤرة الضوء، فإذا كان يتصور أنه يطلق صاروخا علي المشرق حتي يخاف المغرب سيكون قد أخطأ خطأ جسيما، فلا يجب أن يكون المأرب السياسي مسخرا للمأرب الإبداعي، والجدارة الوحيدة التي يمكن أن تأتيه ستكون من تميز مشروعه الإبداعي، ولن تكون أبدا عبر التهم المجانية التي يلقيها علي عابري السبيل هنا وهناك.ولست أنكر علي أدول حقه في إبداء رأيه واتخاذ الموقف السياسي الذي يراه ملبيا لاحتياجاته ومؤيدا لأفكاره، علي أنني لا أستطيع فهم رجل يملأ الدنيا ببكائياته علي النوبة السليبة ويؤكد أنه لن يعود إليها حتي في حال عودتها، ولن يغادر الإسكندرية التي ولد فيها، كما لا أستطيع فهم مشاركته في مؤتمر أقباط المهجر ليجعله منبرا للبكاء مجددا علي أطلال النوبة، وربما كنا استطعنا فهمه لو تحدث عن الاضطهاد الرسمي والسلطوي للأقباط في مصر، وهي القضية الجديرة بالمناقشة. وقد كان يشارك إلي جواره في المؤتمر عدد من المفكرين المصريين الذين تحدثوا بجرأة بالغة حول أوضاع الأقباط، وهو الأمر الذي لم يعترضه أحد، فلماذا كانت الاعتراضات واسعة علي أدول وخطابه؟لقد تحدث في المؤتمر الدكتور سعد الدين إبراهيم، وهو صاحب موقف جدير بالنظر والاحترام والمناقشة في مسألة الأقباط، وقال الرجل كلاما قد نختلف معه في مسألة المحاصصة الطائفية لكننا ـ بحال من الأحوال ـ لا نستطيع إنكار ما يتعرض له الأقباط من اضطهاد كأقلية، ولا ما يتعرض له الشعب المصري كله تحت نير حكم متسلط وشمولي، ينهج منهجا ينتقص من حقوق المواطنة لكل أفراد وفئات الشعب ولا يألو جهدا في التنكيل والعسف بكل من تسول له نفسه الاقتراب من كرسي العرش الذي بات عائليا بامتياز.إن مشكلة حجاج حسن أدول ـ في رأيي ـ لا تكمن في كونه نوبيا مضطهدا، فقد رد كتاب نوبيون أكثر أهمية منه، علي ما يزعمه من أكاذيب حيال تاريخ قريب لا يتجاوز عمره الأربعين عاما، وهو ما يدفعنا لعدم الخوض في هذه التفاصيل مرة أخري، وكما أشرت، فإن مشكلة الرجل تبدو أكثر إيلاما من كونه كاتبا لم يتم وضعه وإدراجه في أضابير النقد المصري، كواحد من كبار كتاب جيله، وهي مشكلة أشاطره الموقف منها، وأتضامن معه في كل ما يمكن أن يكيله للنقد المأجور للمؤسسة الثقــافية الفاسدة، فليس أدول وحـــــده الذي يتضرر من هامشه الضـــيق، بل أظنه يعرف كثيــــــرين عانوا ولا زالوا من ضيق سروايلهم واهـترائها وليس فقط ضيق الهامش الذي يعيشون فيه.و أنا أعرف وأدول يعرف كتابا مرموقين عاشوا جوعي وماتوا وهم كذلك، وليس أدل علي ذلك من حالة كاتب كيحيي الطاهر عبد الله هذا القاص والروائي الفذ الذي جني ثمارا رهيبة من كونه كذلك، لكنه للأسف كان قد أصبح في القبر.الفارق الوحيد بين يحيي الطاهر عبد الله وحجاج حسن أدول أن الأول رأي الإبداع رأي العين فبادله قداسته بقداسة فتيقن أنه مبدأه ومنتهاه، أما الثاني فقد تشكك ـ علي ما يبدو ـ في هذه النتيجة لذلك يبحث عن متكأ، ولكنه للأسف لا يقبض علي متكأ، بل يقبض علي أغنية فلكلورية جميلة اسمها النوبة، وسوف أدعوه لاحقا لأن نغنيها معا باعتباره مصرياً ـ عربياً، وباعتباره كذلك.فهل أغضبت حجاج حسن أدول؟! أرجو ألا أكون قد فعلت شيئا من ذلك.شاعر من مصر0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية