بيان ثقافي رقم صفر!

حجم الخط
0

بيان ثقافي رقم صفر!

خيري منصوربيان ثقافي رقم صفر!نعرف أن زمن البيانات قد ولّي، لكن زمن البَيْن هو المقيم، ما أقام عسيب الملك الضليل في هذه البيداء المترامية الأرداف، وبالرغم من أن واقع الحال يتيح لتحالف من مختلف الأضداد أن يتخندق مقابل هذا التسوّس الذي لم يسلم منه المهد والكرسي والتابوت والقيثار، فإن ما سنقوله تحت اسم البيان هو بالفعل في درجة الصفر، بانتظار لحظة المكاشفة التي قد تنتهي إلي مواجهة، ما دام التواطؤ قد بلغ ذروته حتي بين النعجة الأرملة والذئب، وبين العصفور والثعبان.إن ما كان يحدث موسميا علي استحياء بدأ الآن يتحول إلي تشريع وصراخ علي السطوح، والثقافة المحتلة، المبتلاة بوكلاء جدد لكولونيالية من طراز جديد تعج بالمستوطنات وثمة تبديد لأهم وأغلي مقتنيات الروح مقابل التهويد، لكن التبديد يمارسه الورثة السفهاء الذين أتاح لهم التاريخ الماكر في أحد منحنياته أن يُفقهنوا العمالة، ويطرحوا لأول مرة علي نحو مباشر الجاسوس مقابل الطاغية، وأن قدرنا هو المراوحة بين هذين الشّرين اللذين يتنافسان علي صفة الأمرّ والأنكي.ولم نكن بحاجة إلي احتلال عاصمة كبري وترهيب عواصم أخري كي نشم رائحة كريهة يفرزها حبر سام، عتق عقودا كي يلدغ قراء أبرياء، التبس علي بعضهم الأمر فظنوا أن الحرية قد تهل من نافذة زنزانة ضيقة وذات قضبان!فالاحتلال سبق موعده بكثير، ومنذ تلك اللحظة التي وجد فيها الغزاة علاقمة يدلونه علي الطريق ويقعون تحت الأسوار بانتظار البرابرة، ولم يكن الضجر هو الدافع لهذا الانتظار، بل الماسوشية المزمنة، واستمراء السياط ومختلف أدوات التعذيب، وكأن الدجاجة أو الفأر يشعران بلذة غامضة وقشعريرة جنسية وهما ينزفان ويتفسخ لحمهما تحت أنياب القط والثعلب، فالهوان يتغذي أحيانا من نقصانه ويطلب المزيد. لكن السادي قدر تعلقه بالسياسة قد يوغل في ساديته ويعتذر عن مواصلة تعذيب الضحية لأن هذا الاقتناع إفراط في التنكيل!ہہہلنبدأ أولا من ذلك الشغف الذي أسال لعاب أعشار الموهوبين عن صدّتهم الفطرة البريئة للناس، فاتجهوا إلي قيصر الروم كي يعينهم علي ذوي القربي الأشد مضاضة، فأعدوا لحُلل مسمومة أدت إلي تعفن جلودهم، وأقاموا ما أقام عسيب الخذلان والندم إلي الأبد!فالأدب له أيضا غساسنته ومناذرته، الذين يقعون ككلاب الصيد علي التخوم، ومن لا يعثر علي قارئ في بلاده عليه أن ينتظر قارئا باللغات الأخري يفهمه، ويعيد إليه وإلي ناشره المخذول الاعتبار..و الوصفة النموذجية الآن للكتابة عن وطن أوشك أن يتحول إلي أطلال وليس منه أو فيه.. هي الاستجابة الماهرة والمدربة بافلوفيا لما هو مطلوب من ثلاثة أطراف علي الأقل.. غزاة وصلوا علي صهوات فولاذية وغزاة استبدلوا هذا بالأحصنة الخشبية وعدو جلس ينتظر غيبوبة الفريسة بعد أن دوخها ليأتي علي ما تبقي من نُخاعها!فالعرب أصبحوا وفق تصنيف سياسي وأيديولوجي جديد، صدر بطبعة أمريكية ملقحة وليست منقحة بمنويات إسرائيلية أقلية في عقر صحرائهم وسلاسل جبالهم وقيعانهم، لكنهم محرومون من حقوق الأقليات، لأنهم مطروحون أكثرية ديمغرافية ومن شاء أن يثير التعاطف مع أطروحاته الملفقة عليه أن يغمض عينيه عما يجري في العراق وفلسطين وما قد يجري في لبنان وسورية، كي يتفرغ للسهر علي ذكري الهولوكست ويعتذر عن شوفينية قومه وما ألحقوه بالتاريخ من أذي!و يبدو أن ديكارت الجديد الذي تليق صورته وشكوكه بهذا العصر الذي احتكر يقينا واحدا هو حذف العرب من التاريخ، هو صاحب المقولة التي يعدون لتسويقها وهي أنا إسرائيلي إذن أنا موجود أو أنا خائن إذن أنا ديمقراطي أو أنا بانتظار رامسفيلد آخر كي أتحرر من نظامي الديكتاتوري..لقد تجاوز الصمت كل الحدود عن هذه الاستباحة لوجدان وذاكرة وثقافة، وبلغ الابتزاز ذروته وكأن الحداثة هي توأم العدمية، وما بعد الحداثة هو ما بعد الهوية..ہہہاكتب تبعا لتلك الوصفة السحرية كي تجد من يترجمونك إلي عشر لغات بينها العبرية وحاذر أن تجهر بأية واقعة تخص تاريخك حتي لو كانت تمزيق جثة أمك، أو تحويل جسد أخيك إلي غربال من لحم!اعتذر عن هولوكستات الآخرين. لكن لا تنتظر اعتذارا من أحد عن هولوكستاتك التي تغمر تاريخك كله.. قرنا قرنا وعقدا.. عقدا.. وعاما.. عاما!صدق كل ما قال أرنست رينان وبرنارد لويس وجورج باتناي واعترف بأن دماغك العربي هو ثمرة جير كما قال المستر طومسون وهو يقشر هذه الثمرة علي سفح أحد جبالك.. إن أية إشارة إلي مجزرة تخصك ولم ينشف دم صديقك وجارك وأخيك فيها، هي ضد مصلحتك، وقد تثير تأويلا لا يعود بالنفع علي نصك المخصي الداجن والمنزوع الجوهر..أليس هذا هو المطلوب منا الآن، نحن مثقفي زمان الاحتلال؟ وما دامت المقاومة إرهابا والممانعة شرّا؟و لن نفاجأ بمن يزم شفتيه اللتين يسيل عليهما صمت لزج أو يهز منكبيه اللذين تتدلي منهما ذراعان مشلولتا الإرادة كذراعي طاحونة أو مروحة، إذا قال إن هذا الصراخ الرعوي لا يليق بالرقصة التي عثرت علي موسيقاها بعد انتظار طويل..ہہہإنها عودة مُظفرة لاستشراق ما بعد الاستشراق خصوصا في بعده العسكري الذي لم يعد بحاجة إلي طاقية إخفاء، وما بشر به جاك بيرك قبل أكثر من ربع قرن لم يعثر علي قابلة تستولده..و ها هو العربي وفق أدني تعريفاته متهم إلي أن يبرهن علي براءته.. اسمه المنحوت من الأبجدية المطاردة في الموانئ والمطارات تهمة.. وبشرته السمراء الممهورة بحزن لا يشبهه سوي حزن الخيل متهمة ونصوصه إن لم تخضعه لجراحة تجميل تهذب أنفها الطويل أو شفتيها الغليظتين فهي أيضا متهمة، وعليه قبل أن يطرحها في مزاد الثقافة الداجنة وبورصة الكتابة المحايدة أن يحررها من أي إيحاء قد يُساء فهمه!أما القواميس والمعاجم فيجب أن تعرض علي رقيب حصيف، وضليع في علم الترويض كي يستأصل منها كل المفردات التي تعني المجابهة، والتحريض علي العدوان، لأن الحماقة إذا حاولت أن تصد بمنقارها الهش غرابا من عشها إرهابية والنخلة التي لا تنحني بأعناقها لمن يهزها بصاروخ إرهابية..و لن يخطر ببال أحد أن ما كتبه جورج أورويل قبل أكثر من نصف قرن هو نبوءة تخص العرب وحدهم، ولا شأن لها بالموروث الأنغلو ساكسوني كله، ما دام الحب يعني الكراهية والسلم هو حرب بوسائل أخري والصديق عدو والعدو حليف..ہہہإن لهذه الوصفات المبتكرة في مختبرات الخيمياء الكولونيالية الجديدة بعدا أنثويا أيضا، فالمرأة العربية المثقفة عليها أن تبدأ من أول السطر.. ومن حيث ينبغي لها أن تنعم بالترجمة العاجلة وتقديم ما تكتبه وثائق سوسيولوجية وسياسية أيضا لترسيخ شعار الاحتلال هو الحل..وإذا كان لدينا ذكور عرفوا من أين تؤكل أكتاف المستشرقين والجنرالات فإن لدينا نساء تدربن علي قضم أصابع إخوتهن وأبنائهن، ليقلن بخطاب مفعم بغبار الحناء لتلك الوصفة السحرية: إن تحرير المرأة في بلادنا يتطلب أولا إعتاقها من الباترياركية العربية، وعليها أن تقدم أطروحة مضادة لإلكترا شرط أن تضيف هامشا عن نمط الإنتاج الذكوري وعن كبت يتغذي بالإشباع، فالشجاعة كلها بدت الآن معجما صغيرا بحجم علبة كبريت، تراوح مفرداته العشرون بين تسمية الأعضاء بأسمائها، وتقديم لقطات ملفقة كولاج من أفلام البورنو الميسورة مشاهدتها للجميع، خصوصا في الهزيع الأخير من ليل عربي طويل..وإذا كانت لدينا كاتبات مبدعات، لا يتذرعن بالتعري لجذب انتباه المارة، فهن مهجورات نقديا، ولا يهاجرن إلي لغات أخري إلا لماما، فالوصفة المقترحة هي أشبع بعجينة قناع الوجه.. تتألف من صفار البيض أو بياضه لا أدري ومن الليمون أو أي سائل آخر، إنها تحدد الهدف في ثلاث مراحل هي علي التوالي: أولا، انتهاك حدود معينة يستدعي علي الفور غضب الراديكاليين سواء تعلق الأمر بالعقيدة أو الأعراف. ثانيا: تولي رجم الذات بدلا من الآخر لكن عبر متوالية من الاستعراء المتدرّج. ثالثا: نبذ السياسة لصالح السياحة إذا اعتبرنا شهوة الترجمة سياحة ثقافية خصوصا إذا تعامل معها الآخر كفولكلور أو من الروائح السوداء القاتمة لليالي الألف!ہہہما قلناه حتي الآن ليس بيانا في درجة الصفر بقدر ما هو تحضير أولي لورق أبيض وحبر شحيح السواد، فنحن جميعا في خطر وتحت وابل القصف بمختلف صواريخه، وإن كانت الثقافة العزلاء هي ما يقضم الآن، وما يطحن ويتحول إلي ثريد لغوي. إن الإفراط في الكلام عن فساد السياسة ونظامها العربي الذي هو فوضي بامتياز حجب عنا فسادا آخر، قد يكون بيت الداء، وهو فساد ثقافة لم يسلم حتي الملح من عطنها!0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية