تأملات في الإسلام والعلمانية

حجم الخط
0

تأملات في الإسلام والعلمانية

يونس برادة تأملات في الإسلام والعلمانية قد يكون من قبيل تحصيل حاصل القول ان المد العلماني في وقتنا الحاضر أضحي ظاهرة سائدة في جل بقاع الارض بالنظر الي التطور الذي شهدته الانسانية في قراءة العلاقة المؤسساتية مع الدين بعد مد وجزر امتد قرونا طويلة داخل الفضاء المسيحي الأوروبي اساسا. واللافت للانتباه أن العالم الاسلامي بات مع مجيء الاستعمار فضاء لمساءلة العلاقة مع الدين انطلاقا من مقاربة سبل التطور المؤسساتي والسياسي والمجتمعي ومحاولة بعض المفكرين طرح العلمانية القائمة علي الفصل بين الدين والدولة كمدخل استراتيجي للخروج من التخلف والتماهي مع المنظومة المرجعية الغربية وقيم الحداثة بما تعنيه من تغليب الفكر النقدي والحرية الشاملة قي التعامل مع الواقع بمختلف محمولاته. ولعل مفكرين غربيين مثلا من شاكلة المؤرخ البريطاني المقيم في الولايات المتحدة الامريكية برنار لويس عندما يعتبر في كتابه ماذا وقع؟ الاسلام والغرب والحداثة أن التماهي مع المنظومة الغربية يظل الحل الأمثل بالنسبة للبلدان الاسلامية بغية الخروج من حالة التردي الشاملة فانه بذلك يكرس توجها وجد موطئ قدم له في العالم الاسلامي منذ بداية التفكير في أسس العلاقة مع الدين في حمأة دخول الأجنبي وسيطرة النموذج المتصل به. واذا كان المتشيعون لهذا التصور كثر فان ذلك لايعني ان المعتنقين لغيره قلة. فالسؤال اذن يتمحور حول طبيعة العلاقة التي يتعين تسطير ملامحها مع الاسلام علي مستوي تدبير شؤون الدولة خاصة في زمن باتت فيه النماذج الاقتصادية والقانونية بل وحتي القيم المرجعية ذات تربة غربية بالنظر الي قانون موازين القوي الذي يتجه الي نوع من التراجع القيمي الاسلامي. في هذا السياق يمكن التساؤل هل تخلف المسلمين وقدوم الاستعمار منذ القرن التاسع عشر الي هذه المنطقة من العالم نتيجة ذلك يعد مبررا للدفع بفشل التجارب التاريخــــية ذات المرجعية الدينية؟ ألم يعرف المسلمون انتكاسات في الماضي منذ تداعي الخلافة العباسية أمام المغول في القرن الثالث عشر وسقوط المسلمين في الأندلس مع نهاية القرن الخامس عشر؟ هل يمكن بلورة تقابل موضوعي منهجي بين المصير الذي آلت اليه المسيحية السياسية في العالم منذ نهاية القرن الثامن عشر وطبيعة الاسلام؟ أسئلة كثيرة يعتبر من قبيل مجانبة الموضوعية تجاهل خطورتها خاصة وانها تصب في التساؤل حول جوهر الاسلام الذي قام في العهد النبوي علي ثلاثية تلازمية هي العدل والشوري والمساواة لتدبير شؤون الدولة الاسلامية خلال المرحلة المدنية التي كانت طورا تأسيسيا لكيان الأمة ومن خلالها الدولة بكاملها. علي هذا الصعيد، يلاحظ ان السلطة النبوية كانت تحمل معني توظيف التدبير السياسي لصالح الدعوة الدينية ، فالنبي كان نبيا قائدا أي تجلت في فعله السياسي معاني النبوة التي كانت بالنتيجة اساس تصوراته للشأن العام وبناء الدولة. ومن هنا يصبح جائزا الدفع بان العمل السياسي النبوي كان هدفيا ولم يكن غائيا. كان هدفه توطيد الدعوة الدينية مع ما تحمله من ضرورة التوفيق وقراءة المعطيات والتعامل مع الواقع بكل تناقضاته الانسانية والاقتصادية والسياسية والمجتمعية. فالسياسة كانت رافدا من روافد الدين ولم تكن في هدفا في ذاتها. وعلي سبيل المقارنة الاستحضارية يلاحظ التوجه في اقطار داخل المجال الجغرافي الاسلامي الي اعادة انتاج بعض ملامح الرمزية النبوية من قبيل البيعة التي تتحول في ظل سياق مختلف بنيويا الي أداة للشرعنة الشكلية بدل ان تكون استحضارا لتصور مؤسساتي متكامل أرضيته التوفيق بين البناء المصدري الاستراتيجي والرغبة في تأسيس سلطة تشاركية. واليوم تناسلت الخلافات داخل العالم الاسلامي ربما بسبب غياب الديمقراطية وفشل النماذج القومية في تحقيق نوع من المصالحة مع الذات اضافة الي اخفاق بعض النماذج المتماهية مع المرجعية التراثية في بلورة تصور استراتيجي للمشروع المجتمعي يمكن من خلاله تأسيس الخصوصية الاسلامية راهنا. غير ان كل ذلك لا يعد مسوغا للقول بضرورة استنساخ مقومات الآخر كمدخل للتغيير وكسب رهان التنمية. فالعلمانية تقوم في أساسها علي تطويق روح الديمقراطية المرتكزة علي التعددية والحرية وثقافة الاختلاف من خلال الدفع بتجاوز التصور الديني ورفضه جملة وكانه مصدر خلل بنيوي. كما ان الاسلام لا يتناقض مع الفكرة الديمقراطية اذا ما اخذ بمنطلقاته التأسيسية التي كرسها الفعل السياسي النبوي. ومن جهة اخري بات جليا أن الدين رغم غيابه رسميا من تدبير الشأن العـــــام في المجــــال الغربي يظل حاضرا علي مستوي التوظيف السياسي بدءا من البابا ورموز السلطة الدينــــية المسيحية الذين يتدخلون في رسم مـــلامح عالم اليوم وصولا الي القادة السياسيين الغربيـــــين الذين يتعاملون مع المسألة الدينية بنوع من البراغماتية وأحيانا بكثير من الميكيافيلة كما هو باد اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية مع المحافظين الجدد الذين ارتقوا بالتوظيف الخطابي الديني الي مرحلة جعلته بمثابة ممر اجباري لشرعية السلطة في أعين الشرائح الناخبة. السياسة كفلسفة لتدبير الشؤون كانت حاضرة في تموقع الاسلام كدين دون ان يكون لذلك تناف مع جوهر العقيدة. صحيح أن عددا من النماذج التاريخية أثبتت فشلها لاسيما عبر الوقوع في ما يمكن وصفه بتسييس المقـــــدس وتقديس السياسي لكن ذلك لايعني امكانية الخلط بين الجوهر والشكل أو القول بضرورة رفض الماضي مطلقا وبلورة قطيعة تاريخية أساسه تبني النماذج السائدة والعمل بديمقراطية لاتخضع لبيئة ولا تدين بدين. في هذا المنحي يبدو أن اعادة قراءة الفعل السياسي داخل المجال الاسلامي في صيرورته التاريخية تفرض نفسها بالنظر الي أن كل قراءة تحمل بين ثناياها مخاطر الانزلاق في متاهة التأويل المتعسف أو الفهم غير السياقي أو الانطلاق من بديهيات تعد في ذاتها اداة نسف للبناء التركيبي ـ التحليلي. ولعل النتيجة الفكرية التي تفرض نفسها علي كل مفكر أو باحث او متتبع تتمحور حول الأبعاد الحضارية في فهم العالم الاسلامي بمختلف مكوناته الدينية والحقوقية والانسانية بمنأي عن التصورات الاسقاطية والنمطية وكذا التمثلات المسيسة. ففي حمأة ذلك تضيع محاولات الفهم ويغيب الفكر النقدي ويتيه منطق المساءلة. ہ اكاديمي من المغرب8

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية