تذكير بمناخات الحرب الاهلية اللبنانية.. وتحذير من عودتها!
التشكيلية اللبنانية نجاح طاهر ومعرض جديد في الهناجر :تذكير بمناخات الحرب الاهلية اللبنانية.. وتحذير من عودتها!القاهرة ـ القدس العربي ـ من محمود قرني: استقبلت قاعة غاليري مركز الهناجر للفنون بدار الأوبرا المعرض الجديد للفنانة اللبنانية نجاح طاهر تحت عنوان جداريات وفيديو وقد استمر المعرض في الفترة من العشرين الي السابع والعشرين من شباط (فبراير)، وضم أكثر من أربعين عملا لنجاح طاهر بين الرسم والتصوير الفوتوغرافي.وقد اعتمد المعرض في معظم الأعمال علي الاستخدامات المتباينة للألوان المائية الباهتة علي مستوي التقنية، وكذلك اعتمد في معظم الأعمال علي نظام الكولاج، حيث كان العمل الواحد يضم أحيانا ستة مشاهد مختلفة.وتبرز تقنية المعرض الامكانات والخبرة اللافتة لنجاح طاهر ليس فقط علي المستوي الحرفي الدقيق ولكن علي مستوي وعيها المركب ومن حيث ادراكها للمأزق الانساني لمفهوم المواطنة والوطن وتنازعاته واختلالاته الظاهرة. ولا تكاد لوحة من لوحات المعرض تخلو من مشاهد القتل والدمار والعسف والتنكيل، وهو ما يدفع للاعتقاد بأن الفنانة انما تعيش في أتون صراع محتدم علي المستوي الانساني يشكله هذا الرفض العارم لمفاهيم القمع والقتل والقهر والاحتلال، وسوف يرصد المشاهد تداخلا واسع النطاق بين الكلمة واللوحة في معرض نجاح طاهر، يحدث ذلك في تزاوج نادر. ففي احدي هذه اللوحات نجد استكشاف بالأبيض والأسود لطفل يختبئ خلف جدار ليشاهد من زاوية ضيقة هجمة من عدد غفير من الجنود يطاردون تلاميذ احدي المدارس وفي أسفل الصورة سيدات محجبات في حال عميق من الهلع والخوف وقد كتبت الفنانة في أعلي اللوحة كان أملا جميلا كوعد، وخائبا كوعد . كذلك سنجد في احدي اللوحات صورة لفتاة جميلة برأس متقابل أي أن الصورة مزدوجة احداها في الوضع معتدل والأخري في وضع مقلوب وكأنه تجسيد لهذه الازدواجية بكل تجلياتها وعلي المستوي الانساني خاصة، في ذات اللوحة كتبت الفنانة بشكل نصف دائري حول الصورة في شكل يكمل هذا الدوار الذي تشي به الصورة: في تلك السنة وفي فصل الربيع دفعة واحدة امتلأ البيت بالصراصير وهذا لم يكن يعني شيئا طبعا، فمنذ سنتين امتلأ البيت بالفراشات، ولم يكن هذا انذارا ولا ابشاراً بشيء أيضا .ولا يخلو المعرض بالطبع من هذه الطبيعية الصامتة التي تجدد أجواء الوحشة والألم داخل المعرض سنجد ذلك في أكثر من عمل حيث تبدو ملامح الشبه واسعة النطاق داخل البيئة المدينية الفقيرة الموحشة يتجسد ذلك في طلاءات الحوائط ومبانيها وهندستها ونوافذها ومفارشها وأغطيتها، وتتكرر هذه المشاهد في أكثر من عمل، وتتجسد بشكل أعمق هذه الوحشة وهذا التلاشي في الألوان المائية الخفيفة والشاحبة التي تستخدمها نجاح طاهر، لا سيما وأنها تعتمد علي أسلوب الشف من الأعمال الأصلية، ويبدو هذا الجو أكثر تحديدا عندما كتبت الفنانة علي احدي هذه اللوحات: هل الأمكنة طلاسم اذا قرأناها فتحت لنا أبوابها؟! .ويبدو أن الفن يرفض القراءة بهذا المعني الفاضح حتي تظل الطلسمية قائمة لضمان رحلة البحث عن المعني الغائب.يستمر هذا الصراع الثنائي أحيانا والجماعي أحيانا أخري في أكثر من عمل، فنجده مثلا في احدي اللوحات التي تتناول صراع الديكة والمحاط بكتابة لوغاريتمية غير مقروءة، والصورة نفسها لا تجسد فحسب صراع الديكة ولكنها تحتمل أكثر من مشهد آخر مثل صورة لأم ثكلي وأمامها عدد من القتلي غير المحصورة وصورة متكررة لشاب وامرأة كتبت الفنانة في أسفلها المرأة التي أحملها في قفصي الصدري ، كذلك يتجسد هذا الصراع بصورة أخري ولكنها أكثر همسا ونعومة لا سيما في لوحة مكررة تقدم فيها الفنانة صورة شديدة الروعة لامرأة جميلة تجلس ساهمة وأمامها طبق من الفاكهة، وقد كتبت تحت اللوحة الخبث جمرة السحر ذهبت، من أين ذهبت .أما أهم أعمال المعرض فكانت اللوحة الرئيسية في المعرض، وهي صورة فوتوغرافية لسيدتين تبدوان وكأنهما في حالة اجهاض حيث تجلسان في حالة اعياء بينما يسيل الدم علي أرجلهن، والصورة تبدو في أقصي حالات تجسيد الألم، لأنها تم التقاطها لحظة وقوع الاعتداء حسبما قالت نجاح طاهر، وتأتي اللحظة التي يتحقق فيها الفن في اللوحة من كونها متجسدة علي محورين حيث تتكرر نفس الصورة في زاوية يمني ثم في الزاوية اليسري وتبدو هذا الازدواجية أكثر قدرة علي تجسيد لحظة الألم ووضعها في مجال بؤري لا يمكن تجاهله أو الانصراف عنه.كذلك تقابل نفس اللوحة في ساحة المعرض الواسعة لوحة بنفس حجمها لسيدة ثكلي ومواطنين مكتوفي الأيدي وعدد من الجنود المدججين يقفون خلفهم، وطبق من الكرز في طبقين علي مائدة وكتبت الفنانة أسفل لوحتها تقول: ثم انه للنهايات طعم الكرز ليس حلوا ولا مرا، لكنه رخو كأن ليس في داخله قلب (ورسمت القلب) وفي الفم يذكر بطعم الدماء .و المعرض في الاجمال تذكير بمناخات الحرب الأهلية اللبنانية والاحتلال الاسرائيلي للجنوب اللبناني. وعندما سألت نجاح طاهر عن الأسلوب الذي اعتيد عليه في معرضها لا سيما وأنه صارخ بالمعني الذي يوصف في بعض الأحيان قالت: إن ذلك ربما يعود الي المناخ العام الذي عايشته في أجواء الحرب الأهلية التي أشعر أن أصداءها وأمراءها يعودون مرة أخري تحت شعارات الحرية للبنان .و أضافت نجاح أن المعرض يزاوج بين الشخصي والعام وهما عنصران متداخلان أشد التداخل ويصعب الفصل بينهما.صحب المعرض عرضها لنفس أعماله بالفيديو مصحوبا بموسيقي رائد الخازن وعود مصطفي سعيد.0