تطييف المشرق اهم نصر استراتيجي لاسرائيل

حجم الخط
0

كان المرحوم العميد ريمون اده رئيس الكتلة الوطنية في لبنان من اكثر من حذر في سبعينيات القرن الماضي من خطر تطييف لبنان والمشرق. لان ذلك سيقدم تبريرا ايديولوجيا- دينيا للدولة اليهودية التي تبنت كما هو معروف سياسة التطهير العرقي في فلسطين لتهويد فلسطين. كان ريمون اده يقول هذا الكلام في فتره لم يكن فيه الغليان الطائفي قد وصل الى مرحله مقلقة كالذي وصل الان.
ففي الوقت الحاضر نرى تناحرا على خلفية مذهبية تجرة وانتشارا غير مسبوق لثقافة الكراهية الدينية، خاصة في ثلاث بلدان في المشرق وهي العراق وسورية ولبنان وكذلك في مصر.
وهذه الصراعات مثلها مثل كل الظواهر السياسية والاجتماعية لا تنبت فجأة بل هي نتيجة تراكمات فشل الدولة الوطنية والاحباط وفقدان الامل الامر الذي سمح للايديولوجيات الدينية خاصة المتطرفة منها ان تملأ الفراغ الحاصل وان تسوق نفسها كأنها مخلص للمجتمعات من مشاكلها.
فالبنية الاجتماعية والثقافة الشعبية السائدة في المشرق العربي التي تستند في جلها الى مرحله ما قبل الحداثة وطول مدة الاستبداد السياسي سمحت الى حد ما لثقافة التطرف الى ان تصل الى مستويات يكاد البعض منا لا يصدقه، خاصه نحن الذين تربينا في المشرق الذي كان دوما يملك حدا معقولا من التسامح. ولذا فان التغيير الحاصل الان في بنيه الثقافة ومنظومة القيم هو الاخطر الذى يتعرض له المشرق. فالاحتلال العسكري الاجنبي يظل امرا بسيطا مقابل تدمير منظومه القيم، فالثقافة كانت دوما في الخط الامامي للدفاع عن الاوطان وتدمير الثقافة واستبدالها بمنظومة فكر منغلق كارثة كبرى.
لقد نجح الاسبان في تدمير السكان الاصليين في امريكا الجنوبية ليس بالهزيمة العسكرية بل من خلال تدمير ثقافتهم. لان الثقافة بكل اشكالها تشكل المستودع الروحي لاي شعب وهي خط الاول والاخير للدفاع عن الاوطان.
ففي المراحل السابقة كان الصراع – العربي الصهيوني هو الذي يحتل الاهتمام الاول، بالرغم من كل تلاعبات الانظمة العربية وتسخيرها لهذا الصراع لمصالحها.
وقد وعت الحركة الصهيونية مبكرا لخطورة الفكر التوحيدي العربي لانها تعرف ان كل وجودها مرتبط بالتغيرات التي تحصل فيها المنطقة.
وهذا ما يفسر الكتابات الصهيونية التي تعود الى خمسينيات القرن الماضي والتي تؤكد على ضرورة ان تعمل اسرائيل على اللعب على الاوتار الطائفية، لاجل تمزيق نسيج المجتمعات المشرقية. الامر الذى يدخل هذه المجتمعات في صراعات لا تنتهي تكون فيها اسرائيل المستفيدة الاولى.
وتستطيع حينها ان تقدم نفسها في العالم كواحة ديموقراطية مستقرة وسط تناحرات دينية. لان الدولة الصهيونية ادركت جيدا ان انتصارها العسكري على العرب لا يملك اي قيمة استراتيجية طالما بقيت المجتمعات العربية خاصة في المشرق متماسكة. وما نراه اليوم من تفكيك لنيسج مجتمعاتنا هو تحقيق للحلم الصهيوني وهو في تقديري اكبر نصر استراتيجي تحققه اسرائيل منذ وجودها.
د. سليم نزال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية