تركة شارون

حجم الخط
0

تركة شارون

أنطوان شلحت تركة شارون لعلّ المؤرخ والصحافي الإسرائيلي توم سيغف كان الأكثر إصابة للهدف حين كتب من جملة الذين كتبوا، وهو يخطّ رسما بيانيا لما اصطلح علي تسميته بـ تركة شارون أو وصيته السياسية بعد أن أضحي غيابه عن الساحة السياسية الإسرائيلية من الأسرار المفضوحة ، يقول: لم يرَ ابن المزارعين من كفر ملال (المقصود آرييل شارون) في الجيوش العربية خطرا أساسيا علي إسرائيل: فالخطر الأكبر كان يتبدّي له من العرب المقيمين في أرض إسرائيل. وقال ذات مرة إنني لا أكره العرب، ولكنني علي وجه اليقين أؤمن عميق الإيمان بحقوقنا التاريخية علي أرض إسرائيل وهذا يفاقم بشكل طبيعي من موقفي تجاه العرب . وهو يقصد عرب البلاد. لقد كانوا العدو الأساس له، مدنيين كانوا أم عسكريين، إذ لم يعتد شارون التمييز بينهم. فقد رأي في هؤلاء وأولئك خطرا علي الهوية القومية لإسرائيل هآرتس ، (13/1/2006).وأضاف سيغف: … وشارون لا يختلف في ذلك عن الآخرين (من القادة الصهاينة). فمنذ اليوم الأول لبدء مشروعها في فلسطين أدركت الحركة الصهيونية أنها ستواجه مقاومة عربية. ومنذ اللحظة الأولي التي وصل فيها الطلائعيون لم يكفّ اليهود في البلاد عن السجال فيما بينهم عن أفضل طريق للتعايش مع المشكلة العربية . وقد درسوا كل احتمال يقع بين ترحيل العرب إلي مناطق أخري وإقامة دولة ثنائية القومية، كما اختبروا كل احتمالات تقسيم البلاد، ولكنهم (في خضم ذلك) أجمعوا علي مبدأ أساسي: أرض أكثر وعرب أقل. إصابة الهدف هنا أعني فيها علي وجه الخصوص، من جهة تسمية تركة شارون باسمها الحقيقي، ومن أخري وضع هذه الـ تركة في سياقها الطبيعي، الذي يؤصل الأشياء بإعادتها إلي جذرها الحقيقي ـ وهو تعاطي الحركة الصهيونية مع المشكلة العربية ، من منطلق مسبق البرمجة ومسبق الأدلجة، ينسحب علي شارون كذلك. وفي اشتداد السياسة الإسرائيلية الرسمية مؤخرا حيال المواطنين العرب تحديدا، خبثا ولؤما، تضييقا وتقتيلا، يكمن الدليل القاطع الذي يؤكد موقف شارون السالف التسلسلي. والآن عشية المعركة الانتخابية ليس من المبالغة القول إن هناك إجماعا صهيونيا يتماشي مع المبدأ الشاروني الأساسي: أرض أكثر وعرب أقل. ويكاد هذا الإجماع يشكل أسّ البرامج الانتخابية للأحزاب الكبيرة كافتها، المنطلق من القناعة بوجوب الانفصال ديمغرافيا عن الفلسطينيين دون الحاجة إلي تحقيق حل عادل ودائم، أي دون الحاجة إلي الانسحاب إلي حدود العام 1967 ودون حق العودة ودون القدس. وبطبيعة الحال يشمل هذا الانفصال، المرغوب فيه، الفلسطينيين في إسرائيل.وللمعلومية فإن الانتفاضة الثانية وضعت تلك القناعة علي نار حامية من الجدل والاستحصال، كما سننعش الذاكرة في سياق لاحق، وإن لم تكن مفقودة في الممارسات الإسرائيلية من قبل الانتفاضة أيضا. وبما أن هذه المقالة تتزامن مع انعقاد مؤتمر هرتسليا السادس حول ميزان المناعة والأمن القومي الإسرائيلي ، فلا مهرب من ملاحظة أن هذا المؤتمر يشهد علي مدار دوراته المنعقدة منذ العام 2000 حتي الآن تصعيدا في البحث عن حلول جغرافية لـ المشكلة الديمغرافية ، التي باتت في أدبياته نعتا ملازما للوجود العربي الفلسطيني داخل الخط الأخضر، وخارجه كذلك.يتمثل الأمر في المؤتمر الحالي، السادس، في بحث المخطط الذي أعده نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي ، إيهود برافير وتبناه رئيس المجلس، غيورا أيلاند، والداعي إلي ترحيل 40 ألف عربي من البدو في النقب عن أراضيهم بهدف تجميعهم في بلدات جديدة، بالاستناد إلي سابقة فك الارتباط في قطاع غزة وقانون الإخلاء والتعويض. كما يتمثل في وثيقة تعرض علي المؤتمر وتنصّ علي تبادل مناطق بين إسرائيل و دولة فلسطينية عتيدة أعدتها مجموعة من كبار الخبراء الجغرافيين الإسرائيليين، حجتها الظاهرة إعادة ترسيم الخط الأخضر (الحدود)، غير أنها في العمق تستهدف المزيد من الترجمة العملية لمبدأ أرض أكثر وعرب أقل. وبحسب البروفيسور عوزي أراد، رئيس مؤتمر هرتسليا ، فإن فكرة تبادل مناطق، بما في ذلك مناطق مأهولة بالسكان، ولدت لدي خبراء في الجغرافيا قبل حوالي عشر سنوات ( يديعوت أحرونوت 20/1/2006) وقد وجدت الفكرة هوي في نفوس علماء سياسيين مثل البروفيسور شلومو أفنيري، قالوا إنها خيار لا ينبغي رفضه بالمطلق، وكذلك في نفوس سياسيين تمّ استمزاج آرائهم في هذا الشأن مثل السكرتير العام السابق لحزب العمل ، د. رعنان كوهين ونائب وزير الدفاع الأسبق، النائب العمالي إفرايم سنيه. وأضاف أن الفكرة جري فحصها أيضا في إطار مديرية السلام التي أنشأها إيهود باراك ومن قبل بنيامين نتنياهو وآرييل شارون، ولم يتم رفضها إطلاقا. وسبق للبروفيسور أريك كرمون، رئيس المعهد الإسرائيلي للديمقراطية ، أن أخذ علي أراد ما اعتبر أنه انضمام حديث إلي الأصوات الصادرة من مقاعد اليمين المتطرف في إسرائيل بشأن تقيؤ بلدات عربية من إسرائيل في اتجاه فلسطين ، وذلك ضمن قراءة في صحيفة هآرتس (11كانون الأول/ديسمبر 2005) لمقال ظهر لأراد في صحيفة نيو ريبابليك بتاريخ 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2005، ولكن ليس من موقع التضاد مع هاجس الحفاظ علي الطابع اليهودي لإسرائيل، مرة واحدة وأخيرة.أضاف كرمون أن تلك الأصوات تدعو، تحديدا، إلي تبادل مناطق مأهولة بالسكان بحيث يتم إخراج جمهور عربي إسرائيلي من تخوم سيادة دولة إسرائيل . ومضي قائلا إن طعون أراد عنصرية الطابع وتمسّ بحقوق الإنسان، وبالتالي بأركان الديمقراطية، فضلا عن أنها تتعارض مع الأنماط والمعايير الدولية وغير قابلة للتطبيق العملي. وزاد أن أراد يسوّغ ميكانيزم تبادل المناطق بحجة زيادة التجانس الإثني . ومعناه نقل خط الحدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية العتيدة، بحيث أن بلدات أم الفحم وعرعرة وبرطعة وقلنسوة والطيبة والطيرة وكفر قاسم يتم تقيؤها من نطاق السيادة الإسرائيلية .في واقع الأمر فإن تلك الأصوات لم تعد، منذ مدة طويلة، منحصرة في اليمين الإسرائيلي المتطرف، وإن ما يجري التداول فيه الآن هو حصاد ما تمّ التلويح به، علي الأقل منذ أن بدأ مؤتمر هرتسليا في الانعقاد متوخيا أن يؤسس مداميك المناعة والأمن القومي الإسرائيلي في مستهل ألفية جديدة، حيث ورد في وثيقته التأسيسية أن التهديد الديمغرافي لاستمرار وجود دولة إسرائيل كيهودية وديمقراطية هو الأكثر قربا ومعقولية. وفيما تبدو وتيرة تطور التهديد متسارعة، فإن وتيرة السياسة القومية حيال هذا التهديد تبدو بطيئة وزاحفة.كما جاء فيها أن المعضلة المبدئية التي تقف إسرائيل أمامها، إزاء المعطيات والاتجاهات الديمغرافية لدي الفلسطينيين، هي بين سياسة تكيّف وملاءمة مع تلك المعطيات والاتجاهات، من ناحية سياسية وغيرها، وبين سياسة كبح ومواجهة. والحسم بين الخيارين منوط بفهم طابع إسرائيل المستقبلي وشخصيتها السياسية.سياسة التكيّف مرغوبة لدي المؤيدين لأن تكون إسرائيل دولة لجميع مواطنيها ، من خلال ملاءمة طابعها القومي ورموزها ومؤسساتها مع الميزان الديمغرافي ـ السياسي المتغير.مقابل هؤلاء، هناك المؤيدون للحفاظ علي إسرائيل كما أنشئت ـ كدولة يهودية للشعب اليهودي ـ وهؤلاء ما زالوا يشكّلون الأغلبية العظمي في أوساط الجمهور اليهودي في إسرائيل، وهم مطالبون صبح مساء بطرح إستراتيجية مضادة تعطي جوابا نافذا وفعالا علي الاتجاهات المذكورة أعلاه، وذلك من خلال الاعتراف أنه في دولة ديمقراطية يمكن حفظ الطابع اليهودي لإسرائيل فقط، إذا لم تنخفض نسبة الأغلبية اليهودية عن حوالي ثلاثة أرباع السكان .وفي رأي هؤلاء يكمن سحر خيار التكيّف في كونه سلبيا بالأساس، فهو غير مرتبط باحتكاكات، ولا يلزم بأية تحركات فاعلة، باستثناء تنازلات تدريجية عن الأفضلية اليهودية في إسرائيل. مقابل ذلك فإنّ خيار المواجهة يستوجب إستراتيجية فاعلة شاملة تدمج بين إجراءات في مستويات مختلفة، غالبيتها الساحقة مرتبطة بالتغلب علي عراقيل ومعارضة، ومرتبطة بهذا القدر أو ذاك باحتكاك داخلي، وربما حتي باحتكاك دولي.وفيما يلي تصوّر تلك الوثيقة بشأن المركبات الممكنة لاستراتيجية المواجهة، التي تحثّ عليها:ـ سياسة ولادة، توازن العلاقة بين نسب الزيادة الطبيعية في أوساط اليهود والفلسطينيين.ـ سياسة تشجيع واستيعاب هجرة (يهودية) متسارعة.ـ سياسة ترسيم حدود الدولة المستقبلية، من خلال أخذ معايير حفظ الأغلبية اليهودية في الحسبان.ـ موقف حيال قضية اللاجئين يكمن، في أقصي الحالات، عودة إلي مناطق السلطة (الوطنية الفلسطينية) فقط.ـ سياسة توزيع السكان اليهود في إسرائيل، بصورة تضمن أغلبية يهودية في أقاليم البلاد المختلفة.ـ سياسة جديدة بالنسبة لحقوق الأقلية العربية وواجباتها في إسرائيل، من جهة، وبالنسبة للإسرائيليين في الخارج، من جهة أخري.وهكذا فإنه بالعودة إلي ما تناقلته يديعوت أحرونوت عن عوزي أراد وعلي صلة مع خطة فك الارتباط يبدو أن الأيام المقبلة ستكون حبلي بالخطوات، التي لن تنأي عما بقي من تركة شارون أو وصيته السياسية وستظل مندرجة في إطارها.ہ كاتب من فلسطين8

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية