بيروت ـ «القدس العربي»: يرصد اللبنانيون احتمالات التصعيد الحربي أو احتمالات وقف إطلاق النار بعد انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي كان وعد في حملته الانتخابية بوقف الحرب في لبنان، وهذا ما ذكّر به رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي استحضر ما سمّاه «تعهد» ترامب في أحد المطاعم اللبنانية في ولاية ميشيغن.
وإذا كان البعض لا يشكك بوعد ترامب لإنهاء الحروب، إلا أنه يخشى من أن تكون الفترة الفاصلة حتى تاريخ 20 كانون الثاني/يناير موعد تسلم الرئيس المنتخب مهامه الدستورية رسمياً فترة ساخنة يحاول في خلالها رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استعجال حسم المعركة ضد «حزب الله» ليبدأ صديقه ترامب ولايته بعيداً عن الحرب التي وعد بإنهائها.
وفي انتظار جلاء الصورة يبدو لبنان الرسمي في حال إرباك لناحية كيفية العمل على وقف الحرب الإسرائيلية المدمرة على لبنان، إذ بعد مشهد الترويكا في عين التينة (بري وميقاتي وجنبلاط) الذي خطا خطوة إلى الأمام بدعوته لوقف إطلاق النار والالتزام بتطبيق القرار 1701 وانتخاب رئيس للجمهورية تمت فرملة المسعى بعد تدخل إيراني وبعد كلام لأمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم بالاكتفاء بوقف النار وترك التفاصيل إلى وقت لاحق. إلا أن الرئيس نجيب ميقاتي ما زال يحاول إرسال الإشارة تلو الإشارة إلى الولايات المتحدة وفرنسا والمجتمع الدولي والعالم العربي إلى رغبته الصادقة بتطبيق القرار 1701 كاملاً بما ينص عليه من انسحاب «حزب الله» إلى شمال نهر الليطاني. وآخر تلك الإشارات ما صدر عن مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة من إقرار للاعتمادات المالية من أجل تطويع 1500 جندي في الجيش اللبناني وإرساله إلى الجنوب على الرغم من الاعتراض الذي سجّله وزير الدفاع موريس سليم المحسوب على التيار الوطني الحر بذريعة تجاوز الأصول وتخطي صلاحياته في وقت تجدد الخلاف بين وزير الدفاع وقائد الجيش العماد جوزف عون بالتزامن مع حملة تطال الجيش كان أحد فصولها انتقاد الشيخ نعيم قاسم للجيش علناً على خلفية الانزال البحري الإسرائيلي في البترون وخطف المواطن عماد أمهز الذي تتهمه إسرائيل بأنه مسؤول في «حزب الله».
واللافت أن الحملة التي يتعرّض لها الجيش تترافق مع الدعوات لنشره في الجنوب وتوليه مسؤوليات الدفاع عن لبنان باعتباره ممثلاً للشرعية اللبنانية. كما تسبق هذه الحملة المساعي الرامية إلى تمديد ولاية قائد الجيش مرة جديدة بسبب الظروف الاستثنائية في محاولة لقطع الطريق عليه ليس فقط على رأس المؤسسة العسكرية بل لوضع العصي أمام انتقاله من مقر قيادة الجيش في اليرزة إلى مقر رئاسة الجمهورية في بعبدا.
ويحظى مشروع التمديد لقائد الجيش بدعم أمريكي وتأييد سعودي، ولفتت في هذا الإطار زيارة السفير السعودي وليد البخاري إلى اليرزة في عز الحملة التي تتعرض لها قيادة الجيش. وتتسابق كتل نيابية لتقديم اقتراحات القوانين التمديدية، وكان أولها تكتل «الجمهورية القوية» الذي تقدم رئيسه النائب جورج عدوان باقتراح لرفع سن تقاعد من هم في رتبة عماد إلى 62 سنة، فيما يتحضّر تكتل «الاعتدال الوطني» لتقديم اقتراح يرمي إلى شمول التمديد من هم في رتبتي عماد ولواء، ليشمل مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، في وقت يوجد في المجلس اقتراح لكتلة «اللقاء الديمقراطي» ينص على التمديد لجميع العاملين في الأسلاك الأمنية والعسكرية على اختلاف رتبهم حتى نهاية العام 2025 وذهب النائب جهاد الصمد أبعد من ذلك باقتراحه «بصورة استثنائية وخلافاً لأي نص آخر التمديد لمن يرغب من العاملين في القطاع العام إدارات ومؤسسات عامة وأجهزة قضائية والجامعة اللبنانية وعناصر وضبط الأجهزة الأمنية والعسكرية لمدة سنة من تاريخ احالتهم على التقاعد».
وعلى الرغم من عدم حسم الرئيس نبيه بري لغاية تاريخه موافقته على التمديد لقائد الجيش إلا أن نواباً يعتقدون أن من وافقوا على التمديد السابق سيوافقون على التمديد المطروح بمن فيهم نواب كتلة «التحرير والتنمية» والنائب طوني فرنجية نجل رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية باستثناء نواب «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» الذين قاطعوا جلسة التمديد السنة الفائتة.
أما محاولات تأخير التمديد والدعوة لعقد جلسة تشريعية من جانب «الحزب» و«التيار» كي يضيق الوقت ويُطرَح موضوع تعيين قائد جديد للجيش في جلسة لمجلس الوزراء يشارك فيها وزير الدفاع شخصياً ووزراء التيار المقاطعون، فمصيرها الفشل المحتوم لأن الرئيس ميقاتي ليس مستعداً لأي مواجهة لا مع الولايات المتحدة من جهة ولا مع الكنيسة المارونية من جهة ثانية التي لن تقبل بتغييب موقع ماروني جديد بعد رئاسة الجمهورية وحاكمية مصرف لبنان. ويؤازر الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط موقف ميقاتي والبطريركية المارونية من خلال رفضه تسليم مهام قيادة الجيش لرئيس الأركان الدرزي اللواء حسان عودة.
وانطلاقاً من هذه المعطيات تُفهَم الحملات التي تطال قائد الجيش خصوصاً وعلى المؤسسة العسكرية عموماً بهدف تصوير الجيش عاجزاً عن حماية البلد ولتبرير الابقاء على سلاح «حزب الله» وازدواجية السلاح في المرحلة الحالية والمقبلة، وهذا أمر بدأ المعارضون للحزب يواجهونه ويحمّلونه مسؤولية رفض الهبة السعودية لتسليح الجيش وانكشاف البلد أمام العدو الإسرائيلي. وهذه معركة داخلية جديدة تستعد لها الساحة اللبنانية في وقت تتصاعد حدة التطورات الميدانية بين إسرائيل و«حزب الله» مع استبعاد أي وقف لإطلاق النار من جانب نتنياهو الذي لن يمنح إدارة الرئيس جو بايدن الآن ما لم يمنحه إياها من قبل.