تفجير السبع بحرات.. دم السياسة أم سياسة الدم؟

حجم الخط
0

إنّه منهج سياسة الدم الذي برع فيها الصهاينة أيام الاحتلال الإنكليزي لفلسطين، وكان من إرهاصات ظهور دولتهم فيها، حيث كانوا يقومون بتفجير مقرات الإنكليز، وبعض أماكن تجمّع اليهود أنفسهم وإلصاق التهمة بالعرب لتشويه صورتهم، والظهور بمظهر الضحية المظلومة المستهدفة من الإرهابيين المتوحشين.
النظام السوري استخدم هذه السياسة قديماً وحديثاً على نحو واسع في معركة صراع البقاء التي يخوضها مع شعبه، وإن كان هناك فرق صغير في بعض التفاصيل الجزئية، من أهمها أن تفجيرات النظام السوري لا تقع إلا في مناطق غير الموالين له وتقع تحت سيطرته عسكرياً وأمنياً.
أكاد أجزم أن أكثر السوريين (من مخيمات اللجوء في الشتات السوري إلى النازحين عن مدنهم وقراهم إلى الصابرين على الحصار إلى ….) مستعدون للحلف على المصحف الشريف غير حانثين بأنّ من قام بتفجير الأمس في السبع بحرات هو النظام السوري، إنّها سياسة قديمة خبرها السوريون واللبنانيون وعاينوها وعاشوها واقعاً منذ عهد الأب حافظ إلى عهد الابن بشار، الذي أضاف حيثيات جديدة إليها فاستعمل الدبابات على مستوى واسع وأضاف إليها استخدام المدافع والطائرات وصواريخ سكود والغازات الكيميائية في بعض الحالات.
إنّها منهج قديم لسياسة الدم يتجاوز حدود زمان الثورة السورية ولا يقف عند جغرافيتها، من تفجيرات الأزبكية في الثمانينات إلى تفجيرات الأمس القريب في السبع بحرات، مروراً بعشرات بل بمئات التفجيرات، ومن اغتيال بنان الطنطاوي في ألمانيا إلى اغتيال البوطي بالأمس القريب، مروراً بعشرات بل مئات الاغتيالات، خصوصاً في الشقيقة لبنان حيث توّج النظام سياسة الدم بالتفجير الذي اغتال رفيق الحريري.
التساؤل عمن يقوم بهذه التفجيرات بالنسبة للسوريين غير وارد، لأن من يطرح هذا السؤال إمّا إنّه لا يعرف واقع السوريين منذ أربعين عاماً، وإمّا أنّه لا يعرف طبيعة الصراع الداخلي في سورية بعيداً عن تجاذبات الأطراف الخارجية، المجازر لا تحصل إلا في مناطق غير الموالين للنظام، السيارات المفخخة والتفجيرات لا تحصل إلا في مناطق غير الموالين للنظام (التي تقع تحت سلطة النظام) التهجير لا يكون إلا في مناطق غير الموالين للنظام (إلا القليل النادر) معظم المجندين الذين يزج بهم النظام في الخطوط الأولى ليكونوا كبش الفداء في مواجهة الجيش الحر هم من أولاد غير الموالين للنظام الذين يساقون إلى التجنيد الإجباري.
هناك أدلة لا تقبل الجدل والنقاش تثبت هويّة المجرم، ومن شكّ في ذلك فليسأل الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة الذي يقبع في سجون لبنان بتهمة تدبير انفجارات واغتيالات في لبنان بالتآمر مع أركان النظام الأسدي من مملوك إلى من فوق مملوك، وباعترافه شخصياً مع وجود أدوات الجريمة (المتفجرات) التي نقلها من دمشق إلى لبنان في سيارته الخاصة.
