جعلوني إرهابياً!
جعلوني إرهابياً! للفنان الكبير الراحل فريد شوقي فيلم قديم متميزعنوانه جعلوني مجرماً ، أظنه ـ إذا لم تخني الذاكرة ـ يتحدث عن الدور الذي يمكن للمجتمع، بقسوته وظلمه وحماقة أولي الأمر فيه، أن يلعبه علي صعيد تحويل أي إنسان عادي إلي مجرم ضالع في الإجرام. وبكل أسف، يشكل مجتمعنا العربي أنموذجاً مثاليا صارخا للمجتمع المستبد الذي يجبر شرائح واسعة من مواطنيه علي القفز ليس في أحضان الجريمة وحسب، بل وفي أحضان ما بات يعتبر إرهابا أيضا.أبو ذر الغفاري الذي يعده البعض رائد التوجهات الاشتراكية في الإسلام؛ الذي لم يتردد رائد الملك العضوض معاوية بن أبي سفيان في نفيه، بعد أن أدرك بخطورة تلك التوجهات التي يمكن تلمس جذورها في كثير من نصوص القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف؛ أبدي تعجبه من ذاك الذي لا يجد قوت يومه ولا يخرج شاهراً سيفه علي الناس . ولو كان الرجل حاضرا بيننا اليوم، لأبدي عجبه، بل وربما غضبه واشمئزازه أيضاً، من الملايين من أبناء أمتنا العربية الإسلامية البائسة، الذين لا ينبسون ببنت شفة، ودع عنك حديث السيوف وإشهارها، مع أنهم لا يفتقرون إلي قوت يومهم فحسب، بل يفتقرون أيضا إلي كرامتهم التي يدوسها الطغاة والجلادون صباح مساء دون أن يرف لهم جفن!سئل الطاغية فرعون كما تروي الحكاية الشعبية القديمة: من فرعنك يا فرعون؟ فأجاب: لم أجد من يردني فتفرعنت! لقد استخف الرجل قومه فأطاعوه، وهذا ما يفعله حكامنا بنا جهارا نهارا طيلة الوقت، يستخفون بنا وكأننا قطعان ضالة لا حول لها ولا قوة، وليس لها في أفضل الأحوال إلا الثغاء تعبيرا عن الامتنان وشكر أولياء النعمة علي مكارمهم وعطاياهم المسروقة من عرقها، ومد أعناقها لسكين الجلاد حتي لا يجد صعوبة في جز تلك الأعــــناق، إذا ما ارتأي له أن أوان قطعها قد حان! يبدو أننا نحتاج في الوطن العربي إلي سلسلة من الأفلام التي تحمل عنوان: جعلوني إرهابيا، التي تكشف بالصوت والصورة والسينـاريو والحوار كيف يعمل الطغاة من عملاء الصهيونية والاسـتعمار علي تحويل أبـناء أمتنا العربية الإسلامية إلي إرهابيين، ربما لتــــبرير شن حملات الحرب علي أولئك الإرهابيين المزعومين وإبادتهم، فهذا كما يبدو هو أقصر الطرق وأيسرها لإراحتهم والاستراحة منهم!أزعم إن كل مواطن عربي الآن هو مشروع إرهابي في نظر الطغاة ما لم يثبت العكس، أي ما لم يقنع بانضمامه، قولا وفعلا، وبالتصريح لا التلميح، إلي عضوية قطيع الأغنام الخانعة.خالد سليمان[email protected]