بين نجم اراب ايدول وقرارات الفصل في المدارس ..غزة رايح جاي!

حجم الخط
2

لا أعرف من أي ‘نفق’ تسلل محمد عساف النجم الفلسطيني، الذي أطلق عليه راغب علامة لقب ‘الصاروخ’، بحيث لم تتلقفه هراوات التقويم الأخلاقي والثقافي، لتعيده إلى جادة الصواب ضربا وجرا وحلقا لشعر رأسه، الذي يسرح بالجل ومثبتات الشعر الحديثة، كما فعلت تلك الهراوات مع أقرانه الشباب الغزيين، الملاحقين من الشرطة بسبب بنطلوناتهم الساحلة، وقصات شعورهم الشبابية !
لا أعرف كم العذاب الذي تكبده هذا الفنان الشاب، الذي بدأ يسطع نجمه في سماء الفن، بعد أن سجل لنفسه حضورا مميزا، وحجز لصوته دورا متقدما، منذ اللحظة الأولى لظهوره، على خشبة الاختبار في برنامج ‘آراب أيدول’، الذي تبثه قناة MBC ، حين شارك في تجربة الأداء الصوتية، من القاهرة في نفس يوم وصوله من غزة ومباشرة، حتى إن علامات التعب والإرهاق والخوف، كانت بادية عليه ولكنها لم تخذل صوته الجميل، وأداءه المميز، الذي لفت انتباه اللجنة الحكم بأعضائها كافة.
حتى أنت يا سلام فياض!
محمد عساف، حديث الساعة الفلسطينية والعربية سواء، صار بين ليلة السبت الفائت، وضحاها أيقونة النجاح والتألق وخفة الظل، تتوالى أخباره تباعا على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وتحتل صدارة اهتمامات جيله من الصبايا والشباب الفلسطيني والعربي، في رسالة شبابية واضحة، إلى صور وأشكال الحصار كلها، خارجية كانت أم داخلية، تتحدث عن مقت العدوالإسرائيلي العنصري القاتل من جهة، وتتحدى قرارات التضييق والتكبيل الذي يمارس على الثقافة والفن من قبل قرارات حماس، التي تجدد نفسها بنفسها، وتتفنن في دور حارس المنظومة الأخلاقية، على طريقتها الخاصة، من جهة أخرى.
وفي خطوة تعتبر غريبة نوعا ما، من ناحية التوقيت، كتب سلام فياض رئيس الوزراء المستقيل، وبعد تقديم استقالته بساعات قليلة، على صفحته في الفيس بوك، رسالة يحث فيها الشعب الفلسطيني على الوقوف خلف مواطنهم عساف، والتصويت له ودعمه في المسابقة!

غزة ستايل .. درس طيب القلب!
بنفس اليوم، أي السبت الفائت أيضا، عرض برنامج ‘أنا الشاهد’ الذي تبثه بي بي سي العربية، تقريرا مصورا عن فرقة ‘غزة ستايل’، والتي غزت بكليبها بسيط الانتاج، خفيف الروح، مواقع الانترنت وعلى رأسها اليوتيوب، مسجلة أعلى نسبة دخول ومشاهدة ، ومحققة نجاحا لم يتوقعه مدير الفرقة محمد بركات، الذي تحدث في التقرير عن اندهاشه من هذا النجاح والانتشار، الذي حصدته النسخة المقلدة للأغنية الكورية الشهيرة ‘غانغام ستايل’. لكن التقرير قرأ الانتشار على أنه تحقق بفعل بساطة الفيديو، وعمقه بذات الوقت، حيث عرض للوضع الذي تعيشه غزة من فقر وحصار وتعتيم وإفلاس وضغط من جميع النواحي، وأوصل رسالة فنية جميلة وخفيفة، لم تستطع مئات الرسائل الإخبارية والبرامجية، ومن خلفها مئات التقارير والخطابات والمقالات والمقابلات، والرحلات الدبلوماسية والإنسانية، لسياسيين وفنانين وسفراء سلام، وغيرها الكثير من المحاولات والفعاليات، لم تستطع أن توصلها بهذه القدرة والسلاسة والعفوية وطيبة القلب! وهذا درس آخر يمكن أن يتعلمه الإعلاميون الكبار من المجهودات الصغيرة، لرعاة الإعلام الجديد!
قوى الشد العكسي!
لكن للأسف، وعلى الرغم من تلك المحطات المضيئة، والقليلة التي برعت فيها غزة مؤخرا، في شد الانتباه للمدينة الضيقة المتضايقة، تظهر إلى الواجهة تقارير وأخبار، بل وحوارات برامجية، تسيدت عناوينها قرارات سلطة حماس التي قلنا إنها متجددة دائما، ولكن هذه المرة على هيئة قوى شد عكسي لحرية الرأي والتعبير . قرارت وضعت على أسطح الطاولات، وعلقت على جدران المؤسسات التعليمية في غزة، هكذا بدون سابق انذار أواستشارة ناصحين ، وكل ما فعلته هو الإساءة للصورة الفلسطينية الطليعية، بل التي كانت طليعية وريادية على مر عقود فائتة، خاصة في المشهد التربوي والتعليمي والثقافي والفني والإجتماعي. ففي تقرير بث مؤخرا على سكاي نيوز عربية، ظهر جليا عمق الشرخ الذي تسببه هذه القرارات غير المدروسة والمتعجلة والراكضة، بل الزاحفة نحو إثبات فكرة أسلمة الحياة في غزة، بشكل يتجاوز العقل والمنطق والتاريخ وحرية الرأي، ولا يحترم خصوصيات البشر واختياراتهم الشخصية، في إدارة أساليب حياتهم. التقرير ومثله تقارير أخرى، عرضتها نشرات إخبارية مختلفة، لمحطات وقنوات شتى الأسبوع الفائت، تناول قرار فصل الإناث عن الذكور في المدارس، وتعديل توزيع المعلمات والمعلمين أيضا، بما يتناسب مع ذلك الفصل!
مجتمع عكس عكاس!
وعلى الرغم من محاولات المراسلين الصحفيين المتعبة والمرهقة، في إظهار الخبر وتفاصيله بطريقة مستقلة وحيادية، طبعا لاعتبارات رقابية تمارس عليهم من سلطة حماس. لكن فصلا مخجلا من قلة الحكمة والتعنت والعصبية، ظهر جليا في صور الفيديو ومقابلات ذوي الاختصاص من التربويين والمشرفين الإجتماعيين، لدرجة تدعو للانكماش والخوف، والتأسف على يوم كانت تضرب فيه غزة مثلا، للتفوق الدراسي والألمعية الجماعية، والذكاء الفطري والتحدي المحير، والتميز الذي كان يثير الاستغراب والدهشة، لارتباطه بظروف قهرية لا تساعد على النمو والتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، لكنه كان يحصل رغم أنف الاحتلال.
اليوم، لا يمكن أن تنجح هذه المحاولات الإبداعية علمية كانت أو أدبية أو فنية أو حرفية، رغم أنف ‘الإختلال’! لماذا؟ لأن الفئة المستهدفة كما قال أحد المعلقين على الخبر، هم صغار السن من الأولاد والبنات، الذين يشكلون لبنة المجتمع القادم، والذي قررت السلطة في غزة أن ترسم ملامحه بالقوة، مبكرا هذه المرة، بعد أن عانت قليلا من قنوات الشد والجذب، بعد قراراتها الخاصة بالأكبر سنا ،كما ظهر في تقرير بي بي سي، حين فرضت الحجاب على الطالبات في المدارس والجامعات، وعلى المحاميات العاملات في سلك القانون، ومنعت تدخين النرجيلة على النساء. والسؤال الذي أعجبني كان من أحد الحقوقيين الغزيين الذي قال: إلى متى سيتجرع الشعب الفلسطيني أخطاء انقاسامات قياداته ، وكيف يستقيم مجتمع متماسك وطبيعي، في ظل بناء متعاكس الاتجاه والأهداف لمفرداته الأولى؟!

كاتبة من الأردن

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول [email protected]:

    أسلمة التعليم يعني تخلف يا حضرة الكتابه ؟؟؟؟ و الجل على الشعر و البنطال الساحل حضاره؟؟؟

  2. يقول عبدالله بالخير:

    يعني بدك الشعب الغزاوي يصرف النظر عن الاحتلال والمعاناه اللي بيلاقيها من الإسرائيليين ومن الدول العربية وخصوصا الأردن ويركض ورا مغني ناشئ والله أفكارك هبله
    مع هادا أنا اشد المعجبين بعساف

إشترك في قائمتنا البريدية