البعض اعتبر بيان المغزاوي بحثا عن الزعامة في صفوف المعارضة خاصة وأن أهم قيادات الأحزاب الكبرى من حيث القاعدة الجماهيرية متواجدة في السجون.
تونس ـ «القدس العربي»: بعد صدور نتائج الانتخابات الرئاسية في تونس وما أظهرته من تراجع كبير لمرشحي المعارضة لقاء فوز ساحق للرئيس الحالي قيس سعيد بعهدة ثانية، بدأت عديد الأطياف السياسية تدعو إلى مراجعات سياسية لأحزاب المعارضة وطرق نهجها وتعاملها مع المشهد الراهن خاصة بعد التشتت الذي أظهرته الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
ولعل هذا الموقف عبّر عنه أمين عام حركة الشعب والمرشح الرئاسي زهير المغزاوي في بيان أصدره مؤخرا، ويبدو أن أمين عام الحركة، والمرشح الرئاسي السابق، انتظر خطاب القسم وأداء اليمين للرئيس قيس سعيد بعد إعادة انتخابه، ليتحدث في جملة من النقاط التي تضمنها الخطاب المشار إليه لساكن قرطاج. كما وجه انتقادا مبطنا للمعارضة بسبب تشتتها داعيا إياها إلى توحيد الصفوف من أجل مشروع واقعي ينقذ البلاد من أزماتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
ورأى البعض أن البيان الأخير الذي أصدره المغزاوي الذي لم يكن محسوبا سابقا على صفوف المعارضة بل كان من المسارعين الأوائل لتأييد حراك 25 تموز/يوليو الذي قاده سعيد، قبل ان يغير مواقفه، هو بمثابة دعوة للانطلاق في خريطة طريق والقيام بمراجعات شاملة لأداء أحزاب المعارضة في تونس. فقد اعتبر زهير المغزاوي أن ما جاء في كلمة الرئيس قيس سعيد لا يحمل أي بوادر لتهدئة الوضع السياسي في البلاد، وأن الرئيس قدم خطاب تهديد وتقسيم للتونسيين في إطار مواصلة لذات النهج الذي دأب عليه منذ فترة. كما اعتبر أن الرئيس في هذا الخطاب لم يقدم أي برنامج واقعي للتونسيين فيما يتعلق بالتوجهات العامة خاصة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي اللذين يعاني البلد فيهما من أزمة مستفحلة.
وفي هذا السياق فان تراجع نسبة الإقبال على الانتخابات، ومسألة غياب 70 في المئة من عموم الناخبين عن صناديق الاقتراع، تحوز اليوم على اهتمام الفاعلين السياسيين باعتبارها تضم ثلاث فئات، تتعلق الأولى بالعازفين، والثانية بغير المبالين فيما اعتبر الفئة الثالثة هي فئة المقاطعين. وبالتالي فإن قراءة أرقام الانتخابات، تقدم للتونسيين مشهدا سياسيا مغايرا تماما لما يتم الحديث عنه في الخطاب الرسمي ومن قبل أنصار السلطة.
ويتفق أمين عام حركة الشعب، ذات التوجهات القومية العربية، مع باقي فريق المعارضة في فكرة أن هذا العزوف يدل على أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لم تجر في مناخ سليم بل في مناخ انتشر فيه الترهيب والخوف، على حد تعبيره. كما اعتبر أن من أسباب غياب الناخبين عن صناديق الاقتراع في الانتخابات الأخيرة، خيبة أمل الشباب الذي ساند عملية إزاحة منظومة سنة 2011 من الحكم من قبل الرئيس سعيد، أي ما سمي بالمساندين لـ25 تموز/يوليو 2021.
كما اعتبر المغزاوي أن الرئيس لم ينجح اقتصاديا واجتماعيا، ولم يُحمل كعادته المسؤولية عن هذا الفشل تحديدا إلى منظومة ما قبل 25 تموز/يوليو وإلى تداينها الذي أغرق البلاد، وإلى أجور الموظفين الذين أغرقت بهم تلك المنظومة القطاع العام. وانتقد الوضع الحقوقي في البلاد معتبرا أن هناك إخفاقا أيضا في هذا الملف مشيرا إلى المرسوم عدد 54 المثير للجدل والذي بمقتضاه تم تتبع أشخاص وإيداعهم السجون.
ويطالب اليوم العديد من الأحزاب المعارضة الرئيس سعيد بحسم الجدل نهائيا بخصوص قضية الترشح في الانتخابات المقبلة، واحترام المعايير الديمقراطية الدستورية، وذلك بالإشراف على مقاليد رئاسة الدولة لدورتين متتاليتين فقط، وقطع الطريق مبكرا على المناشدات والتلاعب بالدساتير. كما أن هناك دعوات بالأساس إلى تركيز المحكمة الدستورية العليا احتراما لدستور الجمهورية، وإلى العمل على تهدئة سياسية تقطع مع المناخ الصدامي الذي ساد خلال السنوات القليلة الماضية.
من جهة أخرى فإن جميع القوى الديمقراطيّة الاجتماعيّة المعارضة، على حد تعبير المغزاوي، مطالبة بإعادة قراءة المسار الانتخابي وما ترتّب عنه من نتائج قراءة موضوعية استشرافية من أجل تدارك النقائص والتحضير بشكل مبكر للاستحقاقات المقبلة. ودعاهم أيضا إلى العمل على إنضاج بديل اقتصادي واجتماعي للحكم خلال الفترة المقبلة يحترم الحس الشعبي وينقذ البلاد، على حد تعبيره، وهو ما رأى فيه البعض بحثا من المغزاوي عن الزعامة في صفوف المعارضة خاصة وأن أهم قيادات الأحزاب الكبرى من حيث القاعدة الجماهيرية متواجدة بالسجون.
آراء متعددة
وفي كل الحالات فإن هناك من يؤكد على أن الأمور داخل أنصار مسار 25 تموز/يوليو ليست على ما يرام، وعديدة هي الأطراف السياسية والحقوقية التي ساندت في البداية ما قام به رئيس الجمهورية سنة 2021 من تجميد للبرلمان وإيقاف العمل بالدستور، هي اليوم في صفوف المعارضة. كما أن حركة الشعب وعلى غرار أحزاب نخبوية عديدة وإن كانت ليست لديها امتدادات كبيرة في الشارع إلا أنها متواجدة بقوة في المجتمع المدني وحاضرة خصوصا في نقابات التعليم المنضوية تحت راية الاتحاد العام التونسي للشغل الذي لا تبدو علاقته برئيس الجمهورية على أحسن ما يرام.
ولعل السؤال الذي يطرح هو ذلك المتعلق بالموقف الرسمي لحركة الشعب، فهل ستسير الحركة على نهج أمينها العام بالكامل أم ستحصل انشقاقات داخلها من قبل رافضين لهذا التوجه للمغزاوي الذي وصف أحدهم بيانه بإعلان حرب على رئيس الجمهورية. ومن الأسئلة التي تطرح أيضا هل ستتحالف القوى الرافضة منذ البداية لمسار 25 تموز/يوليو وتتحالف مع المغزاوي وهو الذي ساند منذ البداية مسار الرئيس قيس سعيد ودعمه وانخرط فيه بمعية حزبه ودافع عنه بشراسة؟
إن ماهو أكيد أن هناك من سبق زهير المغزاوي في مساندة مسار 25 تموز/يوليو ثم انضم لاحقا إلى صفوف المعارضة إما دفاعا عن الديمقراطية والحقوق والحريات بعد أن شعر أنها مستهدفة، أو بسبب عدم اشراك رئيس الجمهورية لهم في القرار. ولعل أغلب من عبروا عن تغيير مواقفهم من مسار 25 يوليو لم ينضموا بالضرورة إلى جبهة الخلاص التي عارضت مسار الرئيس منذ البداية، بل منهم من انضم إلى تحالفات أخرى ومنهم من أصبح يمارس دوره كمعارض بعيدا عن كل شكل من أشكال التحالف أو الوحدة مع الأحزاب والشخصيات المعارضة الأخرى.
ولعل ما يميز زهير المغزاوي عن الآخرين أن موقفه المنتقد لمسار 25 تموز/يوليو جاء متأخرا بنظر الكثير من المعارضين لنظام الحكم وقد كانت هناك محطات هامة كان بإمكانه، حسب البعض، أن يتخذ موقفا معارضا ولكنه لم يفعل، خاصة بمناسبة إصدار بعض المراسيم التي حدت من الحريات. لكن التجربة السياسية التونسية تؤكد حاجة المعارضة دائما إلى تواجد مختلف الأطياف السياسية داخلها حتى تثبت للعالم أن حاكم البلاد، أيا كان إسمه، هناك إجماع على سوء إدارته، وهو ما يقتضي برأيها، تحالف أغلبية الأطياف السياسية ضده.
يشار إلى أن حركة الشعب ليست ضمن جبهة الخلاص المعارضة التي تضم أحزابا استهدفها مسار 25 تموز/يوليو على غرار حركة النهضة أو الحزب الجمهوري الذي يقبع أمينه العام عصام الشابي في السجن. وبالتالي فقد وصف البعض بيان المغزاوي الأخير بانه بمثابة الالتحاق بنادي المعارضة من الباب الكبير وببيان شديد اللهجة غير معتاد من المغزاوي نفسه الذي عرف بهدوئه وسعيه المستمر إلى التوافق وبناء التحالفات والمشاركة في الحكم.