تعويم المقاومة بحرب اهلية.. مصلحة امريكية ام ايرانية؟
حمدان حمدانتعويم المقاومة بحرب اهلية.. مصلحة امريكية ام ايرانية؟ لا نظن ان النزاع بين الطوائف في عالمنا الثالث، ينبع عن ماهية العقائد نفسها، خاصة بين الطوائف في الدين الواحد، فالاجماع الظاهري في التمسك بثوابت العقيدة واركانها، لا يسمح بالانزلاق نحو احتراب اهلي يقوم علي اسس الافتراق الطوائفي، الا اذا كان هذا الاجماع، نفاقا ظاهريا، يخفي تحت رماده، نيران العداوة والكراهية، الي درجة تصبح معها العقيدة شأنا ذاتيا، قابلا للاستخفاف بوصايا السماء، في سبيل مصالح الزمان في المكان.وعليه، فان النزاع ذا اللبوس الديني، يصبح توظيفا للدين في السياسة، وبداية انحدار نحو ما قالته الآية الكريمة الذين فرقوا دينهم شيعا ، فيما الدين في جوهره، عنصر تجميع للامة وتوحيد لها وصيانة قواها.وفي الاساس، فان لمفهوم الفطرية في الاسلام، ما لا يتصالح مع مؤسسة دينية رسمية له، فالعبادة فيه، من شأن الفرد وحده، والعلاقة بين الخالق والمخلوق، انما هي علاقة مباشرة تتم دون توسط، وهو عكس دور الكنيسة في التاريخ الاوروبي.ويصبح المطلوب، لا فصل الدين عن قوام الدولة، بل فصل الدين عن السياسة، اي بالمعني الذي اطلقه بطرس البستاني، حين وقعت المذابح بين الدروز والموارنة في العام 1860 بشكل طائفي، ودوافع سياسية حيث قال لا بد من اجل الحيلولة دون فناء المجتمع، من وضع حاجز بين الرياسة والسياسة) حيث الرياسة عنده، تحمل مفهوما سلطويا روحيا ثابتا، فيما السياسة تحمل مفهوما سلطويا مدنيا متبدلا.ويدور المعني في جوهره، حول تجنيب توظيف الدين في الاغراض السياسية، باعتبار ان المقولات الكونية الكبري، ثابتة ومطلقة، فيما السياسة تتلون، بحكم الضرورات القاهرة، مع ما هو واقعي ونسبي ومتغير، ففيما السياسة تحركها مصالح شخصية وفئوية دنيوية، فان الدين يتعالي في جوهره وروحه عن اغراض يمكن ان تصم نزاهته واستقامته.ان السياسة في طابعها الاعم، ليست هي فن الممكن كما يقال، بل هي فن ادارة الاختلاف، فالسياسسة تقوم جوهريا حيث يوجد الاختلاف، او حيث الاحتمال في نشوئه، او اثارة الجواء لخلق اختلاف غير موجود، اما توظيف الدين لغايات سياسية، فانه يدخل فيروس النزاع في الدين، والنزاع في الدين اذا كان نشؤه سياسيا، فانه يؤدي الي استساغة الاحتراب في الصفوف الطائفية، وفي مثال العراق، فانه بالامكان واقعيا تجنب الشر، لتشابك عناصر القرابة العشائرية والاسروية بين المواطنين، ولكن الخشية من طوائفية خارجية تعمل بفعالية فوق ساحة العراق مع غياب الدولة وضعف الاحتلال.والمشكلة الا ازمان محددة تبدأ فيها الحروب الاهلية وتنتهي اليها. فقد احتاج لبنان والبلقان الي ما يقارب عقدا ونصف عقد لايقافها، وهناك حروب امتدت لنصف قرن او اكثر، اما الصعوبة البالغة، فتكمن في مستلزمات ايقافها، فهي تقف اذا تمكن طرف من تحقيق نصر حاسم في القتال، ولم يعد هذا الاحتمال قائما في ظروف العصر نظرا لتناقض الدوافع الداخلية والدولية في اذكائها او ايقافها.اما الاحتمال الثاني، فان الاطراف المتقاتلة تكون قد انهكت، فاحتاجت الي استراحة المحارب، حيث تبرز الحاجة الي مبادرات خارجية لتحقيق تسوية (اللاغالب ولا مغلوب)، ومن المخاطر الجسيمة لهذا الاحتمال، ان المجتمع يكون قد انتهي الي حالة بائسة من التفكك والخور، بحيث تتفشي روح من عدم اليقين، الي درجة الامتثال لليأس وسلبية الانطواء، ويعود ذلك الي الشعور العام، بأن دماء الضحايا قد ذهبت هدرا، وان التسوية الخارجية، لم تحقق لطرف ما كان يقاتل من اجله، فالطائف (مثلا) لم تعط ثمرة خالصة لفريق بعينه دون آخر، بل هي اعادت لبنان الي مربعه الاول من حيث بدا قبل الاقتتال، ولهذا السبب، فان اعادة انتاج لبنان، انما جرت لصالح اوضاع ما قبل الحرب الداخلية وليس لها، ونلحظ علي السطح السياسي اللبناني، بان كيانات الاحتراب قد افلت شموسها، كما كانت عليه قبل الحرب واثناءها، لا في الشكل فحسب، بل وفي المضمون ايضا، فالكتائب ليست هي الكتائب مع الشيخ بيار الجميل او ابنه بشير، والقوات ليست هي القوات في زمن سمير جعجع الشاب والمتقاتل مع جيش عون، واطراف الجبهة الوطنـــية التقدمية في زمن الشهيد كمال جنبلاط، ليست هي كما هي في زمن ابنه وليد، والشهيد عرفات لم يغادر الي تونس، بل غادر الي الدار الاخرة، وسورية كانت موجودة باسم الجامعة العربية، ثم غادرت باسمها ايضا! وايران لم تكن موجودة في لبنان، لكن وجودها اليوم، بالغ التأثير والتعقيد، كما اهتبلت اسرائيل في سانحة من الحرب الاهلية، فرصة احتلال لبنان واسقاط عاصمته.. والخلاصة فان مقدمات المشاهد الهلعية في الحرب الاهلية، ليست علي شاكلة نتائجها، انها كرة تتدحرج ولا يعرف اصحابها، مسار تدحرجها، واين تقف ولصالح من؟!ويسعفنا القول عموما، بانه ما من حرب داخلية، الا وكان المستفيد الاول منها، هو خارجها، ولا بد من الاشارة هنا، الي انه مع وجود قابليات داخلية ذاتية عربية للذهاب الي الاحتراب، الا ان هذه القابليات، لم يكن لها ان تتفاعل من ذاتها، لولا المحرض الخارجي المستفيد، وهناك شواهد شتي لوقائع احترابية داخلية، جرت بفعل دفع الخارج، ليس اقلها لبنان والبلقان.. او كما يراد دفع العراق اليه اليوم.ان عدم التجانس المجتمعي، يعد بمثابة سبب اول لدوام الانحطاط والتخلف، والحال فان القوي المتعاركة في الداخل، ادني من ان تقف امام اي تهديد خارجي، خاصة اذا كانت الكراهية علي هذه الشدة من السوداوية، فاذا كانت الرؤية الطائفية، تضع الخصم الداخلي مكان العدو، فعليها ان تنتظر انتصار الاقوي (الخارجي) كي يهيمن علي الجمع المتخلف، مع نظرة ازدراء يستحقها.لكن الصراعات الطائفية، كما اسلفنا، لا تنهض بدون ملوك، او ما سمي في التاريخ دون مبالغة بملوك الطوائف، وهؤلاء لا يستيقظون ومعهم الفتنة، الا بدوافع مصلحية شخصية بلبوس سياسي ودهان مذهبي، والعجب العجاب، ان شعب العراق يقحم في سقيفة يثرب، وهي وراءه حتي الف واربعمئة سنة، وهو يقحم في صفين والجمل والنجف والكوفة وكربلاء،، وهي وراءه لسنوات مماثلة.. فالاحداث التي يراد لها، ان تكون موضوعا للاقتتال، هي احداث اصفرّت لها كتب التاريخ، فهل يعقل ان يكون، شعب القرن الواحد والعشرين، هو نفسه شعب القرن السابع ميلادية، كي نتقاتل علي مشاحنات خلافية باتت من الاوابد.. ودعونا نقول بصراحة حاسمة، بان مثل هذه الكوارث في التاريخ الاسلامي، لم يكن لها ان تنشأ لولا الصراعات ذات الطابع السياسي الخالص، ومع الزمن الاسلامي غير العربي، فقد تم اكساء الصراع السياسي اياه، بألوان من مقدسات مذهبية ووقائع ونصوص وشــــروح.. لا هي من الاسلام ولا في جوهره.. فأشياع علي في التاريخ ليس لذاته، بل لأحقيته في الخلافة علي معاوية، وبهذا المعني فان الغالب الاعم من اهل السنة تاريخيا، هم من اشياع علي، ولكن مع تنحية القداسة والمعصمية الي درجة النبوية عنه، اما النسب (ابن عم الرسول ـ صلي الله عليه وسلم) فلا يغني من الله شيئا، ففي اهم النصائح النبوية، ان النبي (صلي الله عليه وسلم) خاطب ابنته فاطمة، احب الناس الي قلبه ومن دمه بقوله (يا فاطمة اشتري نفسك، فانا لا اغني عنك من الله شيئا)، فاذا كان ذلك للزهراء فكيف لغيرها؟!في عمود الدين وجوهره، فرائضه واركانه في (الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله) واداء الفرائض في الصلاة والصوم والزكاة والحج.. ما يعتبر بحق الجامع الاكبر بين السنة والشيعة، ولا نري خلافا يتم الاقرار به (اي خارج خائنة الانفس وما تخفي الصدور) الا وجدناه خلافا هامشيا ليس في جوهر الدين او في اساسياته.. فعلام يتقاتل القوم اذا، اذا كانت كل المشتركات المذهبية الجوهرية قائمة الي هذه الدرجة بين السنة والشيعة؟ الا في خلاف مجلوب بمثابة هرطقة.ويترتب علي هذا السؤال، ان نبحث خارج معيار الانقسام الطائفي في الدين الواحد، اي في التأويل لا التفسير، فقد نشأت المشكلة اساسا، من حقيقة الموقف من الاحتلال، ففيما آثر البعض من الرموز القيادية (السياسية) للشيعة، استنساب الاحتلال بالمقايضة علي سقوط نظام الرئيس صدام، بل والبسوا الاحتلال وصف التحرير، مع اعتــــبار يوم احتلال بغداد عيداً وطنياً.. فقد اعتصمت خلائط وطنية عراقية بحــــبل المقاومة ضد الغزاة، ومع اتساع هذه المقاومة واشتداد فاعليتها، فقد اطلقت الرموز السياسية، القابــــلة بالاحتلال والمصفقة له، اوصافا علي المقاومة، من حيث هي الغريب والارهابي وايتام صدام.. ولم تكتف بالتوصيف، بل بدأت طــــلائع ميليشياتها المسلحة، البدرية والبيشمركية بقتال المقاومة جهارا، الي جانب الجيش الامريكي والادق وراءه.. وتعتبر ميادين القتال في الفلوجة والرمادي وبغداد وتل عفر وسامراء والقائم والموصل.. شواهد ماثلة، وفي النجف وربما الكوفة، فقد قاتل جيش المهدي قوي الالعوبة في يد الاحتلال، لكنه في النهاية، آثر تسليم سلاحه للغزاة الامريكيين، في مشهد مصور، لم يعتد العراق عليه في تاريخه!وفي المحصلة، فان الاصطفاف الي جانب المحتل، كان الشرخ الاول، لما يراد تسميته بالصراع الطائفي اليوم.ومن اجل تطبيع الوضع الاحتلالي للعراق، فقد (جاهد) ملوك الطوائف، من اجل الرفض المطلق لا لخروج الاحتلال فحسب، بل ورفض اجندة لرحيله.. وكان من مستلزمات التطبيع، مسيرة شعارات في رد السيادة واقامة الجمهورية المحررة، بشواهد انتخابات وجمعية وحكومة ورئيس ودستور.. فيما يستوطن العراق، مئة وخمسون ألفاً من الغزاة، مع استعداد للقصف عند ادهي اشارة.. فيما تستملح وزارات العراق الجديد، مشاهد القتل الجماعي في تل عفر والقائم والرمادي وبعقوبة وبلد.. وكل من يرفع صوته في وجه الاحتلال، اما البائس في هذا المسلسل، فهو ادعاء الحكومات الاحتلالية، منذ الرائد الاول علاوي، بأن اوامر القصف للفلوجة وما تلاها، انما تصدر عن حكومات (السيادة) في المنطقة الخضراء!ولكي تقوم البشمركة ومنظمة بدر والاشاوس من (مغاوير الداخلية) بعمليات القتل والتقتيل علي الهوية، بمقابل تقتيل مجهول ومخترع، باسم الزرقاوي، الذي اعتقل مئة مساعد له ولم ير الشعب واحدا منهم، فان الانجرار الي حرب اهلية، هو فعل مدبر، فالصراع في العراق، بدأ يأخذ شكلا مثلثا بعيدا عن (المثلث السني) باختلاطات داخلية وخارحية، يصعب معها، قراءة الاحداث وتقدير الدوافع لما يجري في استعجال حرب داخلية اهلية، يستنكر الجميع وقوعها، ففي حالة من حالات التوازن السلبي في صراع الاطراف، تصبح الحرب الاهلية، مخرجا للقوي الطامعة والمتورطة في العراق، لكنها ليست مخرجا للمقاومة الوطنية والاسلامية، من حيث ان برنامج المقاومة واستهدافاتها، باتت معروفة لكل ذي بصيرة، اما دمج المقاومة مع الارهاب، فانها حكاية تافهة، بدأها الامريكيون واستنسبها المطواعيون من اشياع الاحتلال.في الصراع المثلث في العراق اليوم، ما يشي بثلاثة محاور اساسية، امريكا وايران والمقاومة، فاذا كان قرار الرحيل الامريكي قد اعتمد حقا، نتيجة ضربات المقاومة، فان ادارة اليمين المحافظ بشوائب يهودية، تري الحل الامثل في ايقاع العراق في غاطس حرب اهلية لا يسلم منها، وهو انتقام مناسب، لإفشال قوة عظمي فيما ذهبت اليه.اما اذا توقعت الادارة الامريكية، بقاء لها في العراق، فان اذكاء حرب اهلية، يتناقض مع مشاريعها في العراق ومنه الي شرق اوسط كبير.من الزاوية الايرانية، فان امامها مشكلتين كبيرتين، عالميا من جهة واقليميا من جهة اخري، اي الملف النووي علي اعتاب مجلس الامن، والانجاز الايراني في العراق، علي كاهل الكلفة الامريكية الباهظة في الاحتلال.. اما المقاومة فليس امامها من مشكلة اليوم، الا الاحتلال،ويستوي مع هذا التحليل، ان الحرب الاهلية هنا، هي خشبة خلاص المتورطين، محور ايران مع اشياعه الداخليين، ومحور الاحتلال مع انصاره القادمين، فيما تبقي الحقيقة في صوت العراق الاسير.ہ كاتب من فلسطين يقيم في سورية8