ايران تحتفل بالثورة … وتواجه التحدي النووي

حجم الخط
0

ايران تحتفل بالثورة … وتواجه التحدي النووي

د. سعيد الشهابيايران تحتفل بالثورة … وتواجه التحدي النوويأجواء احتفالات ايران بالذكري السابعة والعشرين لثورتها الاسلامية التي تحل هذه الايام لم تتأثر بتزامنها مع موسم العاشوراء الذي تختفي فيه عادة مظاهر الابتهاج فحسب، بل ان الاجواء السياسية والضغوط الغربية المسلطة علي ايران ساهمت ايضا في تلبيد سماء طهران والمدن الايرانية ببعض السحب. وفي الوقت الذي يبتهج فيه الايرانيون بالسحب الكثيفة التي تؤذن عادة بهطول الامطار، والثلوج التي حولت قمم جبال ألبورز الي قطع بيضاء، نظرا لما يعنيه كل ذلك من تخفيف حدة الجفاف التي عمت المنطقة في السنوات الاخيرة، فان السحب السياسية تقلق الجميع، السياسيين والمواطنين علي وجه السواء. مع ذلك لا تبدو البلاد في ازمة حقيقية، ولا يبدو نظامها مهددا بالخطر من الداخل او الخارج. صحيح ان الانفجارات التي حدثت في بعض المناطق في الشهور الاخيرة، وآخرها الاسبوع الماضي في الاهواز، خلقت حالة توتر غير معلنة، ولكن الضغوط الخارجية بشأن المشروع النووي الايراني ربما ساهمت في تشجيع النظام علي التشبث بسياساته في هذه القضية، بعد ان اصبح المشروع عنوانا وطنيا عاما لا يختلف الايرانيون بشأنه. وهكذا يبدو المشهد الايراني اكثر تعقيدا مما كان عليه في السابق.ويعتقد بعض كبار المسؤولين في اجهزة الجمهورية الاسلامية ان الظروف الاقليمية والدولية تسير عموما لصالحهم، برغم ما يبدو احيانا من اجواء مقلقة. وآخر هذه التطورات فوز حركة المقاومة الاسلامية في فلسطين (حماس) بالانتخابات التشريعية الاخيرة، وبروزها كأقوي قوة في فلسطين. وبالميزان الاستراتيجي فان ذلك التطور انتصار للايديولوجية السياسية والاستراتيجية التي طرحتها ايران منذ انتصار ثورتها في 1979. ويكفي الاشارة الي انه في الوقت الذي رفض فيه اغلب سياسيي العالم التصريحات السلبية للرئيس الايراني، احمدي نجاد، حول الدولة العبرية، فقد عبر بعض زعماء حماس عن موقفهم تجاه تلك التصريحات بتصريحات ايجابية في اغلبها. وما تزال العقيدة السياسية لتلك الحركة مطابقة لما طرحه الامام الخميني في الايام الاولي للثورة بان اسرائيل غدة سرطانية في العالم الاسلامي يجب اقتلاعها. وشيئا فشيئا، تزداد حالة الاستقطاب في المنطقة بين تيارين رئيسيين: احدهما يعتقد بضرورة مواجهة ما يسميه المشروع الغربي ـ الصهيوني في الشرق الاوسط، والآخر يبذل جهودا مضنية لفرض حالة تطبيع مع قوات الاحتلال الاسرائيلية ضمن خطط التسوية تارة، وضمن تيار التغريب ثانية، وفي اطار الاستسلام السياسي للهيمنة الامريكية ثالثة. ولاستكمال معالم المشهد الايراني في اطاره الاستراتيجي، تبدو طهران هي الأوفر حظا من نتائج السياسات الغربية في المنطقة. فالدعم الغربي للانظمة الاستبدادية طوال العقود الماضية ادي الي بروز رأي عام عربي واسلامي معاد للسياسات الغربية، حتي بلغ الامر الي بروز الحركات الارهابية والمتطرفة التي تستهدف الوجود الامريكي بشكل اساسي. كما ان تشجيع العملية الديمقراطية في الشرق الاوسط، وهي السياسة التي اعلنتها واشنطن بعد اسقاط النظام العراقي قبل ثلاث سنوات تقريبا، ادي الي فوز تيارات اسلامية مزعجة للولايات المتحدة الامريكية بشكل خاص. فابتداء بتركيا التي وصل الاسلاميون فيها الي الحكم بعد ثمانين عاما من هيمنة أبشع نظام علماني تغريبي في المنطقة، مرورا بالعراق التي فاز فيها التيار الاسلامي الشيعي في اول انتخابات برلمانية بعد سقوط النظام، وهو أبعد التيارات السياسية العراقية عن السياسات الامريكية واقربها الي ايران، ومصر التي فاز الاخوان المسلمون في انتخاباتها الاخيرة بخمس المقاعد البرلمانية برغم ما مارسته السلطان من اساليب قمعية ضد الجماعة، ووصولا الي فوز حماس في اول