لندن- “القدس العربي”:
عيّن الرئيس المقبل للولايات المتحدة دونالد ترامب، يوم الإثنين، توم هومان، كمسؤول عن الهجرة، وتعهد بطرد مليون مهاجر غير قانوني من البلاد في السنة الأولى من فترته الرئاسية.
ويرى الخبراء أن تصريحات ترامب مجرد كلام بدون أسس لغياب الوسائل اللوجيستية المادية والقضائية الكافية لتنفيذ عمليات طرد ضخمة.
وجعل ترامب من محاربة الهجرة غير القانونية ركيزة في خطابه الانتخابي الذي سهل له الفوز بالانتخابات الرئاسية في مواجهة الديمقراطية كامالا هاريس يوم 5 نوفمبر الجاري. وكان طرحه أقرب إلى العنصرية لاسيما في استهداف المهاجرين اللاتينيين، حيث ينطلق الحزب الجمهوري من رؤى صامويل هنتنغتون الذي يحذر من مغبة ارتفاع نسبة اللاتينيين في البلاد؛ لأنها ستقضي على هويتها الأنغلوسكسونية.
وردد ترامب خلال حملته وجود 20 مليون مهاجر غير قانوني، في حين تشير معظم الإحصائيات الرسمية إلى وجود 11 مليونا فقط، ولا تتعدى 12 مليونا في أقصى الحالات، وبهذا كان يراهن على التهويل.
ورددت وسائل الإعلام المتعاطفة معه هذا الرقم لخلق نوع من الفزع وسط الرأي العام. ويقول مايكل توماسكي في مقال له بمجلة “نيو ريببليك” إن هذا الإعلام خلق واقعا مشوها غير قائم على معطيات حقيقية، وأقنع المحافظين بهذا الواقع ومنها في مجال الهجرة. وتعهد ترامب بالبدء بطرد مليون مهاجر على الأقل، غير أن معطيات الواقع تشير إلى استحالة تطبيق هذا التعهد، ومنها:
إذا كانت الإحصائيات الرسمية تشير إلى 11 مليون مهاجر غير قانوني، فأغلبهم يقيمون في البلاد منذ مدة، وأغلبهم مسجلون لدى الشرطة المحلية وليس لدى مصلحة الهجرة ومراقبة الحدود المكلفة بتنفيذ الطرد. وتنقل “بي بي سي” عن تشير كاثلين بوش-جوزيف، المحللة في معهد سياسة الهجرة ومقره واشنطن، إلى أن التعاون بين عملاء وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك والسلطات المحلية سيكون ضرورياً لتنفيذ برنامج الترحيل الجماعي.
في المقابل، أقدمت عدد من المدن الأمريكية حماية للمهاجرين، على إصدار قوانين تحد من التعاون مع مصلحة الهجرة بشأن تبادل المعلومات، ولهذا ستجد مصلحة الهجرة صعوبات جمة في إيقاف المهاجرين السريين. في الوقت ذاته، فإن الزيادة الكبيرة في عمليات الترحيل ستتطلب توسيع نظام محاكم الهجرة المكتظة والمتأخرة.
ولوجيستيا، مصلحة الهجرة لا يتجاوز عدد عناصرها 20 ألفاً. الثلثان منهم يتكلفون بالبحث عن المهاجرين، وهذا رقم غير كافٍ نهائيا للبحث عن المهاجرين غير القانونيين في بلد مكون من خمسين ولاية، وفتح ملفات طردهم التي تتطلب الكثير من الوقت.
ويقول آرون ريتشلين-ميلنيك، مدير السياسات في مجلس الهجرة الأمريكي لبي بي سي: “إن ترحيل مليون مهاجر في عام واحد سيتطلب استثماراً هائلاً بالموارد التي لا يبدو أنها غير موجودة في الوقت الراهن. وعلى ترامب طلب ميزانية مالية خاصة من الكونغرس لهذا البرنامج، الأمر الذي سيتطلب وقتا كذلك. ويتطلب تنفيذ برنامج ترامب لطرد المهاجرين، عشرة مليارات دولار، بينما ميزانية مصلحة الهجرة حاليا هي أقل من نصف مليار دولار.
من جهة أخرى، تتعهد جمعيات حقوق الإنسان برفع دعاوى كثيرة في مواجهة أي عمليات ترحيل كبيرة للمهاجرين غير القانونيين، وهذا سيزيد من خلق عراقيل قانونية أمام أي محاولة للرئيس ترامب تخطي القانون.
يضاف إلى هذا، أن غالبية الدول لا تريد التعاون الدبلوماسي مع واشنطن في مجال الهجرة، وبالتالي، ترحيل أي مهاجر يحتم مصادقة حكومة بلاده على استقباله.
وعمليا، فالحديث عن عمليات الترحيل في الولايات المتحدة يشمل الذين يتم إيقافهم في الأراضي الأمريكية، وهم أقل من الثلث، بينما الثلثان هم الذين يتم إيقافهم في الحدود وطردهم مباشرة وخاصة في حالة المكسيك نظرا للحدود البرية المشتركة.
وسبق للولايات المتحدة أن طردت خلال سنة واحدة مليونا و300 ألف مهاجر كلهم تقريبا من المكسيك، ويتعلق الأمر بما أقدم عليه الرئيس الجمهوري دوايت إيزنهاور Operation Wetback سنة 1954، غير أنه في تلك الفترة تمت العملية باتفاق مع المكسيك التي كانت تريد استعادة العمال المكسيكيين الذين تركوا البلاد وتسببوا في نقص خطير باليد العاملة. وتختلف الظروف الآن حقوقيا وسياسيا.
وتبقى المفارقة الكبرى أنه رغم التهديدات بترحيل المهاجرين، يبقى الرئيس ترامب استنادا إلى الأرقام الرسمية أن ولايته الرئاسية الأولى سجلت نسبة طرد أقل من الرؤساء الديمقراطيين. وتفيد معطيات مكتب الجمارك وحماية الحدود الأمريكية، بأن الرئيس باراك أوباما سجل أعلى نسبة من عمليات طرد المهاجرين مقارنة مع الرؤساء السابقين واللاحقين له.
في المقابل، سيراهن ترامب وفريقه على تشديد الحراسة في الحدود مع المكسيك لتقليص أعداد دخول المهاجرين وليس عمليات الترحيل المعقدة.