بين القرم ونعجة الفلسطيني: لماذا يخرس العالم حين يتعلق الأمر بالإجرام الإسرائيلي؟

حجم الخط
0

قبل بضعة أيام تم اكتمال الانقلاب النظامي، ليس في إسرائيل فحسب، وقلائل يدركون ذلك. ها هي حكومة بن غفير – سموتريتش – نتنياهو تتآمر وتآمرت لتنفيذ انقلابين: الأول في إسرائيل، والثاني في الضفة الغربية. الأول هدف إلى إلغاء فصل السلطات واستقلالية جهاز القضاء وخلق حكم دكتاتوري في إسرائيل. والثاني هدف إلى ضم الضفة الغربية وتثبيت تفوق اليهود فيها. ولمنع الانقلاب الأول خرج مئات آلاف الإسرائيليين إلى الشوارع. ولكن لم يخرج أي أحد إلى الشوارع لمنع الانقلاب الثاني لأنه: ما السيئ في تحقيق المزيد من تفوق اليهود؟

تم تنفيذ الانقلاب النظامي في الضفة الغربية حسب وعد نتنياهو لسموتريتش في الاتفاق الائتلافي، الذي أساسه نقل كل الصلاحيات السلطوية في الضفة، باستثناء الصلاحيات المتعلقة بالأمن، من الجيش إلى جهاز يترأسه سموتريتش. حدث هذا في نهاية أيار، بهدوء وبدون احتفال أو بيانات، عندما وقع قائد المنطقة الوسطى، يهودا فوكس، على أمر أوجد وظيفة جديدة في الإدارة المدنية، “نائب رئيس الإدارة المدنية لشؤون السكان”. ووقع رئيس الإدارة المدنية على كتاب نقل الصلاحيات للنائب. ولكن “النائب” شخص مدني عينه سموتريتش، وهو ليس نائباً على الإطلاق، لأنه لا يخضع لرئيس الإدارة المدنية ولا يحصل منه على المصادقة على نشاطاته ولا يتشاور معه ولا يكتب التقارير له. فهو يخضع لأمر سموتريتش، ونقلت معظم صلاحيات رئيس الإدارة المدنية لهذا النائب: إدارة أراضي الضفة، والتخطيط والبناء، والرقابة وانفاذ القانون على البناء غير القانوني، والرقابة وإدارة السلطات المحلية ورخص المهن والتجارة والاقتصاد، وإدارة المحميات الطبيعية والمواقع الأثرية. أعطى سموتريتش حقنة شرجية إدارية (عفواً على التعبير) لرئيس الإدارة المدنية، وأفرغه من كل صلاحياته. السلطة في الضفة انتقلت فعلياً من الجيش إليه من خلال النائب الذي عينه.

إذا وصفنا الأمور بيانياً، فإنه منذ التوقيع على هذا الأمر يتجول في قيادة الفرقة في بيت إيل ضابط يحمل لقب “رئيس الإدارة المدنية”. ولكن بالنظر إلى صلاحياته الجديدة، يبدو أنه عاطل عن العمل، وقد يخصص وقته لتنظيم نشاطات ثقافية وترفيه لمرؤوسيه. على أحد أن يبلغه بأنه “رأس” بدون جسد.

إن نقل الصلاحيات من الضابط الذي يخضع لقوات الجيش في الضفة إلى المواطن الذي يخضع للبؤرة الاستيطانية التي أقامها سموتريتش في وزارة الدفاع، له معان أبعد بكثير من مجرد تغيير نوبات وترتيبات العمل. الحديث يدور عن انقلاب دراماتيكي في هيكلية النظام في المناطق المحتلة، من مناطق تتم إدارتها بالحكم العسكري، الذي يأمره القانون الدولي بتوفير احتياجات السكان الواقعين تحت الاحتلال، إلى مناطق تتم إدارتها بشكل مباشر على يد موظفي الإدارة وشخص منتخب من قبل الجمهور الإسرائيلي، وبالتالي إدارة ولائها والتزامها الوحيد، بحكم التعريف، بمواطني إسرائيل بشكل عام ومواطني إسرائيل الذين يعيشون في المناطق المحتلة بشكل ملموس. كي نعرف مدى دراماتيكية هذا التغيير، على المرء فهم ما عمل القانون الدولي على تحقيقه عندما قرر وجوب إدارة المناطق المحتلة بواسطة حكم عسكري.