انتخابات تشريعية من نوعها، تبدو التطورات السياسية في العالم الاسلامي سائرة باتجاه لا يصب لصالح السياسات الامريكية. يضاف الي ذلك ان اسقاط نظام طالبان في افغانستان التي لم تكن علي علاقات طيبة مع ايران كان تطورا ايجابيا من وجهة النظر الايرانية. والواضح ان الغرب دخل في دوامة من السياسات والسياسات المضادة للتعاطي مع التطورات السياسية والامنية في العالم، لم تحقق اهدافه، بل زادت مهماته تعقيدا، واصبحت مشاكله تتجدد بسبب سياساته غير المنطقية. فدعمه غير المشروط لـ اسرائيل اصبح مشكلة في ذاته، دفعته لاعلان مواقف غير مقبولة بشأن التعاون مع حماس بعد فوزها في الانتخابات، والتصدي لايران بشأن مشروعها النووي. ولوحظ ان المواقف الغربية اصبحت أسيرة للسياسات الامريكية التي تنطلق اساسا علي خلفية الدعم غير المشروط للاحتلال الاسرائيلي، وعليه تؤسس كافة سياساتها ومواقفها الخارجية. ولذلك تتجه الامور بشكل عام الي حالة من الاستقطاب الفكري والايديولوجي والسياسي في العالم الاسلامي رافض لسياسات الولايات المتحدة، التي أصبحت تحرج اصدقاءها قبل أعدائها. فموقفها المتشدد ازاء المشروع النووي الايراني يقابله صمت مطبق ازاء ما تمتلكه اسرائيل من أسلحة نووية تعتبر من أشد انواع أسلحة الدمار الشامل فتكا. وحتي عندما اعتقلت السلطات الاسرائيلية عالم الذرة الاسرائيلي، موردخاي فعنونو، في مطلع الثمانينات وسجنته 18 عاما بسبب كشفه بعض تفصيلات المشروع النووي الاسرائيلي لم تتدخل واشنطن للدفاع عنه او حتي المطالبة باطلاق سراحه. وعندما طرح الغربيون مواقفهم من حماس بعد فوزها لم يتعرضوا لمسألة الاحتلال نفسها، ولم يطرحوا الارهاب الاسرائيلي المتواصل، وتناسوا ان مناحيم بيغين، رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق، كان في 1947 مطلوبا لدي السلطات البريطانية بتهمة الارهاب، وان ارييل شارون شارك شخصيا في اعمال ارهابية ضد الفلسطينيين في الخمسينات. هذه الازدواجية في السياسات والمواقف في العقود الثلاثة الاخيرة، دفعت العالمين العربي والاسلامي، ودول أمريكا اللاتينية ودولا اخري في افريقيا وآسيا، الي مشاعر معادية للسياسات الامريكية، تراكمت تدريجيا حتي اصبحت واشنطن عاجزة عن تمرير ما تريد من قرارات في المحافل الدولية. فشنت الحرب ضد العراق بدون قرار من مجلس الأمن الدولي، واصبحت تلك الحرب ونتائجها تحاصر الرئيس الامريكي ورئيس الوزراء البريطاني. ونجم عن ذلك توتر العلاقات بين واشنطن والامين العام للامم المتحدة الذي ما برح يكرر عدم شرعية تلك الحرب. وفشلت واشنطن في محاولاتها المتكررة لاستصدار قرارات دولية ضد ايران، ولم تستطع حتي الآن احالة الملف النووي الايراني الي مجلس الامن الدولي. كما فشلت في اقناع مجلس الحكام بالوكالة الدولية للطاقة الذرية باصدار قرارات وفق ما تريد، واصبحت تقترب من الاصطدام مع رئيسها، الدكتور محمد البرادعي. وآخر فشل لها تمثل برفض البرادعي تقديم تقرير مستعجل للوكالة حول المشروع الايراني. اما ما يبدو من اتفاق بين الدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الامن الدولي ومعها ألمانيا في الاجتماع الذي عقد قبل يومين في لندن، باعطاء طهران فرصة الي ما بعد اجتماع مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد كان أتفاقا توفيقيا يهدف لحفظ ماء وجه الدول الغربية، وليس قرارا حاسما وفق الخطة الانكلو ـ أمريكية. وثمة عدد من الاسباب التي تعيق تدويل الصراع الامريكي مع ايران. السبب الاول والاهم ان ايران لم تقم حتي الآن بعمل مناقض لبنود الاتفاقية الدولية للحد من انتشار الاسلحة النووية (ان بي تي) وهي الاتفاقية التي ترفض اسرائيل حتي الآن التوقيع عليها، والتي تسمح للايرانيين بتخصيب اليورانيوم وفق احتياجاتهم لتشغيل مفاعلاتهم لتوليد الطاقة. والثاني ان ايران تعاونت بشكل معقول مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وسمحت لمفتشيها بمراقبة انشطتها في هذا المجال، ولم تعرقل مهماتها خلال زياراتها الي المواقع الايرانية، والثالث ازدواجية السياسات والمعايير الامريكية بشأن المشاريع النووية، الامر الذي يبعث الشكوك لدي الدول الاخري التي تعارض تلك السياسات وتشعر ان لدي واشنطن اجندة سياسية غير معلنة، وان سياساتها محكومة بتأثيرات اللوبي الصهيوني الذي اصبح يوجه سياساتها الخارجية بشكل كبير. والرابع ان واشنطن لن تحقق اجماعا دوليا علي هذا الحصار، فقد فشلت كافة محاولاتها لاقناع روسيا والصين بمسايرة سياساتها تجاه ايران. خامسا ان اي تهديد بفرض حصار اقتصادي علي ايران سوف ينعكس سلبا علي الاوضاع الاقتصادية الغربية علي وجه الخصوص، بسبب الارتفاع الكبير المتوقع في اسعار النفط، وهو عامل مهم في تحديد الموقف الدولي. سادسا عدم وجود قناعة لدي دول العالم بجدوي التصعيد مع ايران، خصوصا بعد كارثة العراق التي تأسست علي معلومات غير دقيقة، وأدت الي تصاعد العنف والارهاب بدلا من احتوائه، وأصبحت الولايات المتحدة وبريطانيا تتحملان تبعات الحرب التي شنت خارج الاجماع الدولي. من جانبها تطرح ايران موقفها بقدر من المنطق. فهي تقول اولا ان الموقف الامريكي سياسي بالدرجة الاولي وليس قائما علي اساس الحرص علي الأمن والسلام الدوليين. ثانيا ان مشروعها قام في الاساس بموافقة غربية علي نطاق واسع. ففي 1974 قامت شركة ألمانية ببناء مفاعلين نوويين لايران، وفي العامين التاليين شاركت شركات المانية وفرنسية في توفير معدات مهمة للمشروع النووي الايراني. وتقول ايران انه علي مدي العشرين عاما الماضية تصاعدت احتياجاتها للطاقة الكهربائية بنسبة 8.7 بالمئة سنويا. يقابل ذلك هبوط انتاجها النفطي من ستة ملايين برميل الي اربعة ملايين برميل يوميا، وزيادة عدد سكانها من ثلاثين الي اكثر من سبعين مليونا، وبالتالي اصبح عليها ان تسعي لتنويع مصادر طاقتها الكهربائية، وان المشروع النووي يوفر ذلك. وتؤكد دعواها بانها اصبحت تنفق اكثر من اربعة مليارات دولار سنويا لاستيراد المشتقات النفطية الضرورية لتوفير احتياجاتها المتزايدة. في ضوء هذه الحقائق اصبح مشروعها النووي حاجة استراتيجية لها. وتؤكد طهران ان المؤاخذات الامريكية لا تستند الي الوقائع، بل تقوم علي اساس محاكمة النوايا، والادعاء بانها تسعي لتصنيع سلاح نووي، بينما تلوذ واشنطن ومعها العواصم الاوروبية بالصمت ازاء المشروع النووي الاسرائيلي الذي أنتج أكثر من مائتي رأس نووية، فهي القوة النووية الوحيدة في الشرق الاوسط. ومع ان القرار 687 الذي صدر عن مجلس الامن الدولي حول العراق اثناء ازمة الكويت يطالب باخلاء الشرق الاوسط من كافة اسلحة الدمار الشامل، فان المجتمع الدولي فشل في اتخاذ اية خطوة لتحقيق ذلك، وبقي القرار في شقه المتعلق بهذه المسألة معلقا. وتواصل طهران أدلتها للدفاع عن نفسها، مشيرة الي قائمة من تصريحات مسؤولي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تؤكد علي تعاونها مع فرق التفتيش، وانها ملتزمة بما تمليه عليها التزاماتها وفق معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية. وفيما تتحرك الاوضاع متجهة نحو المزيد من التوتر، يبدو الوضع مهيأ لواحد من أمور ثلاثة: فاما الانفراج بوضع ضوابط توافقية للمشروع النووي الايراني، او ممارسة الضغوط الدبلوماسية والسياسية بشكل تصاعدي حتي استصدار قرارات دولية ضد ايران (وهو أمر صعب جدا في ضوء الشكوك في النوايا الامريكية)، او العمل العسكري الاستباقي من واشنطن او تل أبيب او كليهما. والثالث هو الأخطر في هذه السيناريوهات، لان في ذلك تعديا علي سيادة بلد آمن وانتهاكا صارخا للقوانين الدولية، وتفجيرا لأزمة لن تنتهي بسهولة. 9

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية