بوادر الانتصارات وتراجع الهزائم
د. علي محمد فخروبوادر الانتصارات وتراجع الهزائمإنتصار حماس هو انتصار لفكر ومنهج. الفكر القائل بالتمسك بالمبادئ والثوابت دون إغفال التعامل مع الواقع ومقتضياته ومحٍّدداته، والمنهج المقاوم للمشروع الامريكي ـ الصهيوني الرامي تركيع الشعب الفلسطيني وسرقة تسعين في المائة من أرضه التاريخية كأمثولة لما يحمله المستقبل لأوطان العرب والمسلمين من تركيع ونهب. إنه إنتصار ومنعطف في واقع العرب السياسي الحديث وخطوة أولي واعدة لمن يرغب في تكملة مشوار الطريق الوعر الطويل. ولأنه يحمل كل تلك الدٍّلالات فانه سيحمل معه أيضاً تبعات واستحقاقات.فأولاً، هذا انتصار يجب أن لايحمل معه بذور فشله. دعنا نتذكر بأن الانتصارات الناصرية كانت رائعة ومبهرة في حينها وحملت الأمة كلها معها، فلًّما تراجعت وانكسرت أدخلت الأمة كلها في جحيم الفشل والهوان. وإذن فالشعوب العربية والإسلامية مطالبة بأن تعي بعمق بأن انتصار حماس بقدر ما كان فلسطينياً كان أيضاً عربياً وإسلامياً بامتياز. ومنذ الآن تحتاج هذه الشعوب أن تتعامل مع نصر حماس وكأنه ملك لها وجزء من مسؤولياتها اليومية. فإذا انكسر أو هزم ذلك النصر الفلسطيني فانه سيعني غلبة امريكية ـ صهيونية علي كل أحلام وطموحات العرب والمسلمين. وها أن الغرب كلُّه يعتبر انتصار حماس هزيمة لمشروعه الاستيطاني الصهيوني في فلسطين فتدق نواقيس الخطر في كل عواصمه وتخرج كلمات الغضب والابتزاز من فم زعماء كل دوله. ذلك لأنه يعلم جيداً بأن ذاك الانتصار الفلسطيني لن يبقي في مدنها وقراها وإنما سيمتدُّ ويمتدٌّ في أفق المحيط والمستقبل.وثانياً، فان ابتزاز الغرب المعروف سيتركًّز في موضوع المساعدات المالية، وقد بدأ بزخم كبير. أمام ذلك الابتزاز اللاإنساني يجب أن تتحمُّل الشعوب العربية والإسلامية مسؤولية تعويض الفلسطينيين عمُّا سيفقدونه. هناك حاجة ملحًّة لأن تضغط البرلمانات والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني علي كل الحكومات العربية والإسلامية لتخصيص معونات مالية معقولة ومنتظمة ودائمة لتقديمها للحكومة الفلسطينية القادمة أو لمؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني. وفي نفس الوقت هناك حاجة لأن يوجد صندوق دعم شعبي عربي ـ إسلامي قادر علي إبقاء نصر حماس حيُّاَ وحيويُّاً في فلسطين. من حق من حقًّقوا انتصاراً عربياً إسلامياً في بلادهم، له انعكاسات كبري في التاريخ والواقع، أن يحصلوا علي دعم عربي ـ إسلامي يعي التاريخ ويتعامل مع الواقع بفطنة وفعل.وثالثاً، فان حماس التي لم تمارس الحكم من قبل، إدارة وتنظيماً وخدمات وتعامل مع العالم، بحاجة ماسة لمتطوعين عرب ومسلمين يقدمون خدماتهم واستشاراتهم ودعمهم العلمي والفني إذا ماطلب منهم ذلك. وسترتكب حماس خطأ فادحاً إن لم تطلب ذلك في المراحل الأولي علي الأقل. من الضروري أن لا تقع حماس في العوز الفكري السياسي والتنظيمي والإداري حتي لا تسمح للابتزاز الغربي الصهيوني أن ينجح في تطويعها كما طوُّع إخوة لها من قبل وحتي تبقي جذوة الانتصار الفلسطيني جمرة تشعل الدٍّفء المطلوب في أرض يباب العرب والمسلمين. إنتصار حماس في فلسطين لوأد مهزلة المفاوضات التي لا ولن تنتهي ولوخز ضمير الغرب الذي مات، وإتساع وصمود المقاومة العراقية العربية الباسلة للوجود الاستعماري الامريكي في العراق وإخراج داعميه من حلم اليقظة الطفولي الذي يعيشونه، ونجاح الإخوان المسلمين في المحروسة مصر في كسر نهج احتكار السلطة اللاشرعي… تلك نماذج لبوادر إنتهاء الليل الطويل الحالك الذي خيمُّ علي هذه الأمة عبر العقود الثلاثة الماضية. وهي بوادر ستحتاج إلي دعم متواصل من قبل مؤسسات وشعوب هذه الأرض المستهدفة حالياً وإلي اعتبار نجاحها وتكرارها في أقطار عربية أخري من مسؤوليات تلك المؤسسات والشعوب. في أيام الهزائم تتراجع وتتقلًّص مساحات وحيوية الأحلام والأعمال المشتركة وفي أيام الانتصارات يتمُّ العكس. نحن أمام فرصة باهرة لتدمير مشاعر اليأس والإحباط والإنتقال إلي ساحات الأمل والتضامن والعمل الموحًّد.9