يتساءل السوريون ساخرين مستهزئين: لمَ لا تحدث التفجيرات إلا في مناطق غير الموالين للنظام الأسدي، التي تخضع لسيطرته؟ لمَ لا تحدث مثلاً في أماكن تجمع الموالين له؟ (وإن كنّا ضد هذه التفجيرات الوحشية مطلقاً) لمَ تحدث هذه التفجيرات في مناطق محصّنة أمنياً وعسكرياً، بحيث لا يستطيع إبليس نفسه أن يمر منها إلا بعد أن يخضع إلى تفتيش دقيق، فكيف تمر سيارة محملة بمئات الكيلوغرامات من المتفجرات لتصل إلى محيط البنك المركزي مع وجود عشرات الحواجز التي تفتّش الأفراد ناهيك عن السيارات؟ لمَ يتواجد إعلام النظام في مناطق التفجيرات مباشرة وبعد دقائق قليلة، وهو المعروف منذ الأزل بأنّه يبث أخبار الأمس اليوم، والعاجل بالنسبة له حدث من ساعات؟ حتى صار السوريون يتشاءمون من وجود سيارات وسائل إعلام النظام ويحذرون بعضهم من المرور قرب أماكن وجودها، لمَ يقف الأشخاص أنفسهم بعد كلّ تفجير ليكونوا شهود عيان على التفجير، وغالباً ما يظهر التناقض في شهادتهم، تسمع من يتكلم بلهجة أهل الساحل أو الجبل مع أن التفجير في وسط دمشق، وترى البريك دانس وأصحاب الوشوم يشهدون عن تفجيرات المساجد، بل إنّ كثيراً من الناس نقلوا شعورهم بالإحساس بفرح هؤلاء الشهود بالتفجير مع أنّهم يجهدون أنفسهم ليظهروا عكس ذلك، وقد يظهر على شاشات الفضائيات إعادة ترتيب مسرح الجريمة، كما حصل في تفجير الميدان الشهير.
غاية آمال السوريين ومنتهاها أن يعرض النظام السوري نتائج التحقيق في واحدة من هذه التفجيرات، وأسماء المنفذين والجهات التي يتبعون لها أو يرتبطون بها، أو حتى يسرد رواية مقنعة لكيفية وقوع التفجير ولو لمرة واحدة، فالتفجير حصل بعبوة ناسفة وقذيفة هاون وصاروخ محلي الصنع وسيارة مفخخة وشخص انتحاري في نفس الوقت بحسب كلّ محطة، أيُّ استخفاف بعقول الناس أكثر من هذا؟
الهدف السياسي من وراء افتعال مثل هذه التفجيرات مع فظاعتها وشناعتها لا يخفى على عاقل، ويظهر جلّياً لمن يتابع المحطات السورية، فترى من يحمل بعض الأشلاء ليقول: (هذا نتيجة فتاواك يا قرضاوي) وآخر يشير إلى الحطام مكان التفجير وهو يصرخ: هذه الحرية التي تريدونها، والمذيعة تجري مقابلة صحافية مع امرأة تلفظ أنفاسها وفي حضنها ولدها الميّت لتسألها عن الإرهابيين الذين فجّروا المكان…
إنّها رسائل إلى الداخل والخارج وإن كان الخارج هو الهدف الأعظم، رسالة الداخل مفادها تأكيد رواية النظام السوري أنّ ما يحدث في سوريّة ما هو إلا مؤامرة خارجية تستـــهدف المواقف المقاوِمة والممانِعة للمشروع الصهيوني والإمبريالي في المنطـــقة، وأنّ ما يحدث ما هو إلا تنفيــــذ لسياسة تركيع سوريّة، فليــس هناك ثورة شعبية ولا من يحزنون، وما هؤلاء الذين ثاروا ثمّ حملوا السلاح إلا أدوات خارجية تشكّل مجموعات إرهابية تمتهن القتل، وتستهدف السوريين بشكل عام صغاراً وكباراً ولا تفرّق بين مدني وعسكري.
ورسالة إلى الخارج مفادها أنّ النظام السوري ضحية للجماعات الإرهابية التي كنت أيّها العالم ضحيتها، وبدعمكم لها فإنكم تدعمون الإرهاب والتطرف، وهي لن تتوقف عند حدود سورية بل إنّ دائرة خطرها ستتوسع لتشمل المحيط والإقليم والعالم، إنّها سياسة سفك دم السوريين لتشويه صورة الثورة.

‘ كاتب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية