جمال مبارك ورفض التوريث
جمال مبارك ورفض التوريث عندما يعلن السيد جمال مبارك رئيس لجنة السياسات في الحزب الوطني الحاكم ونجل الرئيس المصري انه لا يريد ان يكون رئيساً للبلاد وانه ووالده لا يؤمنان بالتوريث، فان هذا الاعلان لم يكن وليد الصدفة، كما انه لا يعكس زهدا في السلطة، وانما هو ثمرة قراءة دقيقة للواقع علي الارض، والتحولات الرئيسية التي تسود الحياة السياسية المصرية.فالسيد جمال مبارك يدرك جيدا ان الظروف التي سادت مصر في الاعوام العشرين الماضية وجعلت من مسألة التوريث عملية ممكنة، ودفعت به الي قمة صناعة القرار في مصر، هذه الظروف تغيرت، وتتغير بشكل اكبر وبسرعة قياسية، بحيث لم تعد هذه المسألة مقبولة او ممكنة.بمعني آخر، تشهد مصر حاليا صعود قوي وتيارات سياسية لم تعد تقبل باطلاق يد الرئيس وافراد عائلته في كل اوجه حياتها ومستقبلها، وشاهدنا الانتخابات البرلمانية الاخيرة تسجل اكبر عملية احتجاج شعبي علي سياسات الرئيس مبارك وفريقه الوزاري من خلال صناديق الاقتراع.فحصول جماعة الاخوان المسلمين علي اكثر من ثمانية وثمانين مقعدا في البرلمان رغم كونها حركة محظورة، ورغم عمليات البلطجة والقتل للمرشحين والناخبين، هو رسالة الي الرئيس مبارك ونجله، مثلما هو مرحلة جديدة تجب كل ما قبلها من ممارسات وتطلعات الي التوريث.السيد جمال مبارك هو الحاكم الفعلي لمصر علي مدي السنوات الخمس الماضية علي الاقل، فهو الشخص الذي اختار معظم الوزراء علاوة علي رئيس الوزراء، وهو الذي عين رؤساء تحرير الصحف القومية بطريقة مباشرة او غير مباشرة من خلال لجنة السياسات التي يرأسها وتمثل حكومة موازية. وكونه لا يريد الترشح للرئاسة رسميا لا يغير من واقع الحال كثيرا.نجل الرئيس تصرف كمستشرق اثناء ادارته لاحوال مصر وشؤونها، ولم يحقق اي نجاحات تذكر له علي صعيد مواجهة القضايا الرئيسية، مثل البطالة والفساد وتمركز الثروة في يد حفنة قليلة من الرأسماليين ورجال الاعمال الكبار، بينما الغالبية الساحقة من ابناء الشعب المصري تعيش علي اقل من دولار واحد في اليوم.نفهم ان يرشح السيد جمال مبارك نفسه للانتخابات الرئاسية المقبلة بعد خمس سنوات لو حقق نجاحات علي الارض، او لو اصلح الحزب الحاكم الذي يتزعمه، مثلما وعد اكثر من مرة، وجعله قوة انتخابية رئيسية، ولكنه لم يفعل، كما ان التعديلات الدستورية التي جري تفصيلها علي مقاسه، ولتمهيد الطريق امامه الي الرئاسة لن تصمد طويلا في ظل المناخات السياسية المصرية والعالمية الحالية، ولا بد انها ستتعرض للتغيير لفتح المجال امام مرشحين آخرين يستحقون المنافسة علي موقع المسؤولية الاول.السيد جمال مبارك ليس زاهداً في الرئاسة واعلانه عن معارضته ووالده للتوريث ليس صحوة ضمير، بقدر ما هو ثمرة قراءة صحيحة للواقع علي الارض تعكس عملية تغيير واسعة في مصر ترفض هذا التوريث جملة وتفصيلا.9