تهديدات شيراك الاستفزازية

حجم الخط
0

تهديدات شيراك الاستفزازية

عبد الباري عطوانتهديدات شيراك الاستفزازيةان يلوح الرئيس الفرنسي جاك شيراك باستخدام اسلحة غير تقليدية في مواجهة قادة دول يستخدمون وسائل ارهابية ضدها امر مرعب بكل المقاييس، لان هذا التهديد الخطير وغير المسبوق يصدر عن رئيس فرنسا اولا، ولانه لا يتناسب مطلقاً مع القيم الديمقراطية الغربية خاصة ونحن في مطلع القرن الواحد والعشرين.الرئيس شيراك فجر قنبلته هذه اثناء زيارته للغواصات النووية الفرنسية، وقد تعمد اختيار المكان والزمان بعناية لإعطاء تهديداته معني واضحاً ومحدداً لا لبس فيه او غموض.الدول المعنية هي الدول الاسلامية، وايران وسورية علي وجه التحديد، لان الدولتين موضوعتان حالياً علي قائمة الحصار والعزل وربما الهجمات العسكرية من قبل الدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة الامريكية.فايران مستهدفة بسبب طموحاتها النووية، سلمية كانت او غير سلمية، وسورية مستهدفة بسبب اتهامها في جريمة اغتيال الراحل رفيق الحريري صديق الرئيس شيراك الشخصي، وعدم تعاونها بالشكل المطلوب مع المشروع الامريكي في العراق.وربما لم يضع الرئيس الفرنسي في اعتباره ان مثل هذه التهديدات المرعبة باستخدام اسلحة غير تقليدية تقدم المبرر لدولة مثل ايران، ودول اسلامية اخري لحيازة اسلحة نووية للدفاع عن نفسها. فالدول الغربية، وفرنسا خاصة، تبرر استحواذها علي رؤوس نووية بالقول ان مثل هذه الاسلحة ليست من اجل الاستخدام وانما بهدف الردع، وتصريحات الرئيس شيراك هذه تناقض هذا المفهوم كلياً، وتثبت تحولاً جديداً في السياسات الغربية يتعامل مع العالم بمنطق شريعة الغاب، وليس شريعة التسامح.كنا ننظر الي فرنسا علي انها الدولة الغربية الاكثر تعقلاً في مواجهة السياسات المارقة للادارة الامريكية الحالية، ففرنسا عارضت الحرب الامريكية علي العراق باعتبارها غير شرعية، وانسحبت من حلف الناتو للأسس العدوانية التي يقوم عليها، واتخذت سياسات خارجية اكثر تفهماً للقضايا العادلة في العالم الثالث والشرق الاوسط علي وجه الخصوص. فهل نحن علي ابواب تحول جديد في السياسة الفرنسية يجعلها تابعاً للولايات المتحدة، وشريكاً متحمساً لمغامراتها العسكرية المقبلة ضد ايران وسورية ودول اخري؟انه تحول خطير، اذا تأكد، لانه يمكن ان يضع فرنسا والولايات المتحدة في سلة واحدة في نظر الكثيرين في العالم الاسلامي، وعلاوة علي احيائه لنزعات كراهية، ساعد الزمن علي نسيانها وطمرها ونحن نتحدث هنا عن تاريخ فرنسا الاستعماري، وتزويدها لاسرائيل مفاعل ديمونا النووي عماد صناعتها النووية التي طورت مئتي رأس نووية حتي الآن.ولعل ما هو اخطر من كل هذا، ان تهديدات الرئيس شيراك تبدو غير عملية علاوة علي كونها غير منطقية. فلو افترضنا ان تنظيم القاعدة في العراق فرع ابو مصعب الزرقاوي ارسل مجموعة نفذت عملية ارهابية في قلب باريس، فهل سيقصف الرئيس شيراك العراق بالقنابل النووية؟فاذا طبقنا منطق الرئيس شيراك هذا، فانه كان علي ادارة الرئيس بوش قصف المملكة العربية السعودية بالاسلحة النووية لان خمسة عشر من منفذي هجمات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) هم من السعوديين، ولان زعيم تنظيم القاعدة مولود في الرياض ويحمل الجنسية السعودية.الرئيس شيراك تسرع باطلاق مثل هذه التهديدات، وهو رجل الدولة العاقل صاحب الخبرة القيادية الطويلة، وكان عليه ان يدرك انها يمكن ان تصب في خدمة الارهابيين، وتقدم لهم الذرائع لاستهداف فرنسا.فعندما يهدد رئيس دولة فرنسا بلد النور والحريات والمباديء الراسخة في العدالة والتسامح والانفتاح باللجوء الي الاسلحة النووية كرد علي الارهاب، فانه يجب علينا ان لا نستغرب لجوء بعض الجماعات الارهابية الي استخدام اسلحة الدمار الشامل من كيميائية وبيولوجية، او حتي نووية في المستقبل.فرنسا ليست مهددة بالارهاب، في الوقت الراهن علي الاقل، ولم نسمع ان تنظيم القاعدة او غيره تحدث في بياناته او اشرطته الصوتية والمصورة عن نزعة انتقامية تجاه فرنسا، فلماذا هذا الاستفزاز غير المبرر، وفي مثل هذا التوقيت؟الارهاب مدان بكل اشكاله وانواعه، والجهود الدولية يجب ان تتضافر بقوة من اجل مكافحته، ولكن لا بد من سيادة العقل، وتوفر العدالة، والتعامل بحكمة مع هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد العالم وأمنه واستقراره. واول خطوة في هذا الاطار التعامل مع جذورها، ونزع فتيل القضايا التي ترتكز اليها، من خلال حلول عادلة مقبولة، والكف عن اطلاق التهديدات الاستفزازية غير المبـررة، والكيل بعدة مكــاييل عندما يتعــلق الامر بالبرامج النـــووية، وغض النظر عن مئات الالاف من الابرياء الذين يقتلون في العراق وافغانستان وفلسطين في حروب غير شـــرعية وغير اخلاقية تجسد ارهاب الدولة في ابشع صوره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية