تركة شارون التي يُكثرون الحديث عنها لا تكمن في خطة معينة وانما في النهج والاسلوب البراغماتي القائم علي تقدير الوضع ومعطياته
القوة العسكرية ليست كافية لاقناع العرب بالاعتراف بحق الدولة اليهودية في الوجودتركة شارون التي يُكثرون الحديث عنها لا تكمن في خطة معينة وانما في النهج والاسلوب البراغماتي القائم علي تقدير الوضع ومعطياته ارييل شارون في غيبوبة، والجدل حول تركته مندلع بكامل قوته خارج مستشفي هداسا. حمامة أم صقر؟ يُخلي المستوطنات أم يبني البؤر الاستيطانية؟ رجل تسوية أم قامع للفلسطينيين؟ من السهل ايجاد علامات لهذه الأمور وتلك خلال سنوات شارون الخمس. مرن وعنيد، باني وهادم. أي بلبلة هذه.جدل يدور حول خارطة الانسحاب من الضفة الغربية التي خلفها شارون من ورائه. ومرة اخري نسأل اذا كانت لديه خطة واستراتيجية: هل خطط للانسحاب حتي الجدار أم من عدة مستوطنات معزولة فقط؟ وخلال أي مدة زمنية؟ وكيف خطط للسيطرة علي المناطق الأمنية في غور الاردن؟ وما الذي قصده في حديثه عن الدولة الفلسطينية ؟ هل قصد الاستقلال والسيادة أم بانتوستانات محاطة بالأسوار؟ أنصار الانسحاب العميق يتشبثون بالأمور التي أدلي بها شارون حول التهديد الديمغرافي. خصومهم يقتبسون نظريته حول أهمية السيطرة علي المرتفعات الجبلية العالية. الجميع يتفقون علي أن غزة أولا لم تكن النهاية.من الصعب معرفة ما الذي كان شارون سيفعله لو كان سليما وبقي في سدة الحكم. ولكن اذا قمنا بترتيب نهجه وقراراته خلال رئاسته للوزراء فالاستنتاج هو أن تركته تتعلق بالطريق أكثر من كونها مسألة نتيجة نهائية. خلاصة السياسة تكمن، حسب رؤيته، في خدمتها لمصالح اليوم والغد وليس المقولات والعقائد والمؤسسات التي تعود للأمس. هذا يوضح سبب قيامه بتفكيك مستوطنات غزة، ومن ثم تفكيك الليكود، ولماذا سعي علي ما يبدو لتنفيذ انسحاب آخر في الضفة الغربية الذي يهدف الي تقليل الاحتكاك والاحتلال وتخفيف الضغوط الدولية علي اسرائيل؟شارون لم يتحول الي حمامة يسارية، كما يدعي خصومه في اليمين، حتي عندما ألحق الأذي بالمستوطنين أكثر من رابين وبيريس أو ايهود باراك. هو لم يعتقد أن المستوطنات غير مبررة أو غير قانونية. الاستيطان اليهودي في ارض اسرائيل كان وما زال قيمة عليا في نظره. ولكن شارون، الذي عرف بصورة شفهية عدد اليهود والعرب في البلاد منذ وعد بلفور، أدرك أن اسرائيل قد فشلت في استيطان المناطق ولم تنجح في جلب مليون يهودي لاسكانهم خلف الخط الاخضر (في المناطق). في ظل هذه الشروط التي توجد فيها لليهود دونية سكانية بالنسبة للعرب فضل شارون الانسحاب واختصار الخطوط في محاولة منه للحفاظ علي الكتل الاستيطانية التي عمقت جذورها.الانعطافة التي قام بها شارون في آخر دربه السياسي كانت تعديل تصوره حول الجدار الحديدي الذي كان نبراسا له طول حياته. هو أدرك أن القوة العسكرية ليست كافية لاقناع العرب بالاعتراف بحق الدولة اليهودية في الوجود. طول سنوات بحث عبثا عن نقطة الارتكاز الاستراتيجية التي يقبل العرب بعدها الصهيونية فقط من اجل الاكتشاف أنهم يواصلون الحرب ايضا حتي بعد ضربهم مرة تلو اخري. استخلاصه كان أن الجدار الحديدي العسكري بحاجة الي شرعية سياسية ودعم دولي، وأن يكون ذا اجماع داخلي واسع، والي ركيزة ديمغرافية تكون فيها اغلبية يهودية في الدولة ـ وإلا فان المشروع كله سيكون في خطر. هذه خلفية بناء الجدار وقبول خريطة الطريق وفك الارتباط.رسالة شارون لورثته لا تتمحور في خارطة سرية معينة، وانما بالطريقة والنهج: قدروا الوضع والقوات التي تقف قبالتكم والمخاطر والاحتمالات، وعندئذ اتخذوا قراركم. هل يعني هذا أن الانسحاب نحو الجدار مسألة لا يمكن منعها؟ في الأجواء الداخلية والدولية القائمة يبدو أن هذا هو الاتجاه المطلوب. ولكن اسرائيل ليست هناك بعد، والنتيجة ستعتمد علي الشرعية الجماهيرية للحكومة القادمة وعلي شدة الضغوط الخارجية والتطورات لدي الفلسطينيين.الوف بنالمراسل السياسي للصحيفة(هآرتس) 19/1/2006