جولة في أعمال عبد الرحمن مجيد الربيعي: كتابة ترمم خرائب الذاكرة
إبراهيم أولحيانجولة في أعمال عبد الرحمن مجيد الربيعي: كتابة ترمم خرائب الذاكرةينتمي الروائي والقاص عبد الرحمن مجيد الربيعي إلي جيل الستينيات؛ هذا الجيل الذي وجد نفسه في منعطف صعب من تاريخ الإنسان العربي، وهو ما جعل مهمته شاقة لأنه يواجه أوضاعا موبوءة، بسبب الاستعمار أو مخلفاته الخطيرة، والأنظمة الحاكمة الجائرة، والهزائم المتتالية.. كل ذلك وغيره أورث جوا من الإحباط، والإحساس بنوع من الانكسار، خصوصا أن الأحلام والآمال تم وأدها، ولم يعد أمام الشعوب في زمن الخيبات والإخفاقات سوي انتظار الخلاص، ولم يعد أمام النخبة المثقفة سوي المقاومة، وفتح جبهات الحرب، سواء من خلال النضال السياسي أو عبر الكتابة بجميع أشكالها وأنواعها..وبما أن مرحلة الستينيات ورثت الجمود وامتداح التقليد، والتصفيق للدوسكا، ومحاربة كل ما هو مختلف وجديد، وبما أن الأشكال التعبيرية قد استنفدت ولم تعد قادرة علي التعبير علي هذا الواقع، وعلي طرح قضاياه في تشابكاتها واهتزازاتها، فإن جيل الستينيات من كتاب وروائيين وقاصين، وفنانين.. قد لامسوا خطورة هذا الوضع، وأحسوا بالضيق، سواء علي مستوي الواقع أو علي مستوي الكتابة، فبادروا إلي التصدي لهذه الممارسات، وضربوا بقوة في اتجاه البحث عن أفق.. فكانت الأشكال التعبيرية الحداثية التي بدأت تتشكل في الثقافة العربية منذ الأربعينيات، ووجدت لها صدي لدي الجماهير، ونعني بذلك شعر التفعيلة، والقصة القصيرة، والرواية.. هي ملاذ مجموعة من المبدعين الحداثيين الذين أحسوا قدرة هذه الأجناس الأدبية علي رصد هذا الواقع وتفجيره، والوقوف علي طياته، والقبض علي المنفلت والمسكوت عنه في الخطابات والممارسات..ولقد اعتبر عبد الرحمن مجيد الربيعي أهم الروائيين في العراق، في هذه الفترة، إلي جانب غائب طعمة فرمان، فؤاد التكرلي، جبرا إبراهيم جبرا، ولذلك نجد الدكتور نجم عبد الله كاظم في كتابه الرواية في العراق 1965 ـ 1980 يعتمد في تحليل الرواية العراقية علي هذه النماذج، يقول، أثناء حديثه، في مقدمة الكتاب، عن المتن المعتمد ما يلي: تناولت في القسم الأول (..) أعمال أربعة روائيين وجدتهم الممثلين الرئيسيين والحقيقيين لصورة الرواية في الستينيات والسبعينيات . ـ 2 ـ أصدر عبد الرحمن مجيد الربيعي لحد الآن ست روايات هي كالتالي : الوشم (1972)، الأنهار (1974)، عيون في الحلم (1974)، القمر والأسوار (1976)، الوكر (1980)، خطوط الطول.. خطوط العرض (1983). روايات ترصد الواقع العراقي في تحولاته، وتغيراته، وتسجل بعمق الارتجاجات التي حدثت في العراق، وأصابت الناس في طموحاتهم وأحلامهم، ولأن الهم الذي يسكن الربيعي هو الكتابة بصدق، فإنه التزم تسجيل الأحداث والتأريخ لها، وفتح منفذ لفهم ما وقع وما يقع دون مورابة أو هروب، ووضع الأصبع علي الجرح، وكل نص روائي يكتبه عبد الرحمن مجيد الربيعي يتبع استراتيجية روائية مختلفة سواء علي مستوي الزمن أو الرواية أو السرد، لكن ما يجمع هذه النصوص هو تجسيدها لهذه الولادة العسيرة لمجتمع جديد، وبالتالي إنسان جديد يتوق إلي الخروج من القهر والظلم والبؤس الذي يتخبط فيه، وذلك من خلال مقاومة شديدة لأجهزة الأنظمة التي تعاقب كل من يخرج من بيت الطاعة ، وقد استطاع الربيعي أن ينقل إلي عالمه الروائي هذه الأشياء من خلال مصائر الناس، وعلاقاتهم اليومية، ومن خلال خيباتهم وأحلامهم أي ما يعيشونه وما يطمحون إليه، ووصف بدقة الإحباط الذي أصاب الإنسان، ونعني هنا النخبة المثقفة الواعية بالخيبة والسقوط، وانتقد بشدة هذه الأوضاع عبر شخصياته الكثيرة، والمختلفة من حيث انتمائها الطبقي، ومن حيث تفكيرها ووعيها، ونظرتها إلي الأمور والأوضاع.. فمن منا لا يتذكر كريم الناصري بطل رواية الوشم ، التي عالجت في فترة مبكرة موضوعة الاعتقال، وشخصيات أخري كانت مرآته العاكسة مثل مجيد عمران وأسيل عمران، وحسونة السلمان، وسعيد مهران.. وبطل رواية الأنهار صلاح كامل وشخصيات أخري نذكر منها خليل الراضي، إسماعيل العماري، سعدون الصغر وغيرهم؛ أما بطل الرواية المتاهية خطوط الطول.. خطوط العرض فهو غياث داوود إلي جانب كامل السعدون، مروان حيدر، سميرة حليم، سامي المنذر، عمر الماجري.. الخ، شخصيات لا يمكن لمن قرأ روايات عبد الرحمن مجيد الربيعي أن لا تهزه، وتترك وقعها فيه، لأنها تخاطب العقل والوجدان، ولأن الروائي استطاع أن يحبك الخيوط التي تربط بينها ببراعة فائقة، ولا أدل علي ذلك سوي رواية خطوط الطول.. خطوط العرض التي تزخر بالشخصيات، واستطاع الربيعي أن يتحكم فيها، ويلم خيوطها في بناء روائي محكم ودقيق..لقد كانت السياسة هي محور روايات عبد الرحمن مجيد الربيعي، لذلك جاءت رواياته ذات أبعاد واقعية، تجمع بين التسجيلي والتاريخي، وكل رواية من رواياته ترصد فترة معينة من تاريخ العراق، فـ الوشم اعتمدت فترة بداية الستينيات، و الأنهار فترة نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، و الوكر فترة الستينيات، أما القمر والأسوار فرصدت مرحلة ما قبل الستينيات، أي ما بين أواخر الأربعينيات وبداية الخمسينيات، أما خطوط الطول..خطوط العرض فامتدت إلي بداية الثمانينيات، إلا أنها تعتبر استثناء، سواء علي مستوي الزمن (الفترة التي تعالجها)، أو علي مستوي المكان (فضاءات اشتغالها) حيث خرجت من الخاص (العراق) إلي العام (البلاد العربية)، فأحداثها تجري ما بين تونس ولبنان والعراق.. ولعل الربيعي لا يقدم علي كتابة نص روائي إلا إذا كان سيضيف رؤية جديدة، أو تنويعا في الشكل، لذلك نجد هذا الاختلاف فيما بين رواياته، فمثلا الوشم و الأنهار اعتمد فيهما البطل الواحد الذي يكون قطب الرحي للشخصيات الأخري، ومن خلاله تدور الأحداث، أما في القمر والأسوار فهي خالية من البطولة الفردية، حيث ترصد حياة ناس في زقاق شعبي والبطولة هنا بطولة جماعية، وحتي حين كان يعتمد البطل الفرد، فإنه كان يوظفه توظيفا مخالفا للروائيين الآخرين، فكثير من الروايات في الستينيات والسبعينيات، كانت تعتمد البطل النموذجي الذي لا يقهر، في حين أن أبطال الربيعي فاشلون ومهزومون، وغير قادرين علي مواجهة الصعاب، حيث يجسدون فعلا، الخيبة التي يحسها الإنسان العربي..إن عبد الرحمن مجيد الربيعي استطاع، فعلا، أن يجسد واقع المجتمعات العربية، المأساوية، ويبرز الجوانب الخفية، والمسكوت عنها، وذلك من خلال وعيه العميق بهذا الواقع وبصراعاته وتناقضاته، والبحث في أعماق المجتمع علي العقدة، والتقاط أحلام الناس التي تظهر، فعلا، الأعطاب الحقيقية التي لا يستطيع أي مجال آخر أن يجسدها، إلا الأدب، وخصوصا الرواية بيراع روائي متميز مثل الربيعي..والجدير بالذكر أن صاحب الوشم استخدم مجموعة من التقنيات الروائية الحداثية، وهو ما تطرق إليه الدكتور نجم عبد الله كاظم في كتابه السالف الذكر، في محور تأثير الرواية الأمريكية في الرواية العراقية ، وبذلك نجده يستخدم الفلاش باك، تيار الوعي، المونولوج الداخلي، الحوار القصير الدال، استعمال الجمل القصيرة، استثمار التقنية السينمائية، توظيف الموسيقي والتشكيل، اعتماد تداخل الأزمنة.. إلي غير ذلك من التقنيات التي كان من الأوائل الذين شغلوها في بناء عالمهم الروائي، لتفجير واقع صلب وعنيد، ومن أجل اكتشافه وفضحه.. ـ 3 ـ وإذا كانت آخر رواية صدرت لعبد الرحمن مجيد الربيعي كانت سنة 1983 وهي خطوط الطول..خطوط العرض ، وإن أشار فيما مرة إلي أن لديه رواية مخطوطة من ثلاثة أجزاء، بعنوان كلام ليل ، فإنه لم يتوقف، منذ بداية الستينيات إلي اليوم، عن كتابة القصة القصيرة، معشوقته الأبدية، أو كما سماها القاص أحمد بوزفور طفلته الخالدة ، يكتب القصة كمن يؤدي واجبا، وهو ما جعل عبد الستار ناصر يقول: عبد الرحمن مجيد الربيعي مجنون قصة ، فرغم كل اهتماماته وانشغالاته تبقي القصة القصيرة سر ماء الكتابة الإبداعية لديه.. ويتفق معظم النقاد في العراق وخارجه علي أن الربيعي يعتبر رائد القصة القصيرة في العراق، لأنه خلصها من الجمود والتقليدية التي كانت فيها، وفتحها علي الكتابة الحداثية، فجعلته متميزا ومتفردا عما قبله، واستطاع أن يزيح عنها تلك الأساليب المسكوكة، وتلك اللغة المتحجرة، واهتم بجمالية القصة قبل كل شيء، فأبدع تقنيات جديدة مؤسسا بذلك لجماليات جديدة في القصة القصيرة علي المستوي العربي، وربما لهذا السبب قال نجيب محفوظ: عندما قرأت للربيعي أحسست أنني أقرأ لأستاذ في كتابة القصة .ولعل الفضاءات والتيمات والشخصيات هي نفسها التي تحدثنا عنها في مجال الرواية، حيث الوطن، والمرأة والطفولة، والحب، والجنس، والعلاقات اليومية للناس، والمثقف والكادح، المدينة والريف، القمع والثورة والنضال.. عالم مليء بالحياة، قدمه الربيعي في اثنتي عشرة مجموعة قصصية وهي كالتالي: السيف والسفينة (1966)، الظل في الرأس (1968)، وجوه من رحلة التعب (1969)، المواسم الأخري (1970) عيون الحلم (1974) ذاكرة المدينة (1975) الخيول (1976)، الأفواه (1979)، صولة في ميدان قاحل ( )، نار لشتاء القلب ( )، السومري (1993)، امرأة من هنا.. رجل من هناك (1998)، وتجدر الإشارة إلي أن هذه المجاميع أعيد طبعها عدة مرات، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ونشر الجزء الأول من هذه المجاميع في مجلد.ولقد قسمت المستشرقة الإسبانية ماريسا بريتوكونثالث في مقدمتها لكتاب سر الماء (مختارات قصصية)، تجربة الكتابة القصصية عند الربيعي إلي ثلاث مراحل أساسية وهي: المرحلة الأولي: ما بين 1966 و1968، وتضم ثلاث مجاميع قصصية السيف والسفينة ، الظل في الرأس ، وجوه من رحلة التعب .المرحلة الثانية: من 1970 إلي 1975، وتضم المجاميع التالية: عيون في الحلم ، ذاكرة المدينة ، المواسم الأخري .المرحلة الثالثة: ما بين 1976 و1979، وتضم الخيول و الأفواه . ويمكن أن نضيف مرحلة رابعة وهي التي تمتد إلي 1998، وتضم صولة في ميدان قاحل ، نار لشتاء القلب ، السومري ، امرأة من هنا.. رجل من هناك . ـ 4 ـ أكيد أن المبدع يستثمر في كتاباته الإبداعية أجزاء من حياته الخاصة، ويدمجها في عالمه الإبداعي، حيث يوزعها علي بعض الشخصيات، وهو ما نجده، أيضا، عند المبدع عبد الرحمن مجيد الربيعي الذي اشتغل في كتاباته الإبداعية علي تفاصيل حياته، وكثير من الدارسين الذين تعاملوا مع أعماله، وخصوصا الذين يعرفونه بصفة شخصية، أكدوا أن كريم الناصري أو غياث داود مثلا شخصيات تحمل كثيرا من شخصية الربيعي، وهو نفسه صرح بذلك حين حديثه، في سيرته الذاتية الصادرة مؤخرا (2004)، عن بعض الأحداث أو بعض الشخصيات التي يقول انه وظفها في هذه الرواية أو في تلك كما هي في الواقع.. وهو ما دفع بالروائي جبرا إبراهيم جبرا إلي التوقف في سيرته الذاتية البئر الأولي عند سن الثالثة عشرة، علي اعتبار أن ما تبقي من حياته موجود في رواياته، وليست له أي رغبة في تكراره.. نريد أن نستخلص من هذا الحديث أن المبدع قد يجد أن سيرته الذاتية تحاصره حين تقدمه في السن، فيجد نفسه أمام هذا الإرغام: كيف يكتب سيرته؟ ولعل عبد الرحمن مجيد الربيعي واع بهذا السؤال، وبخطورته الأدبية، ولذلك فقد تعامل مع سيرته بشكل مفتوح، معتبرا أن السيرة الذاتية هي سيرة الآخرين أيضا، وهكذا فقد ألف ثلاثة كتب في هذا المجال وهي كالتالي:1 ـ من ذاكرة تلك الأيام (جوانب من سيرة أدبية): يقول الربيعي عن هذا الكتاب: غايتي من وراء هذه الأوراق التي أقدمها بين دفتي هذا الكتاب هي أن أقدم جوانب من سيرتي الأدبية ومكابدتي ومواقفي وانطباعاتي عن بعض أدباء العربية الذين عرفتهم أو ارتبطت معهم بصداقات، بعضها استمر والآخر انقطع بحكم تقاطع المواقف والقناعات في واقع عربي وعراقي (بشكل خاص) يغلي بالأحداث الفاجعة . إن هذا الكتاب ـ في تقديري الشخصي ـ هو تأريخ أدبي لمسار جيل بأكمله من الكتاب والأدباء والمثقفين، وفيه كثير من الجرأة المفتقدة اليوم، لأنه يقدم للقارئ المتتبع كيفية تشكل الأدب العربي الحديث من وجهة نظر أديب عاش مخاض البدايات، وساهم فيها بشكل كبير، بل كان همها الأساس هو فتح أعين القارئ علي تفاصيل غير موجودة في الكتب ولا في تصريحات الأدباء، وقد حطم بذلك كثيرا من الأبطال الوهميين، وساعده علي ذلك حضوره الفعلي في الساحة الثقافية، في أواخر الخمسينيات وفي بداية الستينيات والسبعينيات، وتواجده في أماكن توهج الثقافة العربية، وفي ارتباط مع أدبائها، وخصوصا في لبنان ومصر والعراق.. كتاب نحن في حاجة إليه، بل نحن في حاجة إلي أدباء آخرين يكتبون في المجال نفسه لنستوعب بشكل حقيقي سياق الثقافة العربية، ولنرمم خرائب الذاكرة..2 ـ الخروج من بيت الطاعة (شهادات أدبية) : كتاب عبارة عن شهادات ساهم بها الربيعي في ملتقيات عربية مختلفة، يتناول فيها كتاباته الأدبية من رواية وقصة، وهي محاولة للإسهام بالتفكير في كتابته، وتتناول أيضا سيرة نصوصه. كيف كتبت، وظروف كتاباتها وسياقاتها العامة، والصعوبات التي واجهتها. إنه تفكير في عمله، وضمنيا هناك إجابات عن كثير من التساؤلات المطروحة علي الإبداعات التي ينتجها الربيعي..3 ـ أية حياة هي؟ (سيرة البدايات): هذا كتاب عن حياة عبد الرحمن مجيد الربيعي كما عاشها في طفولته وصباه بمدينة الناصرية وبغداد. يقول الربيعي في مقدمة كتابه: قبل سنوات فكرت بكتابة جوانب من مذكراتي الشخصية، منذ الطفولة وحتي التحاقي بمعهد الفنون الجميلة ببغداد عام 1957؛ وبذا أغطي حوالي 15 سنة أو أكثر، أهميتها في كونها سنوات التكوين ثم إنها مليئة بالأحداث سواء ما تعلق بي شخصيا أو بمدينة الناصرية والعراق كله . إن هذه السيرة تناولت بكثير من التفصيل الحياة اليومية، والعلاقات الاجتماعية بالعراق، في وقت يعتبر مرحلة انتقالية لهذا المجتمع، ولم يكن عبد الرحمن الشخصية الرئيسية في النص السيري، سوي جزء من الأحداث، حيث تم التركيز علي المظاهر الاجتماعية والحياة العامة للناس من أكل وملبس وسكن وعلاقات.. وكأن الربيعي بذلك يعيد تشييد مدينة /بلد دمرته الهمجية الأمريكية، وماذا يتبقي للكاتب سوي الأمل والحلم.. سيرة ذاتية تقربنا من زمن بعيد، وتعرفنا بكثير من الجرأة علي جزء من التاريخ العربي، وعلي حضارة عريقة، حاولت أمريكا بكل قوتها أن تبددها، وما الكتابة عن الماضي إلا استعادة لما ضاع، واسترداده والإصرار علي المحافظة عليه في الذاكرة الجماعية، عبر نصوص سيرية وتخييلية، مثل التي كتبها الربيعي وآخرون مثله.. ـ 5 ـ إن كتابة المبدع الموازية لإبداعه تحتل أهمية خاصة في مساره الإبداعي، وخصوصا تلك التي تتناول إبداعات الآخرين في الجنس الأدبي الذي يبدع فيه، وذلك لسببين:الأول لأنها توضح مجموعة من الخيارات التي يؤمن بها المبدع في كتابته، وبذلك فهي تساعد القارئ علي فهم أكثر لما ينتجه إبداعا، لأن تصوراته للجنس الأدبي مدار اشتغاله تطفو إلي السطح أثناء قراءاته النقدية للآخرين.. والثاني لأنها تقدم لنا رؤي مغايرة لما قد يقدمه الناقد المحترف، لأن المبدع حين ينخرط في نقد عمل أدبي ما، يكون عتاده تجربته الخاصة، ويكون بعيدا عن المفاهيم والمصطلحات النقدية الرنانة، لأنه يقرأ بحدسه وبخبرته، وغالبا ما يتناول الأعمال التي أحبها، أو اندهش أمامها اندهاش الطفل أمام العالم.. إن المبدع، في نظري، يملك أسرار العمل الأدبي، غيابه ومتاهاته، الشيء الذي ساعده علي القبض علي كنه النص الإبداعي، والكشف عن مكامن قوته، ومواطن ضعفه..ضمن هذه الرؤية تندرج القراءات النقدية للمبدع العراقي عبد الرحمن مجيد الربيعي، الذي اصدر في هذا الإطار مجموعة من الأعمال، وهي عبارة عن قراءات في إبداعات الآخرين، القريبين والبعيدين ومن بينها الأعمال التالية: الشاطئ الجديد (1976)، أصوات وخطوات (1986)، رؤي وظلال (1994)، من النافذة إلي الأفق (1995)، من سومر إلي قرطاج (1997)، وأخيرا كتابات مسمارية علي جدارية مغربية (2004)، أعمال تنم عن هذا الاهتمام الكبير الذي يوليه عبد الرحمن مجيد الربيعي لما يبدعه الآخرون، لأنه يدخل في استراتيجية عمله كمبدع من واجبه متابعة جل ما يصدر في المجال الذي يشتغل فيه، وساعده علي ذلك عمله في الصحافة، وانفتاح علاقاته علي المبدعين في كل الأقطار.. ويمكن تقسيم قراءات عبد الرحمن مجيد الربيعي إلي ثلاثة مستويات:1 ـ الإبداع العالمي: الغرب، وأمريكا اللاتينية، وأفريقيا، وآسيا..2 ـ الإبداع العربي: العراق، سورية، مصر، فلسطين، الجزيرة العربية…3 ـ الإبداع المغاربي: ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا..أما من حيث الأجناس الأدبية، فالتركيز منصب علي الرواية في المقام الأول، وبعد ذلك القصة القصيرة، ثم السيرة والشعر.. وفي كتاب من سومر إلي قرطاج نجد الاهتمام بالإبداع التونسي، رواية وشعرا، واضح، مثلما في كتاب كتابات مسمارية علي جدارية مغربية كتاب بكامله عن أعمال أدبية مغربية، وإذا كان السبب في هذا الاهتمام بتونس أنها مكان إقامته أكثر من خمس عشرة سنة، فالمغرب جزء من الأقطار العربية التي كانت محط اهتمامه منذ عقود من الزمن. حتي في الوقت الذي لم يكن أحد يهتم بالأدب المغربي، كان عبد الرحمن مجيد الربيعي باهتمامه، قراءة وكتابة، الجسر الذي يربط المشرق الأدبي بالمغرب الأدبي.. ـ 6 ـ وفي الأخير، لا بد من الإشارة إلي انخراط الربيعي في مجال الإبداع الشعري، وخصوصا قصيدة النثر، حيث أصدر لحد الآن سبعة كتب، وأجدني، هنا، عاجزا عن الحديث عن عالمه الشعري لسبب بسيط هو عدم اطلاعي عليه، وعدم توفري علي أي واحد من هذه الكتب.. وأتمني أن يفسح لي المجال في المستقبل لمعرفة هذه الجهة الأخري من إبداعات الربيعي، التي أعتقد أنها ستكمل هذه النزهة في حديقة مبدع كبير، كانت كتاباته مدار نقاش لأكثر من أربعة عقود.ناقد من المغرب0
لم أتعرف على كاتب المقال .. أرجو منكم بيان أسمه ليتسنظ لي الاطلاع على مقالاته ؛ لما وجدت من ابداع في هذا النص .. تحياتي لكم.