القانون الدولي ينظم وقع الاحتلال كإدارة مؤقتة للمناطق التي هي تحت سيطرة المحتل، ويمنع بصورة مطلقة ضمها بشكل أحادي الجانب. هذا ليس مجرد منع، بل قاعدة رئيسية استهدفت التأكيد على حظر استخدام القوة لأغراض أخرى غير الدفاع عن النفس. وإذا كان من الواضح أن السيادة لا يمكن أن يتم اكتسابها بقوة السلاح فإن دوافع شن الحرب ستكون أقل. أي أن الحديث يدور عن مبدأ هو جزء من جوهر النظام الدولي الذي أنشئ بعد الحرب العالمية الثانية، الذي في أساسه رغبة في القضاء على الحروب. الهدف من إبقاء المناطق المحتلة تحت الحكم العسكري، هو إقامة سور بين مواطني الدولة المحتلة، الذين هم السادة فيها، وبين السلطة الموجودة في المناطق المحتلة.

هذا النظام يرتكز إلى الإدراك بأن الجيش ملزم بالاعتبارات السياسية بدرجة أقل، في حين أن وزارات الحكومة المنتخبة ملزمة بهذه الاعتبارات بحكم التعريف. نقل صلاحيات الحكم إلى موظفي حكومة الاحتلال ومنتخبيها يخلق سيطرة مباشرة لمواطني دولة الاحتلال على المناطق المحتلة. هكذا، فعلياً توسع خطوط السيادة إلى داخل المناطق المحتلة، أي الضم. هذا ما نجح سموتريتش في فعله. فهو أبعد الجيش (والاستشارة القضائية العسكرية) بالكامل عن عملية اتخاذ القرارات بالنسبة لكل ما يمس مباشرة الأمن، وعملياً طبق فيها سيادة إسرائيل.

لذلك، توجد وستكون معان كارثية لحقوق الفلسطينيين. القليل من القيود التي فرضها الجيش بشكل ما على سلب أراضي الفلسطينيين وطردهم منها والإضرار بهم، سيتم رفعها الآن. أعضاء “ريغيفيم” ومنتدى “كهيلت” و”حنونو”، الذين عينهم سموتريتش في مناصب ذات الصلة في الإدارة المدنية الجديدة في الضفة، لا سيما في مناصب المستشارين القانونيين، سيزيلون الكوابح القليلة وسينقضون على نعجة الفلسطيني الفقير، ويذبحونها ويسلخون جلدها ويوزعون لحمها ويمصون عظامها. هذا ما يحدث الآن: بناء مستوطنات جديدة، إقامة أحياء جديدة بوتيرة غير مسبوقة، إسرائيليون عنيفون سيحصلون على عشرات آلاف الدونمات لإقامة المزارع، وسيتم هدم مباني الفلسطينيين غير القانونية في حين أن البناء غير القانوني للمستوطنين ستتم شرعنته. هذا أبرتهايد بدون خوف أو خجل. أبرتهايد كخطة عمل.

العار الأكبر هو أن لا أحد ينهض، سواء في إسرائيل أو في العالم، وهو نفس العالم الذي فرض عقوبات كبيرة على روسيا عندما ضمت شبه جزيرة القرم بشكل إجرامي، وبعد ذلك المناطق التي احتلتها بعد غزو أوكرانيا. هذا العالم في حالة صمت ولا ينبس ببنت شفة عندما يدور الحديث عن إسرائيل. العالم يطبق على إسرائيل معياراً مختلفاً. ولكن خلافاً لهراءات دعاية إسرائيل، فهذا يعتبر تمييزاً للأفضل وإعفاء من القانون. الشيء الوحيد الذي يجب على مجرمي الضم قوله لأنفسهم الآن: لماذا انتظرنا 57 سنة؟ هذا أمر سهل جداً. 

ميخائيل سفارد

هآرتس 9/7/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية