تشارلز كراوثمر بطل ايديولوجي من زماننا: ملاحظات حول منظر نيومحافظ

حجم الخط
0

تشارلز كراوثمر بطل ايديولوجي من زماننا: ملاحظات حول منظر نيومحافظ

الطاهر الأسودتشارلز كراوثمر بطل ايديولوجي من زماننا: ملاحظات حول منظر نيومحافظ1كتب سنة 1840 الروائي والشاعر الروسي الكبير ميخائيل ليرمينتوف روايته بطل من زماننا . كانت الفكرة الأساسية لتلك الرواية الرائعة مقولة رومنطيقية تلامس العدمية عكست قلقا روسيا متعاظما من المعاني التي يحملها الانسان الحديث . بطل من زماننا تكشف عما تعتقده من تداخل فظيع، في بداية التحول الروسي نحو الرأسمالية، بين الأمثولة الأخلاقية السلبية والمفهوم النبيل للبطولة، الي الدرجة التي لا يمكن أن توجد بطــــولة في ذلك الزمان إلا متي كانت سيئة . وكأي عمل روائي عظيم كان فعل الترويع الذي أحدثته رواية ليرمينــــتوف كبـــــيرا مما أثار عليه هجمة ساخطة من الأوساط النقدية الروسية التي لم تستسغ النظرة العدمية لليرمينتوف وتحديدا منحه دور البطولة الروائية لشخص سافل . ما يمكن التمسك به من صدي ذلك الجدل الروسي البريء أن لكل زمان أبطاله. والبطولة أنواع. سأتحدث هنا عن نوع لا يحظي بقدر مناسب من التعليق: البطل الايديولوجي . 2كل نظام فكري هو بالتأكيد ظاهرة مؤدلجة حتي لو لم يقبل بذلك المنتسبون اليه. لكن هناك أنظمة فاقعة التأدلج أكثر من غيرها. مثلا، كانت الماركسية، ولا تزال، ظاهرة أيديولوجية فاقعة. يمكن أن يبدو ذلك مفارقا: حيث يبقي أفضل عمل فلسفي حول الايديولوجيا ، حسب رأيي، المؤلف المشترك لماركس وانجلس حول الايديولوجيا الألمانية . لم يقم فوكو والجوقة المابعد حداثية التي تنتج تكرارا وضجيجا تنسبه لفوكو إلا بتفعيل المقولات الرئيسية في ذلك المؤلف الكلاسيكي والرائع. وذلك موضوع شيق ولكنه ليس موضوع هذه المقالة. إذا، الماركسية نظام فكري متأدلج بامتياز. ولكن لكي يصبح نظاما فكريا متأدلجا بامتياز فيجب أن يوجد أبطال ايديولوجيون. وإذا قامت الماركسية بشيء غير مسبوق فسيكون ذلك تحويلها منظريها الأرضيين الي أبطال يستحقون الثناء بل والعبادة. لم يكن التعامل مع ماركس وانجلس في التراث الماركسوي كأشخاص مُخلِّصين من قبيل الصدفة أو التجني السياسوي. فلأن ماركس تصرف بالتحديد مع نفسه وصورته كمُخلص/مفكر لم يبق لمحبيه إلا أن يروه كذلك. وربما كانت أحد مصادر السحر الخاص للشخصية المعقدة للفيلسوف الألماني في الذاكرة الايديولوجية الي هذه اللحظة هو ذلك الخليط من القوة والضعف: شخص مشرد وملاحق ولكنه شديد السطوة والتفوق بفضل قلمه وعقله الوقاد، أي شخص لا يملك إلا فكره بأتم ما تعنيه الكلمة غير أنه كان قادرا بفضل ذلك، فقط، علي الرمي بالتاريخ الي معمعة غير مسبوقة. وبمعني ما ذلك بالتحديد هو معني البطل الايديولوجي . غير أنه معني مشروط بحدود تاريخية محددة. كان ماركس بطلا ايديولوجيا لزمن محدد: زمن غير مسبوق، شديد التحول والفوضي ولكن أيضا شديد الابداع. وربما سأمضي مع البعض الي حد اعتبار ماركس ذلك البطل ـ المضاد anti-hero لبطل ليرمينتوف. 3ربما هناك ضجر الآن من الفيضان المعرفي الذي يميز الحديث عن الظاهرة النيومحافظة. أعتقد أن ذلك الضجر مبرر. أشعر به بنفسي بين الحين والآخر. في النهاية، أليس من مميزات هذا الحديث، الذي يكون ضجيجا أحيانا، أنه ينزع الي التكرار؟ من المقلق أنه علينا أن نمر بنفق التكرار هذا كلما أردنا إعادة تعريف الظاهرة النيومحافظة. من المسائل التي تفرض التكرار هي إعادة ترتيب سلسلة أهم منظري التيار النيومحافظ: هل هو ليو شتراوس ذلك الراهب في الفلسفة علي الطراز القديم وفيلسوف السياسة الغامض الذي لم يتحدث تحديدا في السياسة بقدر ما حام حولها؟ هل هو ووهلستتر تلميذ ليو شتراوس وفيلسوف المنطق والراعي المباشر لريتشارد بيرل ووولفويتز؟ هل هو، في النهاية، ايرفينغ كريستول ذلك التروتسكي السابق وأكثر تلامذة شتراوس بروزا والمثقف المخابراتي والذي يوصف بشكل واسع علي كل حال بـ عراب التيار النيومحافظ؟ لكن هل من الضروري القيام بترتيب في حالة استحالته، أو الأهم من ذلك، في حالة عبثية معانيه. ألا يكفي أن نشدد علي حالة محددة من المرشحين للبطولة الايديولوجية للتيار النيومحافظ حتي يمكن أن نفهم معناها ومعني زماننا؟ 4علي عكس المرشحين أعــــلاه يتمـــيز مرشحي أنـــــا لـــــدور البطـــولة، تشـــارلز كـــــراوثمر Charles Krauthammer، علي بقية المرشحين أعلاه بأنه لايزال حيا. يمكن أن يكون ذلك أمرا غير مهم في حالة أننا لا نتحدث عن ظاهرة فكرية لا تعيش أوجها النظري والعملي في هذه اللحظات مثلما هو الحال مع التيار النيومحافظ: كل الأسماء الثلاثة المذكورة أعلاه لم تعش تحول الفكر النيومحافظ من مجرد تيار هامشي ينتظر فرصته الي التيار الأكثر بروزا فكريا وسياسيا. غير أن كراوثمر لم يعش هذا التحول فحسب بل يتميز أيضا بقدرته النظرية الفائقة والتي تجعل منه المفكر الأكثر ذكاء ومن ثمة الأعمق تأثيرا من بين الجيل الثاني من منظري التيار النيومحافظ. لا أنكر إعجابي الخاص بأسلوب كتابة كراوثمر وطريقة تقديمه للأمور وخاصة رغبته الجامحة ألا يكون سطحيا. طبعا، وفي نفس الوقت، لا أملك إلا أن أعبر عن إشمئزازي من سطوته العقائدية وترويجه لنفسه كمفكر امبراطوري بلا منازع، مما يكشف عن صورة تسترجع بعناد تاسيتوس ذلك المؤرخ الروماني الذي نحت الصورة المرجعية للمفكر الامبراطوري. غير أنه وبغض النظر عما يمكن أن أحسه أو يحسه غيري لا يمكن ألا نلحظ التأثير الكبير الذي يمارسه كراوثمر ليس في تحوير معاني الفكر النيومحافظ وهو في عنفوان عصر تطبيقاته بل أيضا في إعادة تعريف هذا الفكر من خلال الرصد المستمر للشروط الجديدة التي يفرضها عليه احتكاكه الراهن مع الواقع. 5كنت قد كتبت عن كراوثمر ودوره البارز في صياغة ملامح التيار النيومحافظ أكثر من مرة. أشرت سنة 2003 في مقال طويل حول الاستراتيجيا الاستباقية الي أهمية السبق التنظيري لكراوثمر من خلال نشره لمقال مرجعي في نهاية سنة 1990 وضع أسس الاستراتيجيا الأحادية القطبية للتيار النيومحافظ في مرحلة ما بعد الحرب الباردة (الطاهر الأسود نشأة وتطور استراتيجيا الحرب الاستباقية نشر في موقع تونسنيوز الالكتروني في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2003). كما أشرت اليه في ربيع سنة 2004 في مقال حول مسار الحرب الأمريكية علي العراق وتحديدا الي دوره الكاريزمي كمفكر رئيسي في التيار النيومحافظ يجب الانتباه اليه بشكل خاص (الطاهر الأسود العراق: حفل عشاء المحافظين الجدد نشر في موقع نواة الالكتروني في 22 نيسان (أبريل) 2004). وأخيرا أشرت اليه وبشكل مطول ومركز في شتاء 2004 علي أثر المناظرة المميزة التي جمعته بمفكر نيومحافظ آخر هو فرانسيس فوكوياما والتي تجسمت في ثلاث ورقات شديدة الأهمية من حيث كونها آخر المراجع حول تطور التيار النيومحافظ، كتب منها كراوثمر ورقتان (الطاهر الأسود النزاع بين النيومحافظين حول طبيعة الديمقراطية الاسلامية القدس العربي وميدل إيست أونلاين 11/12 كانون الأول (ديسمبر) 2004).المناظرة الأخيرة بشكل خاص أرجعت كراوثمر الي مقدمة المسرح التنظيري النيومحافظ. سأستقطع هنا بعض الأسطر من مقالي السابق والذي حاولت فيه تلخيص بعض جوانبها خاصة وأنها مهمة للغاية لتقديم المقال الجديد لكراوثمر والذي نهتم به بشكل خاص هنا. بشكل يذكر بالطقوس التي تحيط ولادة فكرة عظيمة قدم كراوثمر في يوم 10 شباط (فبراير) سنة 2005 واقعيته الديمقراطية Democratic Realism والتي أصبحت عنوانا للنزاع الرئيسي الذي يشق صفوف التيار النيومحافظ في الوقت الراهن حول مسألة عملية (بناء الديمقراطية في العراق كنموذج عربي) تتعلق بمسألة نظرية أكثر شمولا (بناء الديمقراطية في بلد ذي ثقافة إسلامية). فمنذ تلك اللحظة تبدد الستار ليكشف عن ثلاث فرق داخل مجموعة الدهاقنة هذه: أولا، ميز كراوثمر في محاضرته تلك وبشكل صارم بين ما يراه رؤية كونية ديمقراطية Democratic Globalism تعبر عنها الادارة الأمريكية الراهنة بالاضافة الي وجوه أساسية من فريق المنظرين (ويليام كريستول أساسا) تتبني الدفاع عن بناء الديمقراطية علي مستوي كوني يفتح مواجهة عامة تشمل كل الأقطار الاسلامية. ثانيا، وفي مقابل ذلك يوضح كراوثمر أن هذه الرؤية مثالية ولا تحاول أن تختار معاركها بشكل يحسب القدرات الواقعية، ويؤكد في المقابل علي ضرورة إتباع أي سياسة واقعية لـ رؤية شاملة تحتوي مبادئ سامية تتمثل في هذه الحالة في بناء الديمقراطية وهو تعريفه للرؤية الديمقراطية الواقعية التي يتبناها والتي تختلف عن الرؤية الواقعية التي بصمت لفترة طويلة السياسة الخارجية الأمريكية والتي تفادت التدخل في الشأن الداخلي العربي بمعني دعمها المستمر للدكتاتوريات العربية وتقاعسها في الدفاع عن قضية البناء الديمقراطي، في حين أنها حسب كراوثمر مهمة حتمية من زاوية المصلحة الأمريكية في الوقت الراهن .6من الضروري القيام بملاحظة سريعة قبل المضي نحو آخر مقالات كراوثمر. مثلما تغيرت مراكز قوي الحكم في الولايات المتحدة بما في ذلك مراكز التنظير للمهام الاستراتيجية والسياسة الخارجية الأمريكية تغيرت مصادر رصد الرؤي والنقاشات الداخلية الخاصة بالمجموعة المؤثرة في تقرير هذه الاستــــراتيجيا وهذه الســـياسة. علي سبيل المثال بعد أن كانت قراءة نشــــرية شؤون خارجية Foreign Aairs مصدرا ضروريا لتتــبع تطـــورات رؤي مؤثرة في الأوساط الأمريكية أصبح من الضــــروري التخفيف من التركيز علي هذه النشـــــرية والتي أصبحت تعرض رؤي معارضة للإدارة الحالية أكثر من أي شيء آخر (وهي تبقي مصدرا هاما علي كل حال لتتبع مواقف مدرسة مازالت مؤثرة علي هامش الادارة الراهنة أي المدرسة الواقعية) فإن التيار النيومحافظ جذب الأنظار الي نشرياته الخاصة والتي أصبحت تحوز علي أهمية استثنائية منذ سنوات قليلة فقط. هذه النشريات هي بالأساس ثلاث: نشرية أسبوعية ذات تعاليق مخففة وسياسية بالأساس وهي الويكلي ستاندارد Weekly Standard. نشرية فصلية ذات تعاليق موسعة وعميقة لأهم منظري التيار النيومحافظ وهي الناشيونال انترست National Interest وفي العادة هناك خلط غير مقصود بين هذه النشرية ونشرية ذات عنوان مشابه تتبع التيار الواقعي وهي نشرية الناشيونال ريفيو National Review وأخيرا، النشــــرية الثالثة للتــــيار النيومحافظ، كومنتري Commentary، وهـــي شهــــرية تتــــــــبع اللجـــــــنة اليهــــــــودية الأمريكية American Jewish Commiee، وهو تجمع أساسي للوبي الموالي لإسرائيل في الولايات المتحدة ولكنه إطار مبكر للتيار النيومحافظ ولأهم مفكــــريه بما في ذلك كراوثمر وجوشوا مورافشيك Joshua Moravshik ونورمان بودوراتزNorman Podhoretz. المقال الذي اخترناه لإعادة النشر هو من النشرية الأخيرة ونهدف من ذلك فيما نهدف تركيز الأنظار عليها لأنها الأقل بروزا في المشهد الاعلامي النيومحافظ بالرغم من أهميتها الكبيرة. 7في العدد المزدوج لـتموز (يوليو) ـ آب (اغسطس) سنة 2005 من نشرية كومنتري نشر كراوثمر مقالا طرح فيه أفكارا أساسية حول إعادة تعريف التيار النيومحافظ علي ضوء تحولات الواقع الدولي. تحت عنوان التقارب النيومحافظ The Neoconservative Convergence دافع كراوثمر عن الأفكار التالية:ـ في مواجهة السيطرة الطويلة لمدرسة واقعية وأخري ليبرالية أممية برزت المدرسة النيومحافظة بعد صعود إدارة بوش الابن كمرجع رئيسي للسياسة الخارجية الأمريكية ومن ثمة تحولت من رؤية خلافية مهمشة الي رؤية حكم . ويتمثل التعريف الأساسي لهذه المدرسة وهو ما يميزها عن بقية المدارس في النقاط التالية: أولا، عدم التردد في توظيف القوة (العسكرية) الأمريكية في العالم. ثانيا، سياسة أحادية القطبية عند اللزوم والتوجه نحو اعتماد استراتيجيا عسكرية استباقية. ثالثا، وهو حسب كراوثمر أهم خاصياته ، اعتزام الادارة الأمريكية علي اعتبار مبدأ نشر الحرية عبر العالم عاملا أساسيا في تقرير السياسة الخارجية. ـ خلال سنة 2004 وبسبب الإخفاق الذريع للولايات المتحدة في العراق تراجعت الرؤية النيومحافظة في إطار استرجاع المدرستين الأخرتين لحيويتهما وخاصة المدرسة الواقعية، حيث يشير الي أن الليبراليين خاصة من صفوف الحزب الديمقراطي تبنوا رؤية المدرسة الواقعية في الرد علي الرؤية النيومحافظة. وفي هذا الاطار يتعرض بالنقد والتشكيك لاراء فوكوياما مذكرا بأهم نقاط الخلاف بينهما خلال المناظرة المذكورة أعلاه. وبشكل عام ينزع لاتهام جميع هؤلاء بالانتهازية من خلال الانضمام للتيار النيومحافظ وتحديدا مشروعه في العراق في فترة عنفوانه و مغادرة السفينة عند ظهور التعقيدات الكبيرة في الوضع الأمريكي هناك. غير أن كراوثمر يعتقد أن ثلاثة انتخابات غيرت الوضع تماما لصالح النيومحافظين (الانتخابات الأمريكية التي أرجعت إدارة بوش الابن الي السلطة وهو ما اعتبره استفتاء ايجابيا علي قرار الحرب، الانتخابات العراقية والأفغانية و نجاحها من حيث إقبال الناخبين) وهو ما جعلهم يستعيدون زمام المبادرة في السجال القائم. ـ فكرة أخري، أعتقد أنها الأهم من حيث راهنيتها السياسية، يدافع عنها كراوثمر هي أنه يفرق بشكل أساسي الأصدقاء و الأعداء علي قاعدة الموقف من الحرب علي الارهاب . وبهذا المعني تطفو أنظمة شمولية ثلاثة في المنطقة يذكرها بشكل صريح، وهي الباكستان والسعودية ومصر، كأنظمة صديقة يجب الحذر من حيث الدفع بتحويلها نحو الديمقراطية. حيث يذكر امكانية انهيار السقف ككل في الحالة المصرية مذكرا بالتجربة الجزائرية. ويخلص هنا الي موقف تشجيع انتقال تدريجي نحو الديمقراطية عوض إعتماد طريقة الضغط المشددة مثلما هو الحال مع أقطار تُصنف كـ أعداء في الحرب علي الارهاب مثل إيران أو سورية.ـ هذه القضية العملية هي الأساس في تفريق كراوثمر المذكور أعلاه بين الموقفين اللذين يفرقان التيار النيومحافظ الآن أي كونية ديمقراطية تدفع بقطار الحرية بنفس القوة والسرعة أينما كان حتي في مجال الأصدقاء وفريق الواقعية الديمقراطية الذي ينسب نفسه له والذي يدعو للتعامل بشكل خاص مع الأصدقاء بشكل لا يدفع باهتزازات كبري داخل هذه الأقطار. ـ يلمح كراوثمر، أخيرا، الي أن فريق الواقعية الديمقراطية تغلب في الصراع الداخلي في الادارة الأمريكية. فالتيار النيومحافظ يميل حسب استنتاجاته الي النضج وهو أمر ضروري بالنسبة لنظرية حكم . لهذا فإن القادة التنفيذيين لهذا التيار الآن ليسوا إلا واقعيين قدامي من نوع كوندوليزا رايس تلميذة الواقعي الأكبر برنت سكوكروفت أو ديك تشيني وزير دفاع بوش الأب. يفسر كراوثمر هذا التحول كالتالي: بقدر ما يقدم الفكر النيومحافظ، حسبما يبدو، أكثر تفسير مناسب للواقع الجديد والاجابة الأكثر إثارة وفعالية له، فإن الكثير من الواقعيين حُملوا علي الاعتراف بفقر الواقعية .علي هنا أن أقوم بعدد من الملاحظات الأولية تعليقا علي هذا المقال:ـ هناك غموض في موقف كراوثمر من ناحية المقولة الأساسية الأكثر إثارة في الخطاب النيومحافظ للادارة الأمريكية والتي أفرزت جدلا كبيرا أي: الدمقرطة كحل ضروري لمواجهة التيار القاعدي. حيث أنه يري، علي العكس، أن الدمقرطة في مجال الأصدقاء يمكن أن تؤدي الي انتصار التيار القاعدي من خلال انهيار السقف وليس الي دحره. ـ في نفس الوقت يتمسك بضرورة تشجيع الدمقرطة في مجال الأصدقاء . وهو تعبير غامض أيضا لا يُفهم منه تحديدا معني هذا التشجيع وماهي الأشياء التي يمكن أن تؤدي الي انهيار السقف : فهل هو تشجيع مشاركة الاسلام السياسي المعتدل في الحياة السياسية خاصة وأن كراوثمر يذكر بالتجربة الجزائرية؟ ـ إن تراجعا نسبيا للوجه الأمريكي عن صورة الدمقرطة يبدو أنه في صالح هذا المسار لأنه يفسح المجال لقوي حيوية لا ترغب في التدخل الأمريكي وتري فيه خطا أحمر في الانخراط في مسار التفعيل الديمقراطي ومن ثمة لا تتعامل معه كمؤامرة خارجية. إن مـــــوقف هذه القوي وهي الأكثر شعبية عربيا سيساعد بالتأكيد في نقل معركة الدمقرطة من مستويات نخبوية معزولة الي مستويات شعبية. إن التطـــورات في الوضع المصري وخاصة التجمع السياسي غير المسبوق لأهم قوي المعارضة قبل الانتخابات التشريعية الأخيرة دليل أساسي علي مثل هذه التطورات. وهنا ليست نتائج الانتخابات في ذاتها هي الأهم بقدر ما هو تشكل جبهة عريضة مؤثرة حول برنامج فعلي لإحداث إصلاحات ليبرالية علي المستوي السياسي. ہ باحث تونسي يقيم في أمريكا الشمالية8

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية