بيع الأوهام في اقتصاد الأسهم

حجم الخط
0

بيع الأوهام في اقتصاد الأسهم

د. علي محمد فخروبيع الأوهام في اقتصاد الأسهمما الذي يميٍّز الوضع الحالي لدول مجلس التعاون؟ إنه بلا شك توفٌّر سيولة مالية هائلة من جًّراء عائدات بترولية بالغة الضخامة. لكن المشكلة أن تلك المداخيل قد أصبحت في يد أناس قد خرجوا لتوٍّهم من نظام اقتصادي بدائي بالغ البساطة وبالغ التواضع في مستواه ليوظٍّفوا هذه الثروة في إقتصاد معولم بالغ التعقيد والتوحش.ولقد سبق أن بيُّنا كيف يهدر قسم كبير من هذه الثروة في مضاربات عقارية مجنونة وفي نهم استهلاكي مظهري وفي بناء إقتصاد خدمي لايسنده إقتصاد إنتاجي صناعي تكنولوجي. لكن قسماً لايستهان به من باقي الثروة بدأ يذهب في مضاربات أسهم الشركات وهو مانودُّ شدًّ الإنتباه إلي بعض من جوانبه السلبية والخفيُّة أو الإدٍّعائية.أولاً نود أن نذكٍّر من يريد أن يعتبر بالسقوط المفاجئ المذهل لأسواق المال والأسهم في بورصات العالم في العشرينات من القرن الماضي نتيجة للمضاربات المبالغ فيها في أسهم شركات كانت إدعاءاتها لا تتناسب مع إنجازاتها وكانت الشفافية في إدارتها شبه معدومة وكانت تدخٌّل المجتمع والدولة لمنع إنحرافها أو فسادها شبه معدوم.وثانياً نحتاج أن نعرف بأن السيطرة علي الشركات في أيامنا هذه، حتي في البلدان الرأسمالية المتقدمة، هي في يد من يديرون تلك الشركات وليس في يد مالكي الشركات سواء من كبار الرأسماليين أو من حملة الأسهم العاديين. ولقد بيًّنت فضائح الشركات العالمية العملاقة، والتي ازدادت في الآونة الأخيرة، أن لدي من يديرون الشركات مساحات واسعة للفساد وللخداع ولإفساد الآخرين بما فيهم شركات المحاسبة ولتقديم شهادات زور لخبراء مرتشين عن مستقبل الشركات الزًّاهر والمبشٍّر وغير الحقيقي. من هنا يجب النظر بريبة شديدة إلي حملات البعض لإعطاء الشركات حرية تحرك أكبر بدعوي تقليص البيروقراطية، ذلك أن حوادث النُّهب وفساد الإدارة التي ذكرنا والتي أصبحت قصصاًّ يومية، وازدياد العوامل العالمية والمحلية الكثيرة التي تجعل التنبٌّؤ بنجاح أو فشل الشركات أمراً غير يسير، بل ومستحيلا، يتطلب المزيد من مؤسسات المراقبة الحكومية والمجتمعية والإنتقاء الحذر لمراقبين شرفاء من ذوي الخبرة وذلك من أجل حماية مالكي الشركات وعلي الأخص حماية صغار المساهمين الذين يغامرون بكل ما يملكون أملاً في تحقيق ثروات هي في عالم الغيب من جهة وخاضعة لمعلومات غير محقق في صحتها من جهة ثانية. يقول الاقتصادي الأمريكي الشهير جون غالبريث إن إنجاز إقتصاد الشركات من حيث دخوله في الإنتعاش أو الركود ومدتها لا يمكن التنبٌّؤ به. فالأسباب التي لها أنواع كثيرة من التأثيرات علي ذلك الانجاز غير معروفة مقدُّماً. ولاتوجد ظاهرة في اقتصادنا الحديث أكثر تألٌّقاً ووضوحاً من الأرباح التي تجنيها الشركات ويجنيها الأفراد من جًّراء تسويق ناجح لما هو غير معلوم . وبمعني آخر من جرًّاء تسويق لتوقُّعات وآمال وأحلام لا تستند في كثير من الأحيان إلي حقائق مؤكدة ومدروسة.وثالثاً، فان الشهادات المدفوعة الثمن التي توزعها بعض الجهات والمؤسسات علي حكومات وبلدان مجلس التعاون بشأن تميزها أو تفوقها في تبسيط الإجراءات والتقليل من التدخلات والرقابة هي كلها محل شك. وبدلاً من تسابق الدول علي الحصول علي تلك النُّياشين والإشادات المشبوهة فان المطلوب هو وجود أنظمة قانونية وإدارية ورقابية تجعل الكلمة العليا للمالكين والمساهمين ممثلين في مجالس ادارات نظيفة وجادة وتجعل أيضاً أي تلاعب في المعلومات عن الشركات أمراً عسيراًَ وله ثمن باهظ. عندما يري الإنسان الألوف المؤلفة من أبناء دول مجلس التعاون وهم يقفون في طوابير لشراء الأسهم، معتمدين علي تنبٌّؤات قابلة لتأثيرات لاحصر لها، يدرك الأهوال والمآسي التي يمكن أن تأتي بها الرأسمالية المالية، كما فعلت أخوات لها من قبل، والتي تسُّمي تلطيفاً وتنقية لسمعتها باقتصاد السوق أو بنظام اقتصاد الشركات. وهي أهوال ومفاجآت يجب أن نعمل لصدٍّها قبل فوات الأوان.9

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية